قبل عشرين عاماً كان يروي عطش أكثر من 22 ألف نسمة ويؤمن مياه ل8 آلاف أسرة تتوزع منازلها على 15 قرية.. واليوم أصبحت الفئران والهوام والحشرات تتخذ مما تبقى من أنابيب شبكته الصدئة والمهملة مأوى لها.. يعد مشروع مياه الجبل بمديرية جبل حبشي من أكبر مشاريع مياه الريف .. بل كان يعد ثاني أكبر مشروع مياه ريفي على مستوى محافظة تعز.. وهو من بواكير الإنجازات التنموية التي تحققت في بداية عهد فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح.. إذ شيد هذا المشروع بداية الثمانينيات بأكثر من 5،3 ملايين دولار ليغذي أكثر من 52 قرية ولتستفيد منه آلاف الأسر.. لكن عمله لم يستمر سوى ثماني سنوات وليتوقف منذ حوالي 81 عاماً وليس هذا فحسب بل تعرض للتخريب والاهدار بفعل فاعلين لم تتم محاسبتهم..صحيفة الجمهورية قامت بزيارة استطلاعية للمشروع ولتقدم تحقيقاً غير واف لما يمكن أن تتعرض له بعض مشاريع مياه الريف حينما تغيب الإدارة السليمة والاشراف والتقييم المستمر من قبل الجهات المعنية.. فهذا المشروع يعتبر نموذجاً بائساً، لاشك أن مشاريع أخرى قد تؤول إلى نفس مصيره إذا لم يتم وضعها في إطار سليم. كما ترسم في هذا الاستطلاع صوراً عن التضاريس الصعبة للمنطقة ومعاناة أهاليها في ظل غياب المشروع الذي دفن بأيدي أناس لايلقون بالاً لهموم الناس وآلامهم. أطلال بكائية انطلقت في رحلتي الاستطلاعية قبل بزوغ الشمس من مدينة تعز برفقة أحد أعيان المنطقة ،وصلنا مبكراً إلى المنطقة المقصودة «بعد حوالي 54 دقيقة من انطلاقنا» وقضينا يوماً كاملاً ننتقل بين القرى المتناثرة على سفوح ومنحدرات القمم العليا للجبل مطلعين على المكونات السابقة للمشروع المندثر. وقف المهندسان علي ،وحسين يجريان قياسات هندسية للتخطيط لإعادة ترميم المشروع وتوسيعه.. ووقفت أنا بجوارهما اتأمل من الاجزاء المفككة لمكونات المشروع..بالفعل هناك مايستحق البكاء عند الوقوف على اطلال المشروع وخرائبه والتدمير الذي لحق به.. وهناك ايضاً مايستحق البكاء والرثاء ، لحال أهالي المنطقة الذين طال انتظارهم لحبيب غائب «الماء» ويتجرعون لغيابه أمر العذاب وأقسى الآلام فحكايتهم مع الماء ومشروعه الضائع تحتل تراجيديا حزينة مثخنة بالمآسي والمعاناة وارهاق البحث عن جالون ماء.. بينما تتخذ الفئران والهوام والحشرات الصغيرة مأوى ومساكن مريحة داخل ماتبقى من شبكات أنابيب مياه مهملة كانت قبل حوالي 02 عاماً تروي عطش أكثر من 22 ألف نسمة.. وتؤمن مياه الشرب لما يقارب من 8 آلاف أسرة تتوزع منازلها على 51 قرية في ثلاث عزل كبيرة تضم قرابة 09 محلاً أو تجمعاً سكنياً.. وهذه العزل (نطقة المشروع) هي عزلة البريهة وعزلة الجبل وعزلة عدينة فيها أربعة مراكز انتخابية. بداية .. ونضال تم تنفيذ مشروع مياه جبل حبشي في مطلع ثمانينيات القرن الماضي.. إذ دشن العمل في إنشائه أواخر عام 28م من قبل مشروع المرتفعات الجنوبية للتنمية الريفية الذي كان تابعاً لوزارة الزراعة والثروة السمكية «كما كانت تسمى». وخلال عام واحد تم استكمال انشاء المشروع ليشمل أربعة مكونات وهي المكون الأول: بئر ارتوازية يقدر عمق حوضها المائى الكبير ب99 متراً .. وغرفة مضخة في اعلاها لاستخراج الماء وضخه مباشرة إلى المكون الثاني الذي يشمل خزان توزيع «في قمة جبل العرمة» وخزان وسطي ناقل وغرفة مضخة في موقع يتوسط المسافة بين موقع البئر وقمة العرمة.. وخط