حوث.. وهي إحدى 21 مديرية تابعة إدارياً لمحافظة عمران، تختزن في جوفها إرثاً تاريخياً يعكس بجلاء مراحل مختلفة من التاريخ اليمني العريق.. ناهيك عن أن ثمة مناطق يعود تاريخها إلى عصور ما قبل الإسلام، مثل «خيوان» وهي إحدى عزلها ، بينما حوث المديرية والمدينة تنسب إلى حوث من السبيع بن صعب بن معاوية بن خيوان في زيارة قمنا بها مؤخراً إلىها كانت تعد بمثابة زيارة التاريخ ذلك الإرث لتكون النتيجة في الحصيلة التالية: حوث.. الآثار فيها بقايا مع ما خلفه وصنعه الإنسان، وهي تلك القرى الأثرية التي تسعفك إلى بناء تصور مفيد لوسائل العيش ولأنماط الحياة التي أحياها الأقدمون. وبشكل عام تكتظ مدينة حوث بكم هائل من الأبنية الأفقية الحديثة والتوسع العمراني الملحوظ، وهو المد العمراني الذي وصلت إليه، حيث سكانها يقطنون ستة بيوت قبل حوالي أربعة وثمانية قرون وهم بيت الشرعي، الكبير، عشيش، الأغضب، زيد، الرصاص. قصر نوفان التاريخي عند وصولنا إلى قرية خيوان كان تركيزنا الشديد الوقوف على أطلال قصر نوفان الذي يبعد عن مدينة حوث ب15كم ويقع مكانه الأصلي في الاتجاه الشمالي، وخيوان تنسب اليوم إلى إحدى عزل مديرية حوث التي تضم جبل ذيبان الكبير والعلية شرقاً والحذينة وعيان اللذين يجمعان بين حدود صعدة وخيوان، حيث عرفت خيوان قبل ظهور الاسلام واشتهرت بموطن الفرظ التي ترتكز على مادته بعد التجفيف صناعة دباغة الجلود، وقصر نوفان ورد ذكره كثيراً في كتب التاريخ، وحسب ما رواه الأهالي لنا هناك علماء عن أجدادهم أن القصر قد نقلت أحجاره إلى الطرف الجنوبي الغربي من القصر ليبنى بها فيما بعد مسجد سمي "مسجد خيوان" نسبة إلى اسم العزلة، وهو ما أكده الهمداني عن مسلمة بن يوسف بن مسلمة الخيواني. ويحتفظ الأهالي ممن سبقوهم بما قاله مسلمة عن مسجد خيوان: قرأت مسنداً على حجار في مسجد خيوان، والحجر مما اقتلع من بعض قصور الجاهلية، ولم يبق من هذا المسجد الآن سوى أحجار منظمة الهيئة، والمسجد هذا عندنا يدل على قدرة وإبداع الأولين بأناقته وأحجاره تلك ذات الألوان الصخرية، البعض منها لا يقل طولها عن متر طولاً والارتفاع حوالي سبعين أو ثمانين سنتيمتراً. المعبد الأثري كان هناك معبد أثري، فيه عدة أعمدة حجرية منحوتة بشكل اسطواني، ولم يبق من هذه الأعمد إلا ثلاثة أعمدة ترتفع قامتها إلى خمسة أمتار، كان يتكئ عليها قبل حين سقف معبد ديانة قديمة توحيدية، إن ما يعزز هذا غرفة محيطة بالأعمدة ووضعها باتجاه قبلتهم وغرفها القليلة يستخدمها عمداؤهم لتعميد العامة أثناء الزواج لتطهيرهم من الإثم والدنس الأسود، وتشارك في ذلك الزوجة في إحدى غرف المعبد خاصة بفحص الفتاة لمعرفة عذريتها أثناء تقديمها للزواج. عموماً.. إن طريقة بناء المعبد أمر يقودك إلى التفكير في طريقة بنائه من خلال قواعده القوية، وهي أحجاره السوداء التي كسر دكنتها لهيب الشمس على اختلاف أحجامها تجاوزت بعض وحداتها مترين وبعضها بعرض الثمانين سنتيمتراً ومثله في الارتفاع تحمل فن صناع يمنيين مهرة متقنين شمخوا بسواعدهم عبر الأزمان بمعبد بني على الطراز الشرقي.. وهناك الكثير من الآثار والمعالم الأثرية في مديرية حوث التاريخية. الأشجار والأعشاب الطبية مديرية حوث تشتهر أغلب قراها أو بالأحرى تمتلك جمالاً طبيعياً خلاباً في البناء المعماري الفني وتعدد الأشجار المختلفة بما فيها الأعشاب الطبية النادرة في المديرية، وهناك عدة أشجار طبية يستخدمها الأهالي لمعالجة الناس من البواسير، وأهلها لم يصابوا بهذا المرض لأنهم يستخدمون المحط في القدور ويخلطونه بالعسل. ومن أعشاب مديرية حوث الأخرى وهي تلك التي تتواجد فيها وتشتهر بها اللب والشرفت وهو اللبان والطلح والسمر والعرض والسوس والمرخ وهي التي تجلب حوادث اشتعال الغابات عندما تجف وتهب الرياح عليها فتتحرك وتحتك فيما بينها على نحو تؤدي إلى اشتعال نار ملتهبة. ناعط وآثارها وأنا في طريقي من مديرية ذيبين متوجهاً إلى عمران العاصمة في نهاية الرحلة إلى حوث ومناطقها المتفرقة، وعند العودة إلى عمران عبر طريق ذيبين انتابني الشوق إلى إحدى المناطق التاريخية والأثرية في مديرية خارف وهي منطقة «ناعط» التي تبعد عن عمران بحوالي «40» كم، هذه المنطقة من خصوصياتها أن معالمها وآثارها التاريخية مازالت معظمها باقية محافظاً عليها؛ يعود تاريخها إلى التاريخ الحميري. ناعط.. هذه المنطقة التابعة لمديرية خارف كانت حينها تمثل مركزاً تجارياً مهماً بين اليمن والشام حسب ما جاء في رواية بعض الأهالي لنا، كما كانت تمثل مركزاً مهماً تابعاً للملك «أسعد الكامل» وهناك شواهد لآثار باقية لقصر الملك أسعد الكامل إلى جانب وجود عمودين رأسيين يلتقيان عند الرأس وعلى شكل رقم «8» يخيل أنها كانت منارة مرتكزة على صرح من الأحجار الضخمة، وجميع المباني الموجودة في منطقة ناعط عليها نقوش حميرية. وفي ناعط بركتان يعود تاريخ بنائهما إلى تاريخ الدولة الحميرية تتسع كل واحدة منها ل«6000» م3 من الماء، وأمر عجيب يدهشك هناك وهو أن أحد البيوت في ناعط توجد في إحدى أحجار البيت حجر صماء يشد انتباهك إليها، إنها تفرز سائلاً أحمر يشبه الدم، ولكن مرة واحدة في السنة يحدث هذا الإفراز حسب إفادة الأهالي هناك تفرز كمية قليلة من هذا السائل ويطلق عليه الأهالي هناك ب«الحجر الحائض».