كثيراً مانسمع ونقرأ عن انعقاد الكثير من الندوات والملتقيات حول الكثير من المشكلات التي تقف عائقاً أمام تنفيذ العديد من المتطلبات التي ترفد عملية البناء والتطور وتهدف وضع حلول لهذه العوائق،ورغم أن انعقاد هذه الندوات والملتقيات بجهود ذاتية ومن قبل جهات تهدف إلى المساهمة في وضع النقاط على الحروف وإيجاد المناخ الملائم لحل هذه المعضلات من خلال قرارات وتوصيات تكون بمثابة تشخيص صحيح يسهل وضع الحلول المناسبة والتي تفرزها هذه الملتقيات والندوات. ورغم أن هذا الجهد المبذول للأسف له أهميته في ضوء ماتخلص إليه هذه الندوات من قرارات وتوصيات لكنها للأسف تذهب ادراج الرياح وتظل حبيسة الادراج ولاندري هل لأن هناك قصوراً لدى الجهات المعنية بمواضيع هذه الندوات أو نتيجة لعدم وجود رغبة حقيقية لدى البعض للقيام بهذا الاصلاح رغم شكاوى الكثير من الجهات من هذه المشكلات والتي تواجهها والتي تعيقها في تنفيذ الأهداف المرسومة لها،وقد لفت نظري ودفعني إلى كتابة هذه المقالة المتواضعة. الندوة التي استضافتها مكتبة السعيد والتي كانت تحت عنوان «الاختلالات في الامتحانات بين الواقع والامكانيات والحلول» ومع أن الندوة ركزت على هذه المشكلة التي لها أهميتها إلا أنها تعد جزءاً من المشكلة أو بالأصح تعد نتاجاً للمشكلات التي يعانيها النظام التعليمي وتحتاج إلى جهد غير عادي لإعادته إلى مساره الصحيح. الندوة استفاضت وأسهبت في طرح هذه القضية التي تعد الاطار النهائي للعملية التعليمية وهي امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية العامة وكان في مقدمة ضيوفها الدكتور مهدي عبدالسلام مدير مكتب التربية بالمحافظة والذي أرجع أسباب هذه المشكلة إلى العديد من الأسباب التي من أهمها. بروز مظاهر العنف ضد المشرفين على عملية الامتحانات التجمهر بجانب المراكز الامتحانية من قبل البعض اختراق البعض للقاعات الامتحانية ممارسة الضغوط على رؤساء المراكز الامتحانية من بعض الشخصيات الاجتماعية وأصحاب الوجاهات ضعف الوازع الديني والاخلاقي لدى الأسرة، الضغط النفسي الذي يمر به الطالب. الدكتور الذيفاني كان أكثر أيضاحاً لحقيقة المشكلة وجوهرها،واعتبار أن هذه المشكلة هي جزء من كل مبيناً من خلال ذلك الاختلالات التي يعاني منها النظام التعليمي برمته والتي تبدأ من أعلى الهرم التربوي،فالإدارة المدرسية فالمعلم المنهج التوجيه التربوي. القصور الذي تعاني منه عملية التخطيط التربوي والذي يتجاهل الواقع والامكانيات ضعف التوعية ودور الوزارات ذات العلاقة خاصة وزارتي الاعلام والثقافة. ولان قضية التعليم في بلادنا لها أبعادها وتأثيراتها على واقعنا الاجتماعي،فالمسئولية هنا لايمكن أن تتحملها جهة بذاتها بل المشكلة بحاجة لتضافر الجهود من قبل الجميع ولأن حقيقة المشكلة تكمن في كوننا لازلنا نفتقر إلى وجود استراتيجية واضحة المعالم للتعليم والتي من خلالها نستطيع كدولة وكمجتمع وأفراد أن نسير من خلالها برؤيا واضحة شريطة أن تلبي حاجات المجتمع على المدى المنظور والبعيد لا أن تشمل أهداف قصيرة المدى،فالوضع