ناقل من مضخة البئر إلى الخزان الوسطي ثم إلى خزان التوزيع في القمة وبطول 8،1 كيلو.. أما المكون الثالث فيتضمن خطوط توزيع رئيسية «أنابيب معدنية كبيرة» تمتد من خزان التوزيع في قمة الجبل إلى كل القرى المستفيدة في الأسفل ويقدر طول هذه الخطوط الرئيسية ب8 كيلو مترات ، والمكون الرابع يتضمن شبكات توزيع فرعية في إطار كل قرية ، خطوط وشبكات توزيع من الخطوط الرئيسية إلى المنازل والتجمعات السكانية.. وقد ساهم المواطنون بتنفيذ اجزاء من المكون الأخير «شبكات التوزيع الفرعية». ومع انجاز المشروع بدأت المياه تتدفق في الخطوط والشبكات لتغذي مئات المنازل مدة ثماني سنوات ، كان المشروع خلالها يتعرض للتوقف أحياناً نتيجة خلافات داخل هيئته الإدارية ، ثم يعود للعمل من جديد بإدارة جديدة أحياناً.. وظل مستمراً على هذا المنوال إلى أن توقف نهائياً مطلع التسعينيات. تكلفة مثل تنفيذ هذا المشرع إنجازاً ضخماً «كمشروع مياه ريفي» وكلف الخزينة العامة مبالغ طائلة ، رغم شحة امكانياتها آنذاك ، فحسب ما أفاد مهيوب عبدالباقي المقاول الذي نفذ انشاء الشبكات وعضو هيئة التعاون المحلية آنذاك أن اجمالي تكلفة المشروع بلغت في ذلك الوقت أكثر من 5،3 ملايين دولار ، وبما يساوي بسعر الصرف الحالي أكثر من 007 مليون ريال.. مضيفاً: إنه لو أخذنا بالاعتبار مسألة ارتفاع أسعار المواد بالدولار والتي نشهدها «كارتفاع خامات الحديد» فإن تكلفة المشروع بالأسعار الحالية للمواد تقارب المليار ريال. أعطال ومضاعفات واجه المشروع خلال فترات تشغيله المتقطعة اشكالات عدة ومع مطلع التسعينيات توقف نهائياً عن العمل إثر عطل فني بسيط اصاب احدى مضختيه «المضخة المجاورة للخزان الوسطي».. وحاول القائمون على المشروع اصلاح هذا العطب بأنفسهم دون امتلاكهم للخبرة الفنية اللازمة لاصلاح الاعطاب الميكانيكية للمضخات الأمر الذي أدى إلى مضاعفة اعطال المضخة.. وفي نفس الوقت لم يتم توفير غيار القطع التالفة.. والأهم من ذلك كما يفيد الأهالي أن إدارة المشروع كانت تتعمد اهمال صيانة المضخات.. ووجدت العطل البسيط للمضخة فرصة جيدة ومدخلاً مناسباً لمضاعفة الاعطال ودفع المشروع نحو التدهور والتوقف النهائي.. ويحكي شهود عيان كيف كان بعض مسئولي المشروع يحضرون بحجة اصلاح عطب المضخة ويقومون بتدمير بعض اجزائها مستخدمين أدوات غير مألوفة في الإصلاح «كالمطارق الحديدية الكبيرة». ومع مرور الأيام دمرت المضخة المعطوبة نهائياً.. ودخل المشروع مرحلة الاحتضار حسب وصف البعض ، ليتم بعد شهور عدة ضخ الماء إلى الخزان الوسطي وبيعه مباشرة بالدبة «بالجالون» وصارت معظم القرى تجلب الماء من موقع الخزان الوسطي نقلاً على ظهور الحمير ورؤوس النساء .. ومنذ ذلك الوقت دخلت المنطقة في أزمة حادة ومعاناة شديدة وحاولت بعض الأسر ايجاد حلول ذاتية لتوفير المياه لكنها لم تكن كافية واضطرت الكثير من الأسر للانتقال والهجرة إلى المدينة.. في حين ظلت معظم الأسر على جلب الماء من مواقع بعيدة ولم تستمر عملية بيع مياه المشروع بالدبة سوى فترة بسيطة ليتوقف المشروع كلياً.. وخلال سنوات تالية دمرت معظم مكوناته لتصبح اطلالاً خرائبية. صور خرائبية فور وصولنا إلى المنطقة كان أول موقع بدأنا بزيارته هو موقع البئر الرئيسية ،حيث توجد غرفة مفتوحة النوافذ وكذا سطحها مكشوف «أو مخلوع» ومن بين القضبان الحديدية للنافذة القينا نظرة إلى داخل