في عام 1949 تجمع عشرات الآلاف من اليهود من جميع أنحاء اليمن في مدينة عدن الجنوبية.. وفي هذه المدينة انتظروا ولمدة شهرين الطائرات التي ستقلهم إلى إسرائيل ضمن العملية التي أطلقوا عليها تسمية "بساط الريح"، وأحضروا معهم الكثير من ملابس الزفاف التقليدية والمجوهرات القيمة الخاصة بأسرهم، ولكن عندما كانوا على وشك المغادرة وجد الكثير منهم أنه لا يمكنهم جلب هذه الأشياء إلى إسرائيل، نظراً لوزنها.. وهكذا عندما جاء يهود اليمن إلى إسرائيل، خلفوا وراءهم ملابسهم التقليدية المحلية. تقول الدكتورة كارميلا ابدير، وهي باحثة في الفولكلور ومتخصصة في ثقافة اليهود اليمنيين: "ذكر السكان أنهم خلعوا ثيابهم وتركوها في حمامات منازلهم وغادروا مرتدين ملابس خفيفة. ولكن حتى لو كانت أسباب خلع الملابس هي أسباباً تقنية، إلا أني أرى أن هذا هو نوع من التجريد من الهوية، فالمرأة في اليمن كان لها ارتباط عميق جداً بهذا الزي، وكانت معتادة على كل تفاصيل مجوهراتها وملابسها.. وفجأة كان عليهن التخلي عن ملابسهن ومجوهراتهن التي كن مرتبطات جداً بهن". إلا أن هذا لم يمنع مجوهرات الزفاف اليمنية من أن تصبح نوعاً من العلامات التجارية الإسرائيلية، وأحد رموز الإنجاز لأيديولوجية جمع المنفيين.. فقد مرت المجوهرات والمطرزات اليمنية بعملية تغيير وحفظ على أيدي المجموعات التجارية والأيديولوجية، ومن جماعة اليهود اليمنيين على حد سواء.. ووفقاً للدكتورة ابدير، ففي البوتقة الإسرائيلية، تم استبدال التنوع في التقاليد المحلية بشيء موحد والذي أصبح أكثر ارتباطاً مع المجموعة، ألا وهو: زي الزفاف الرائع لمدينة صنعاء، عاصمة اليمن. وتقول: "أصبح الجميع يعرف جيداً الملابس التقليدية الرائعة لعروس صنعاء، مع تاج اللؤلؤ ومجوهرات الذهب والفضة.. ترتدي المرأة اليمنية هذه الملابس، وبشكل أساسي في حفلات الحناء، حتى وإن كان والداها قد قدما من منطقة أخرى ذات تقاليد مختلفة". في الواقع، يبدو أن الملابس الأصلية للنساء اليمنيات مختلفة، ويتوقف ذلك على المناطق التي جئن منها.. فالنساء القادمات من منطقة حيدان، في الشمال، كن مميزات ب"الشيلة" وهي غطاء أسود يغطي الرأس، وبالثوب المصبوغ باللون النيلي.. أما النساء من منطقة الشرف، غرب صنعاء، كن مميزات بالملابس غير المتناسقة، والمطرزة بشكل كبير والتي تشبه نماذج التطريز الأثيوبي.. أما أولئك القادمات من مناطق بيحان وحبان، فكن معروفات بأحزمة الفضة والضفائر المتعددة. وهذه ليست سوى عدد قليل من أنماط الملابس التي كانت موجودة في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية. لقد تحدثت الدكتورة ابدير عن ذلك في مؤتمر عقد في جامعة بار ايلان على شرف الذكرى الستين ل"على أجنحة النسور": موجة الهجرة من اليمن.. ووفقاً لابدير "كان المجتمع الإسرائيلي لطيفاً جداً مع اليمنيين.. لقد حازوا على سمعة جيدة بكونهم يهوداً لطفاء، مسالمين، وبأنهم جماعة حافظت على ثقافة