الحالي للجانب التعليمي على مايلاحظ من عام إلى عام يسير من سيئ إلى أسوأ رغم إدراك الجميع لخطورة تأثير العملية التعليمية على كل الجوانب الأخرى باعتبار التعليم هو الركيزة الأساسية التي ترفد كل الجوانب الخدمية بالكوادر البشرية بعد اعدادها عبر السلم التعليمي الذي تكون نتيجته الحتمية كوادر مؤهلة تأهيلاً علمياً صحيحاً وفي ضوء هذا الاختلال الذي يعاني منه النظام التعليمي الذي ستكون نتيجة تخرج كوادر لانقول شبه مؤهلة بل شبه أمية نتيجة لقصور عملية الاعداد والتأهيل الأولية في السلم التعليمي والمشكلة هنا تتلخص في أولها الإدارة المدرسية غير المؤهلة والتي للأسف بعضها لاتستطيع حتى إدارة نفسها وجهل بعضها بأهمية هذا الجانب حتى أن هناك من ينظر لهذا الجانب من منظور مادي فقط أيضاً من أسباب الاختلال التعليمي هو رفد بعض المدارس بكوادر أكثر من حاجتها في الجوانب الإدارية. إذ أن هناك مدارس فيها من الوكلاء مثلاً أكثر من المعلمين فيها وكل ذلك على حساب العملية التعليمية والعاملين في الميدان. هذا ناهيك عن آلاف الموجهين الذين تم تعيينهم تحت مسميات توجيه تربوي وآخر تحت مسمى تفتيش مالي وإداري وكل هذا على حساب الميدان ومجال التدريس وأعتقد أن هذه المشكلة لاتخفى على أحد حتى أن الأخ الدكتور عبدالسلام الجوفي وزير التربية والتعليم تحدث عن هذه المشكلة حيث أشار على ما أذكر وفي أحد تصريحاته لاحدى الصحف بأن حاجة الجمهورية بكاملها لايتجاوز 4600 موجه تربوي بينما قطاع التوجيه يعج بأكثر من احدى عشر ألف موجه أما مجال الرقابة والتفتيش،فحدث ولاحرج كل ذلك جعل المشكلة تتفاقم بشكل خطير حتى أم مدير مكتب التربية في إحدى مديريات محافظة تعز يقر بأن قوام موظفي مكتبه2400 موظف إذاً عملية الهروب هذه عكست نفسها وبشكل خطير على المستوى التعليمي لأن مجال التدريس يعاني من عجز عكس نفسه على المستوى التعليمي هذا الوضع جعل بعض الإدارات المدرسية وخاصة في الريف ونتيجة لوجود عجز في مدرسي المواد جعلها تلجأ إلى إنجاح الطلاب في هذه المواد الدراسية دون أن يكون لهم أدنى معرفة بمواضيع هذه المواد وكل هذا خلقه عملية الهجرة والهروب من مجال التدريس إلى الوظائف المكتبية تحت مبررات مختلفة. ولكي تعود الأمور إلى نصابها الصحيح وحتى تستعيد العملية التعليمية عافيتها في الميدان «مجال التدريس» وتمارس برغبة حقيقية لابد من إيجاد حوافز مادية ومعنوية تعمل على عكس هذه الهجرة من الميدان خاصة لمدرسي المرحلة الأساسية. شريطة أن توضع شروط منها إلغاء هذه الحوافز على كل من يريد ترك مجال التدريس والانتقال إلى وظيفة مكتبية سواء أكان مدرساً في المرحلة الأساسية أو المرحلة الثانوية. أما المشكلة الثانية التي تضيف عقدة كبيرة،فهي قضية المنهج المدرسي حيث أن المنهج الحالي مبني على امكانيات لاتتوفر في مدارسنا مادته العلمية فوق مستوى الطالب خاصة في المرحلة الأساسية وبالذات في الصفوف الأولى التي تعتبر الركيزة الأساسية لتسلسل السلم التعليمي والذي على أساسه نرتقي بمستوى الطالب إذ يفترض ان يكون المنهج يتناسب مع قدراته