في كل مرة ينعقد فيها مؤتمر من المؤتمرات العربية، يبرز السؤال الكبير: هل المؤتمرات العربية تكريس لقدرات العرب على الخطابة وإطلاق الأحكام والقرارات الغيبية.. أم أنها حقاً فترة انتقالية تبشر بولوج مرحلة جديدة من الإنجاز القائم على مستوى متقدم من الوعي الاجتماعي لكل ما يدور من حولنا، ودعوة حقيقة لشحذ الهمم وتعبئة الطاقات الشعبية نحو تحقيق الأهداف والتطلعات المنشودة، بناءً على تنسيق المواقف وتعميق روابط التعاون والتنسيق المشترك بين الهيئات والمؤسسات العربية المختلفة؟ وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، تحاول الإجابة على هذا التساؤل، عبر آراء عدد من المفكرين والأكاديميين ممن استطلعت آراءهم على هامش أعمال المؤتمر القومي العربي ال(19)، المختتم لأعماله الثلاثاء الماضي في العاصمة صنعاء حيث أكد الدكتور محمد أشرف البيومي أن هناك مجالاً لتطوير الأمور ورفع مستوى الإنجاز في هذه المؤتمرات. إنجاز التكليفات الضمنية ورأى أن في عقد المؤتمرات بحد ذاتها إنجازاً كبيراً، لما تتيحه اللقاءات الجانبية من تنسيق للمواقف وتوحيد الرؤى والأفكار، كما أن الحوارات تساعد على المستوى الفردي والجماعي في بلورة أولويات التحدي الذي تواجهه الأمة على مستوى الأفراد والمجموعات عندما يعودون لأوطانهم، وتبقى فاعلية هذه اللقاءات والمؤتمرات في تحقيق الأهداف المرجوة منها، مرهونة في نظر الدكتور البيومي على إنجاز الأعضاء لما عليهم من تكليفات ضمنية. ويقول: إذا أنجز الأعضاء ما عليهم من تكليفات ضمنية ولو بنسبة 30 % لأصبحت طفرة مهمة، والإنجاز سيكون أكبر مستقبلاً. ويشاطره في الرأي المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة، ويقول: المؤتمرات العربية سواءً المؤتمر العربي القومي أم المؤتمر القومي الإسلامي ومؤتمر الأحزاب العربية وغيرها، تظل ضرورة لأنها تكرس لحالة الهوية العربية على مستوى المجتمع حتى عندما تتخلى عنها الدول. وأضاف: صحيح أن تلك المؤتمرات لم تستطع في كثير من الحالات تحقيق تكامل اقتصادي اجتماعي، لأنه ليس ضمن صلاحياتها أو إمكاناتها، لكنها بالتأكيد ملأت فراغاً معنوياً هائلاً، كانت ستكون كارثة لو أنها غير موجودة، والقرارات القومية والإسلامية تسهم مع بعضها وتتفاعل معها، ولولاها لما استطعنا الخروج بأي قرارات ممكنة. وأكد بشارة أنه لا يمكن تخيل الساحة دون عرب يتحاورون ويتابعون ويناقشون قضاياهم.. وقال: إذا ما تحقق أن ذلك فسيتحقق عندها ما تريده الأنظمة العربية، وهو عدم وجود انسجام شعبي على الساحة. واعتبر بشارة عقد تلك المؤتمرات فعلاً مباركاً ومهماً بغض النظر عن هشاشته حتى يتم تحقيق الأهداف العربية والقومية، وإن رأى فيها البعض مضيعة للوقت، على حد وصفه. جامعة شعبية من جهته يرى المفكر والباحث العراقي علاء الدين الأعرجي - وهو متخصص في الدراسات الحضارية - أن هناك تفاعلاً بين المجتمع والسياسة، ويقول: من المفترض أن يعبر المجتمع عن السياسة بوجه عام، لكن عربياً السياسة لا تعبر عن آراء المجتمع أو