لم يحلم سكان مدينة شهارة النائية أن جسر المدينة المعلق والمعروف بجسر شهارة، الذي بني قبل مائة عام سيحول في يوم من الأيام مدينتهم إلى مقصد سياحي مهم يأتيه السياح من مختلف بلدان الدنيا، وذلك على الرغم من وعورة الطرق المؤدية إلى المدينة التى تقع على بعد 140 كيلومتراً إلى الشمال الغربي من العاصمة صنعاء. وتعرف مدينة شهارة بجسرها التاريخي الذي يربط سلسلة جبالها المعروفة بجبال الاهنوم، نسبة إلى القبائل التي تسكنها وإن اشتهر جبلا شهارة الفيش والأمير اللذان يصل بينهما هذا الجسر الفريد. ويرتفع الجبلان لمسافة 3000 متر فوق سطح البحر، وتتربع مدينة شهارة على قمة الجبلين لتعانق بمبانيها العتيقة الغيوم مطلة على عدد من الوديان والقيعان الخضراء، ويميزها بالإضافة إلى جسرها التاريخي ومناخها المعتدل طوال العام وجود عدد من المعالم الأثرية والتاريخية. وتشير الإحصاءات إلى تزايد عدد السياح الذين يقصدون شهارة سنوياً، حيث بلغ عددهم العام الماضي 17 ألف سائح ما جعل السياحة نشاطاً اقتصادياً آخر لسكان المدينة الذين يعتمدون على الزراعة كنشاط أساس. وبناء على ذلك تم تحويل عدد من المباني الأثرية بطابعها المعماري المتميز إلى استراحات وفنادق تستضيف السياح وتقدم لهم الوجبات الشعبية الشهية وفقاً لأصول الضيافة التقليدية وتهيئ لهم أيضاً فرصة التعرف على العادات والتقاليد الاجتماعية من خلال تنظيم زيارات لبعض الأسر وحضور مقايل وجلسات تعاطي القات والاختلاط بالناس في حوار ثقافي حميم، كما قامت إلى جوار الجسر العديد من الحوانيت والمحلات التي توفر متطلبات الزوار من التحف والحلي الشعبية والمقتنيات الأخرى. ويمثل جسر شهارة أحد أهم معالم المدينة ويعد أعجوبة معمارية وهندسية فريدة، إذ يعود بناؤه إلى عام 1905م، وفي رواية أخرى يعود إلى عام 1894م.. قام ببنائه الأسطى صالح الذي طغت شهرة الجسر على اسمه. الجسر عبارة عن ممر أقيم على تل منحدر ليربط بين جبلين هما: جبل شهارة الفيش وشهارة الأمير ويبلغ طوله 20 متراً وعرضه ثلاثة أمتار ويرتفع عن قاع الوادي العميق بأكثر من 300 متر.. وحسب المصادر التاريخية فإن الجسر أقيم في الأساس لاختصار الطريق من خلال وصل الجبلين وتوفير الكثير من الجهد والوقت على السكان على الجانبين والذين كانوا يضطرون إلى النزول إلى الوادي الذي يفصل الجبلين ثم يصعدون إلى الجبل الآخر وكان يتعذر عليهم نقل الكثير من الأشياء، فجاء بناء هذا الجسر للوصل بين السكان الموزعين على ضفتي الجبلين ويوحد المدينة بقسميها قبل أن يتحول إلى معلم سياحي بعد مرور أكثر من مائة عام على تشييده. وتشير المصادر أيضاً إلى أن بناء جسر شهارة استغرق ثلاثة أعوام وأن كلفة بنائه بلغت 100 ألف ريال ذهب (ريال فرنسي) العملة المتداولة حينها، وهو مبلغ يعد كبيراً جداً وقتها.. ويعد الجسر أشهر قناة برية معلقة وتحفة معمارية رائعة وعملاً هندسياً استثنائياً يمتاز بطابع معماري فريد على مستوى الجزيرة العربية، كما يتميز بدقة البناء والتكوين الملائم لطبيعة المنطقة الجبلية التي شيد فيها، وهذا ما يفسر اهتمام الزوار الأجانب به كمعلم هندسي وتاريخي فريد. ويتداول الناس هناك الكثير من القصص والحكايات حول الجسر وشهرته ومنها أن الأسطى صالح باني الجسر أصيب بلوثة عقلية عقب إتمام البناء لأنه لم يصدق أنه من أنجز هذا البناء الأعجوبة، كما تنتشر على جانبي الجبلين نباتات عجيبة ذات أوراق رقيقة بيضاء يطلق عليها الأهالي اسم «مسكرة القطط» لأن القطط ما إن تشم عبير زهور هذه النباتات حتى تتحول إلى كائنات نباتية وتلتهمها بشراهة ما تلبث أن تترنح بعدها يميناً وشمالاً وهي فى حالة سكر ونشوة.. وما يحكى أيضاً عن ولع القطط بهذه النباتات أنها هاجمت رجلاً كان يحمل بعضاً منها ولم تتركه إلا بعد أن رمى لها بما معه. وتتميز مدينة شهارة إلى جانب ذلك بمقومات سياحية لا تقل أهمية وجذباً ومنها سور المدينة المزود بحصون دفاعية وسبعة أبواب رئيسية تفتح في الصباح وتغلق في المساء، بحيث لا يستطيع أحد الدخول إلى المدينة أو الخروج منها، وهي تقاليد تعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي، بالإضافة إلى ذلك هناك عدد من المساجد والقلاع التاريخية التي تضم آلاف المخطوطات القديمة. وساهم تنفيذ عدد من مشروعات البنى التحتية في السنوات الأخيرة في مجالات المياه والكهرباء والاتصالات والطرق في زيادة تدفق حركة السياحة الدولية لهذه المدينة التاريخية التي أخرجتها شهرة جسرها من حالة العزلة التي عاشتها بحكم موقعها الطبيعي وجعلتها حاضرة في أجندة السياح العرب والأجانب.