الغرفة ،حيث يربض في وسطها مضخة منتهية بدا هيكلها الحديدي المجوف وكأنه بقايا هيكل عظمي لحيوان منقرض.. أردنا دخول الغرفة فتطوع أحد الأشخاص بتسلقها والقفز إلى داخلها لفتح الباب الذي كان موصداً من الداخل.. فيما قمت أنا بتسلق أحد جدرانها والوقوف عليه لالتقاط صورة تجمع داخل الغرفة وخارجها عبر السقف المخلوع نهائياً . إنها صورة واحدة ترسم جزءاً من حجم الخراب والدمار الذي لحق مكونات المشروع بعد سنوات من توقفه.. وهي صورة مؤلمة تعكس مدى الصلف الحاقد الذي يمارسه البعض تجاه ممتلكات عامة لم تلتفت إليها الجهات المعنية.. فقد كانت هذه المضخة حسب تأكيد الحاضرين سليمة وصالحة للعمل بعافية تامة حتى بعد توقف المشروع بسنوات.. كما كانت غرفتها موصدة النوافذ والأبواب محكمة بسقف ليس من السهل اختراقه.. لكن بفعل فاعلين تم تدمير السقف وخلعه ونزع مصارع النوافذ ، وفكفكة المضخة ونزع احشائها وتدميرها.. بالاختصار تم تحويل الموقع برمته إلى اطلال خرائبية..كذلك فعل بشبكات التوزيع التي كسرت خطوطها الرئيسية والفرعية ونهب بعض المواطنين مانهبوا من أنابيبها المعدنية.. فيما تظل اجزاء عديدة من خطوط الأنابيب مرمية ومنحرفة عن مساراتها بعد أن تقطعت وتبعثرت هنا وهناك.. ولم يتبق من خطوط الشبكات سوى أقل من 04% تقريباً.. ووحدة الخط الناقل الممتد من البئر الرئيسية إلى قمة جبل العرمة مايزال سليماً لأن أنابيبه كبيرة ويصعب تفكيكها. ياترى من المسئول عن هذا الاهدار الكبير لمشروع كلف الحكومة ملايين الدولارات..؟ ومن المستفيد من تعطله وخرابه؟ الشيخ سلطان مهيوب السفياني «عضو برلماني سابق» طالب في حديثه معنا بمحاسبة المتسببين بذلك ، والمسؤولين عن تعطيل واهدار المشروع وكذلك من كانوا يقومون بعرقلة أي محاولة لإعادة تأهيله.. داعياً إلى احالتهم جميعاً إلى نيابة الأموال العامة وكذلك المواطنين المشاركين بالاعتداءات المتكررة على مكونات واجزاء المشروع. أسباب الفشل مشروع كهذا كان من المفترض أن يتم الحفاظ عليه وتنميته وتوسيعه.. فما هي الأسباب التي أدت إلى تدهوره وتعطله وخرابه؟ هناك آراء عديدة طرحت أمامنا حول الموضوع وكل رأي مختلف عن الآخر.. وكل رأي يشخص المشكلة من زاوية مختلفة.. وكلها تبدو متقاربة فالشيخ سلطان مهيوب السفياني يرى أن اسباب فشل المشروع وتعطله وتدهوره هو سوء الإدارة وغياب الانسجام بين اعضائها رغم تعاقب العديد من الهيئات على إدارته ، واختلاف القائمين على المشروع فيما بينهم واستغلاله في المنافسات والمماحكات الحزبية.. موضحاً أنه اثناء تشغيل المشروع في الثمانينيات كان هناك تنافس قبلي للسيطرة على إدارته ولكن كان يتم احتواء هذه الاشكالية وتغليب المصلحة العامة للمشروع. في حين يرى الشيخ عبده سيف غالب أن من أهم أسباب تعطل المشروع هو عدم استكماله في تغطيته المناطق التي كان من المخطط تغطيتها.. مضيفاً:إن قيام إدارات المشروع المتعاقبة بالدخول في صراعات داخلية وإدارة خلافاتهم دون الرجوع إلى المرجعيات الاجتماعية والعقال أدى إلى فشل إدارة المشروع وتعطيله. إلى ذلك قال الشيخ محمد عبدالواسع السفياني «الحضرمي» إن قيادات من أحزاب المعارضة في المنطقة سعت إلى تعطيل وتدمير المشروع حتى تخلق استياء لدى المواطنين تجاه السلطة .. مضيفاً إن هناك شخصيات تعمل أيضاً على عرقلة وإعاقة أي جهود لإعادة تشغيل المشروع. أما الأخ توفيق عبده سيف فيرى أن