العبرانيين من الحقبة التوراتية.. ولكن، في حين تكيف اليهود اليمنيون ليكونوا إسرائيليين، مروا بعملية مثيرة للاهتمام: لقد أنشأوا لأنفسهم هوية إسرائيلية يمنية عامة.. لذا اختاروا عادة ارتداء ملابس زفاف صنعاء التقليدية، مع التاج المرتفع المرصع باللؤلؤ، والذي أصبح رمزاً أكثر إثارة. "وعلى الرغم من أن أقل من خُمس اليهود في اليمن يرتدونه، إلا أن كل الأسر في إسرائيل ترتدي هذا الزي، وأصبح مرتبطاً بشكل رئيسي بحفلة الحناء.. لقد ظهرت هذه الصورة على الملصقات وفي الموسوعات وحتى في أشرطة فيديو عوفرة حزة (عفراء هزاع) الموسيقية.. كل ذلك ساعد على تعميم هذه الصورة". وهكذا أصبحت ملابس زفاف صنعاء رمزاً لجميع يهود اليمن.. ومع ذلك، وحسب ما ذكرته ابدير، فإن "منشأ بعض من هذه المكونات ليس بالضرورة أن يكون يهودياً بشكل عام.. فقد تم اقتباسها، وبشكل خاص، من المسلمين.. فقط في إسرائيل أصبحت رمزاً يهودياً.. وهذا مثال على الانتفاع من العناصر الموجودة ضمن إطار جديد". الدكتورة ابدير، التي تُدرّس في الجامعة العبرية وجامعة بن جوريون، جاء والداها من منطقة بيحان، جنوب شرق اليمن، حيث تقول: "سرعان ما أراد والداي أن يكونا إسرائيليين بكل المقاييس، وبالتالي لم تثر هذه القضايا اهتمامهما كثيراً".. كما تروي أن اهتمامها بالتقاليد في هذا المجال بدأ في حفل حناء شقيقتها؛ ففي حفل الحناء "ألبست زوجة الحاخام يوسف كاباش والمزينة الرئيسية للجماعة أختي الملابس التي تشتهر بها مدينة صنعاء.. أتذكر أن والدتي قالت: بالنسبة لنا، لم تكن بهذه الطريقة.. وأثار هذا فضولي كثيراً وأصبحت من حينها مهتمة بملابس بيحان التقليدية". ليست ابدير هي الوحيدة، ففي أواخر السبعينات، عندما بدأت البوتقة الإسرائيلية بالتفكك، بدأت العائلات اليمنية أيضاً تظهر اهتماماً متزايداً بملابس أسلافهم التقليدية.. ففي السنوات الأخيرة، برز تقليد جديد في الأعراس وفي حفلات الحناء: طوال المساء تقوم العرائس بارتداء أكثر من زي لمختلف المناطق. تقول ابدير: "في بداية المساء، ترتدي العروس الزي المألوف في صنعاء.. بعد ذلك، تغير وترتدي ملابس من حيدان في الشمال، ومن ثم ملابس من حبان في الجنوب". دُهشت ابدير لما تخضع له الملابس اليمنية المختلفة في إسرائيل.. "لقد بدأت بدراسة هذا الموضوع من أجل أن يبقى تقليد والدي على قيد الحياة، لكنني لا أعتقد أن الملابس المعاصرة أقل أصالة أو أن ثمة شيئاً نشعر بالأسى حياله". ومع ذلك، وحسب ما قالته ابدير، فقد أصبحت ملابس الزفاف على مدى العقد الماضي صناعة حقيقية.. "لقد بدأت تزدهر صناعة ملابس يوم الزفاف، وبدأ يجرى تحويل حفل الحناء إلى مهرجان ملابس، وأحياناً ليست العروس وحدها من ترتدي هذه الملابس، بل يرتديها جميع أفراد العائلة، يحدث ذلك في الجماعات الأخرى أيضاً، على سبيل المثال، بين المغاربة، حيث يصور، بشكل خاص، اليهود المزراحيون (يهود من أصل شرق أوسطي)، الشرق بطريقة رومانسية".