غَزْلٌ من حرير لفَّ فتىً نبيلاً أبيض كضحكة الحليب، وصبية من فل تزاحم الهواء النقي لتتفتح. ذلك الحرير يلمع كاللؤلؤ، هو أنعم من وجه طفل، وأجمل من بدر. يداعب خرير النسمات على مرأى من تلك الأغصان ال عابثة. تلك الأغصان العابثة ما غيرها تتهامس عليهما تحكي حكاية قلبيهما لكل العصافير الملونة التي سجل أسماءها العندليب في دفتره. عندما ترفع الصبية نظرها إليه ساهمة يستحيل الحرير لهما محراباً لابتهالات لا تنتهي. تهمس له بقصيدتها الوحيدة. قصيدة ذات كلمة وحيدة فريدة، كلمة دافئة كأنفاسه الأثيرة. فلا يرد، فقط يتأمل عينيها الواسعتين كالبحر الذي يحبه، يشرب لمعتهما على مهل، ويقول في نفسه: “كأنها ستبكي”!. تندُّ عنه تنهيدة تفضح حناناً احتشد في صدره، فيغمض عينيه على رعدة خفيفة تسري فيه، ويفتحهما على لذعة كهرباء في شغاف قلبه. عندها يقول الحرير: أنا، أنعم من حرير! وعندها، عندها فقط يذََوِّب في فؤاد فلة النبيل شراباً بارداً، يذوب على مهل تماماً كما يذوب ثلج الشتاء في جدول الربيع. نادى نبيل الفلة على عصافير ملونة لتلعب لهما لعبة (فتّحي يا وردة)، فاستجابت له في مرح ولعبت في دعة، كانت أرجلها تضرب الأرض بما يشبه التربيت على كتف بتلات وردة نائمة، وغناؤها كأنه هدهدة لنائم. عندها أوقفت الحياة مراكبها الخشنة على مضض وارتفعت أجنحة الفراشات في عجب تحمل على ظهرها سؤالاً غامضًا كالبحر: من أين يأتي كل هذا الحرير؟!.