غياب الكوادر المؤهلة والمدربة في الإدارات السابقة للمشروع كان عاملاً رئيسياً في توقفه نتيجة لعدم إدارته بالشكل الصحيح والمنظم.. مضيفاً: إنه رغم وجود بعض المتعلمين في الإدارة الأخيرة للمشروع إلا أن وجودهم لم يكن له أي تأثير إذ ظلت سلطة اتخاذ القرار وسلطة رسم السياسات والآليات المسيرة له محتكرة من قبل أشخاص غير مؤهلين.. لذلك لم يكن المشروع يمتلك نظاماً إدارياً ولا نظاماً محاسبياً سليماًس.. ولا فنيين مدربين.. الأمر الذي أدى إلى تدهور إدارته أولاً ثم تدهور وضياع معظم ممتلكاته. صراع الديكة المواطنون البسطاء ذهبوا إلى أبعد من ذلك في توضيح أسباب تعطل المشروع فالكثيرون منهم قالوا إن «صراع الديكة» هو السبب الحقيقي لتعطيل وتخريب المشرع وكان أيضاً وراء عرقلة العديد من المشاريع التنموية في المنطقة التي حرمت لفترة طويلة من مشاريع عدة جراء «تصارع الأدياك» حسب تعبيرهم.. وصراع الديكة قالها بعض الأهالي «بلغة قروية بسيطة للتعبير عن المؤامرات والمكايدات التي تحيكها الشخصيات والقيادات الاجتماعية والحزبية في المنطقة ضد بعضها البعض.. حسب افادتهم.. موضحين أن معظم المشاريع التي نفذت أو تنفذ جاءت بمتابعات فردية تقوم بها شخصيات اجتماعية.. إلا أن بعض المشاريع تسعى شخصيات أخرى إلى عرقلتها وإعاقتها حتى لاتحتسب نجاحاً للشخصية المتابعة ، ولها وكما أكد بعض المواطنين أن هذه الاشكالية معروفة في المنطقة منذ الثمانينيات في إطار التنافس على كسب ولاءات المواطنين وتوسيع الشعبيات. محاولات وسرقات تمت في السابق العديد من المحاولات لإعادة تأهيل وتشغيل المشروع منها محاولة عام 79م ولكنها لم تنجح رغم احضار مضخات جديدة وكميات من الأنابيب وحسب ما أوضح السفياني أن عدم نجاحها يعود إلى عرقلة الهيئة الإدارية للعملية وعدم الاتفاق على تشكيل إدارة جديدة.. واقحام المشروع في مزايدات للمرابحة.. منوهاً أن أي محاولة لإعادة ترميمه وتشغيله لن يكتب لها النجاح مالم يتم أولاً محاسبة المتسببين بتعطيله وتدميره وعرقلة اصلاحه.. مطالباً في الوقت ذاته بمحاسبة المجلس المحلي للمديرية عن اهماله للمشروع وعن المبالغ التي اعتمدت لإصلاح المشروع في ميزانيات المجلس المحلي للأعوام 5002 6002 7002م مفيداً أن المجلس المحلي صادر تلك الاعتمادات ونقلها إلى مشاريع أخرى. اهتمام جاد وإذا صح ماطرح سابقاً فإن الغارم الوحيد في المساعي الأخيرة لاصلاحه هو الشيخ عبده سيف الأب الروحي للمشروع والذي يبدو أنه مهتم وجاد فعلاً.. إذ يقوم شخصياً وعلى نفقته الخاصة بتمويل تكاليف اجراء الدراسات اللازمة لإعادة تأهيل المشروع وتوسيعه وحل الاشكالات والصعوبات التي تعترض ذلك.. فقبل أسابيع من زيارتنا الاستطلاعية بدأ أولى خطوات العمل وبمتابعة منه عبر ولده توفيق حيث تم اخراج وحدة ضخ تجريبية متنقلة تابعة لهيئة مياه الريف.. لقياس مستوى منسوب المياه في الحوض المائي لمنطقة المشروع.. ومع بدء عملها تجمع أهالي المناطق المجاورة التي لم تغط سابقاً واعترضوا عملها ليتوقف نحو أربعة أيام.. لكن وبعقلانية ممتازة تمكن توفيق عبده سيف من جمع وجهائهم في لقاء بمنزل الشيخ محمد عبدالجبار ،ضم أيضاً أعضاء من المجلس المحلي وأمين عام المديرية.. وخرج هذا اللقاء باتفاق ينص على توسيع نطاق المشروع ليشمل أيضاً المناطق المحرومة سابقاً في حال نجاح تأهيله ..