الشعوب بسبب الفجوة بين الأنظمة وبين الشعوب مما يؤدي إلى تنافر تلك العلاقة من ناحية، ومن ناحية ثانية رأي الشعوب لا يعبر عنه في الخارج وعلى نطاق عربي أو دولي أو إنساني.. لذا فإن هذه المؤتمرات تأتي تعبيراً عن آراء تلك الشعوب. وقدم علاء الدين الأعرجي مقترحاً بإنشاء جامعة عربية شعبية تقف إلى جانب جامعة الدول العربية، وتعبر عن مواقف الأنظمة العربية، حسب رأيه.. موضحاً أن الهدف من هذه الجامعة، أنها ستكون بمثابة برلمان شعبي يضم الاتحادات العمالية وجمعيات حقوق الإنسان ومراكز الدراسات والأبحاث المستقلة واتحادات المهن المختلفة ومنظمات المجتمع المدني، شريطة أن تكون مستقلة فعلياً عن الحكومات والأنظمة الرسمية.. أما مراقب ومستشار الدائرة السياسية للمؤتمر الشعبي العام عبدالإله أبو غانم، فقد اعتبر أن عقد المؤتمرات بحد ذاتها في هذه المرحلة أصبحت ثمرة مهمة خاصة في ظل الهيمنة الأميركية على المنطقة العربية ومحاولة طمس ثقافة الأمة وتغيير المصطلحات وتسميتها بغير مسمياتها الحقيقية.. مؤكداً دور هذه المؤتمرات في إيقاظ شعور الجماهير التي انشغلت بقضاياها المعيشية اليومية، ولذلك هي بمثابة نقطة مضيئة في ظل ما يحاك للأمة من مؤامرات تستهدف ثقافتها ووجودها وثرواتها، على حد قوله. ويختلف رأي مدير المركز الثقافي اليمني في جمهورية مصر العربية خالد عمر عما طرحه من سبقوه، ويقول":المؤتمرات العربية التي نتحدث عنها قد لا تفي بالغرض، ولا تقود الشعوب العربية لما ينشده من المشروع العربي، والتقارب العربي والعمل المشترك، لكنها تمثل البدائل المتاحة التي ليس لها بديل في ظل نقص العمل العربي المشترك الرئيسي. بدائل متاحة من جانبها تقول رحاب مكحل - مدير عام المؤتمر القومي العربي: عام 1990 التقى نخبة من المثقفين والمناضلين والمتولين مواقع في الأحزاب العربية والنقابات ومؤسسة المجتمع المدني لنطلق فكرة (تجمع المؤتمر القومي العربي المؤتمر العربي)، جميعاً يطمحون إلى أن يقدموا خطاباً عربياً متجدداً ملتزماً بالمشروع النهضوي العربي، وأصبح عددهم 700 مشارك ومشاركة، يلتقون ليناقشوا أوضاع هذه الأمة، وبعد النقاش يصدرون بياناً للأمة يكون هذا البيان خلفية لعملهم وتحركهم داخل مؤسساتهم ونقابتهم ومواقعهم الثقافية بما يتيح لهم الفرصة أن يلتقوا في كل بلدانهم حاملين همومهم في معالجة هذا القضايا. وأضافت: من خلال تلك اللقاءات استطاعت تلك المؤتمرات توفير فرصة للتفاعل المطلوب في ظل الانقسام الراهن بين الأقطار.. وأكدت أن ذلك التفاعل انتقل بمستويات مختلفة، بين مجاميع من المنتمين إلى مختلف التيارات في الأقطار المختلفة وداخل القطر الواحد أيضاً. ورغم نبرة التشاؤم التي عبّر عنها البعض، إلا أن المؤرخ في الشؤون العربية والأردنية ضافي الجمعاني، أبدى تفاؤله.. وقال: إن كل ما يطرح في المؤتمرات لابد أن تأتي مرحلة تتبلور فيها كل تلك الرؤى والأفكار في نهج عربي متكامل قابل للتنفيذ على الواقع العربي، وإنه من المهم أن يتفق شركاء العمل العربي على برنامج عمل واحد.