نتقافز مثلما تفعل الجداء .. نتضاحك ؛ وبالنداءات نتخاطب معفّرين بجذل الابتعاد عمقاً بغية تحقيق المراد / غير آبهين بالرمال تلتهم أمشاط أقدامنا الصغيرة ( ذلك التبعثر الماثل يزرعنا أثلاً متحركاً وسط الأراضي الموبوءة بالمجاهيل والفقد والخطر ما وراء هاتيك الاسلاك الشائكة المضروبة سدّاً , تدعمها تقاسيم الجمجمة المصلوبة على صليب عظمي - صورة صوتية - تصدم أنظارنا سعيّا للتنبه والتراجع .. لكننا نواصل التحرك .) .. أكبرنا “ ربيع” يسبقناً ويتوقف . يبصر عن بعد علوّاً رملياً ينزّ عن الانبساط المستوي الذي تبوح استدارته بدهاء فخّي خادع. بجذل أعوامه الثلاثة عشر يطلق هتاف الانتصار : - أنا هنا .. انّه هناك . ( حذّرته الجدّة من الاقتراب .. عابت عليه مشاكسته : يا ربيع , يا جدّة لا أمان للفاشست . قلوبهم ألغام وأعصابهم شراك . لا خيار لهم سوى كرهنا ؛ لا خيار لنا الا تجنبهم . وهذا الذي تركوه وتأتي به . سألقيه في القمامة ان جلبته . الذي لدي يكفيني .. وتشير إلى “ كرو / هاون “ حديدي هو أنبوبة مغلقة الطرف تفوح من فوّهته عند الاقتراب والشم رائحة قهوة دقّت أو بذور حبّهان / هيل طحنت .) تتفجّر خلل دواخلنا حمّى التنافس .. يتناهشنا الحسد يأخذ طور اتساع الأحداق ابتغاء اكتشاف ومضي ؛ منشغلين بتفحّص بروزات ناتئة تقرّبنا من مشارف النجاح تساوياً فيما هو يدنو / خلوّاً من الخشية / بعيداً عن التهيّب .. يقعي كما لو كان يتهيأ لطبق حساء يحفّز مكنونات اللعاب تقدّمه الجدّة الروؤم . سمعنا نناديه فأدرك أننا أفلحنا بالاكتشاف . عرفنا ذلك من يده التي رفعها ملوّحاً .( كلام الجدّة يزداد حدّةً وتهجساً وارتباكاً ؛ وعيون الفاشست الذئبية - هكذا تتذكّر - تلاحق المقتربين , من أهلنا بينما رجالاتهم تزرع بِذار الموت في جوف الأرض .. أنابيب وهياكل معدنية غادرة؛ غادرة .( حذّرنا أهلنا من هؤلاء الأغراب المدججّين بالابهام والغيض .) . لا سبيل لاتقائهم الاّ بوسائل الابادة المحتّمة - هكذا رأوا / هم - فلتكن . ) . اعتاد ربيع أن يسبقنا مزيحاً حفناتِ رملٍ تحيط النتوء الظاهر .. يمد السبابة والإبهام يسحب مسماراً امتلك خفّة رفعه وإزالته فيتحقق الفعل منتهياً بصيحة الامتلاك , رافعاً ايّاه مثل كأسٍ نيلَ عن فوزٍ بهيج .( صاحت به الجدّة هذا الصباح : ايّاك يا ربيع ؛ ايّاك .) . لكنَّ الإصبع الممتد زاوله ارتعاشٌ جعله يصطدم بالإبهام ؛ وجعلنا لا نبصر - نحن المنشغلين بالتفحّص - سوى جسد يتهاوى الى الوراء ؛ سبقه دوي هشّم لدينا غمار الجذل , راسماً لوحةً مغايرة لألمٍ شرع يزرع الخوف والهلع فضحته بشراتنا السمر المغبرّة , وعيوننا التي صارت لحظةَ الوصول إليه ترى أصابع مبتورة ووجهاً مدمّى ؛ ثم أنينا مكتوما وفماً يتمتم : آ .. يا جدّتي . ( تتأمل الجدّة حفيدها اليوم فيتمثل أمامها شابٌ فقد عيناً وتخلّى عنوةً عن ثلاث أصابع وجزء من راحةِ كف ؛ مع تنهدّات هي مزيج من ندمٍ دفين وغضبٍ مصاحب , وذكرى هاربة محوّمة في فضاءات أعوام العمر الراكض .)