وتستخدم أسلوب التشويق تجعل الطالب يتعامل معها وترتقي به من الاسهل إلى الاصعب بحيث يحب المادة العلمية ويتعامل معها بتفاعل بشكل ايجابي لأن المنهج الحالي هو عبارة عن حشو معلومات مكثفة لا تتناسب مع مقدرة الطالب خاصة في الصفوف الأولى. فمثلاً يكفي أن يتجاوز الطالب في الصف الأول وحتى الصف الرابع ويخرج بحصيلة أنه يستطيع أن يقرأ ويكتب بصورة صحيحة ويدرك الأرقام والعمليات الحسابية الأولية. هذه المرحلة إذا مابلغها الطالب يستطيع بعدها أن يلج ويتدرج مع المعلومات حسب تطور مداركه لأنه قد أكتسب المهارة اللازمة للتعامل مع كل جديد في هذا الجانب. المعلم وضرورة اعداده بمايتناسب مع متطلبات المرحلة وبما يجعله قادراً على الامساك بجوهر الفكرة العلمية والطريقة الناجعة لايصالها للطالب وبأسلوب سلس ومبسط ومشوق تجعل الطالب يحب المادة العلمية ويحب المعلم وهذا يحتاج إلى إعداد المعلم بما يتناسب مع هذه المعطيات التي تجعل العلاقة بين الطالب والمعلم عملية أخذ وعطاء. لاكما هو الحاصل أن مدرس يدرس طلاب في المرحلة الأساسية مصطلحات درسناها في الجامعة لايستطيع الطالب حتى التعامل معها. النقطة الأخيرة وهي دور الجهات الأخرى وبالذات الجانب الاعلامي ودوره في عملية التوعية ومساهمته الايجابية بشكل فاعل يكمل دور الجهات المعنية وذلك من خلال التوعية وإبراز مخاطر التذبذب في المستوى التعليمي لابنائنا وإبراز دور الأسرة المهم في هذا الجانب وإزالة التصور الخاطئ والخطر والذي تقوم به بعض الأسر ويرتكز على منطق خاطئ يقوم على أن الهدف هو الحصول على شهادة النجاح بأي طريقة كانت لا الحرص على إكساب ابنائنا للمهارات العلمية الصحيحة التي تجعله ناجحاً في حياته المقبلة. إذاً خلاصة القول والذي يجب ان ندركه جميعاً ان مسئولية تغيير الوضع الحالي للتعليم وإعادته إلى مساره الصحيح لايقتصر على جهة واحدة بل الكل يتحمل المسئولية بدءاً من الجهات الرسمية المعنية بهذا الجانب خاصة القيادات العليا في أعلى هرم هذا القطاع مروراً بإيجاد الإدارة المدرسية المؤهلة والتي للأسف نفتقدها،فالمعلم والأسرة التي هي أيضاً يقع عليها العبء الكبير من المسئولية. ابعاد تدخل الجهات أو الشخصيات الاجتماعية وأصحاب الوجاهات والتي ليس لها علاقة في مجال التربية،ومنعها من التدخل في هذا الجانب الهام وترك التربية للتربويين لأن هناك احصائيات صادرة عن وزارة التربية والتعليم تؤكد توقف العملية التعليمية في أكثر من 750 مدرسة في الجمهورية نتيجة هذه التدخلات. كذلك دور الاعلام الهام الذي يفترض أن يقوم بدوره لإزالة مواضع الخلل حتى يتم تلافيها ناهيك عن دورها التنويري للمجتمع والأسرة. فاختلال النظام التعليمي لانستطيع القضاء عليه ما لم تكن أقوالنا مقرونة بالأفعال لا أن يظل دورنا يقتصر على عقد الندوات والملتقيات تحت مسميات وعناوين مختلفة وفي الأخير قرارات وتوصيات لانجد لها أثراً في الواقع وهذا مايجب أن تدركه القيادات التربوية التي تتحمل المسئولية في هذا الجانب على اعتبار أنها القدوة التي يجب أن تقترن أقوالها دائماً بالأفعال.