وفي هذا الإطار يؤكد الشيخ عبده سيف أن المشروع أصلاً كان مصمماً ليشمل كل تلك المناطق لكنه لم يتم تنفيذ سوى 04% من مكوناته.. موضحاً أنه وبحسب وثائق المخططات السابقة كان من المفترض بناء 6 خزانات ، ثلاثة منها توزيعية وخزانان ناقلان وآخر تجميعي.. ولم ينفذ منها سوى خزانين لأنه لم يتم توفير الأرض اللازمة لانشائها.. كما كان من المفترض بناء وتوفير 6 غرف مضخات اربع منها في موقع البئر.. ولم تنفذ سوى غرفتين واحدة عند البئر والأخرى بجانب الخزان الوسطي.. وكذلك بالنسبة للشبكات لم يتم تغطية كل القرى المستهدفة. واضاف: إنه في حال نجاح عملية التأهيل الحالية سوف يتم استكمال المخطط السابق وتوسيع المشروع وفق دراسات جديدة وقد تم توفير مواقع الخزانات التي لم يتح توفيرها سابقاً. انتحار حمار قرية «منسامة» الآكام الواقعة على السفح الغربي المنحدر من قمة شريف ، كانت احدى المحطات التي توقفنا عندها في هذا الاستطلاع.. حيث باشر المهندسان في اختيار مواقع لانشاء خزانين جديدين «احدهما توزيعي والآخر وسط ناقل» هذه القرية وهي مسقط رأس الشيخ عبده سيف ، عبارة عن تجمعات سكنية متناثرة عن المنازل على آكام وبطون وهيوج السفح الجبلي الشديد الانحدار ، وهي أكثر المناطق التي تعاني من شحة المياه وصعوبة نقلها ومخاطر جلبها.. إذ تنقطع الانفاس وتخور الركب ناهيك عن الدوار الذي تشعر به وأنت تحاول قطع مسافة بسيطة إلى الأعلى نتيجة شدة الانحدار الذي يخيل إليك أنك تتسلق جداراً مائلاً بزاويه شبه قائمة.. هذا إذا كنت تحاول ذلك وليس عليك سوى ثيابك ، فما بالك بأطفال ونساء يحملون الماء فوق رؤوسهم ويجلبونه من مناطق بعيدة في اسفل السفح أو من اسفل السفح الشرقي الأكثر انحداراً والأكثر مشقة وبعداً سالكين طرقاً شديدة الوعورة لاتستطيع حتى الحمير السير فيها.. وبالمناسبة من الطرائف التي تروى أن أحدهم اشترى حماراً وأحضره للاستخدام في نقل الماء لكن الحمار انتحر في أول مشوار له بالقفز في هوة سحيقة بالجبل وقبل أن يقطع نصف المسافة.. مفضلاً الموت على العيش في هكذا ظروف حسب الرواية والظاهر في رأيي أن الدروب والمسالك الوعرة هناك ليست مهيئة لسير الحمير لذا تدحرج ليهوي في عمق الجبل. أعباء .. إعمار بالمناسبة أيضاً تقع كل الأعباء والمسئولية في جلب الماء على النساء والأطفال.. وهذه سمة تجمع كل قرى المنطقة.. إذ يقومون بنقل الماء على رؤوسسهم.. ومن مناطق بعيدة ،حيث تتوفر بعض العيون الجارية في المناطق المنخفضة وفي اغوار الجبال الشاهقة.. وتقع العديد من حوادث السقوط في هذه المناطق الشاهقة ، ومات العديد من الأشخاص، بعضهم لم يعثر على جثامينهم إلا اشلاء يصعب لمها.. وآخر حادثة سقوط وقعت منذ شهور كانت ضحيتها طفلة يتيمة الأبوين لم يتجاوز عمرها 01 سنوات «من قرية العدف» تعثرت وهي تحمل الماء وسقطت في منحدر وعر ، لم يكن سحيقاً ، لكنه كان من الخطورة كافياً لتكسير نسبة كبيرة من عظامها واحداث اصابات بالغة في عمودها الفقري وفي عظمة وركها.. وتعد هذه الطفلة محظوظة جداً.. فأغلب من يتعرضون لهكذا حادث يذهبون إلى غير رجعة «أعمار». معارك السؤاب وفيما يتحمل الأطفال والنساء مخاطر وعناء البحث عن الماء وجلبه ، يظل الرجال مشغولين بتحصيل ارزاق أسرهم ، ومشغولين بالدخول في عراكات وخصومات ومنازعات بسبب المياه ، والمنطقة مشهورة بكثرة الخصومات والمنازعات بين أهاليها ، وهي ظاهرة أخرى مرتبطة بالماء وتستحق الوقوف عليها.. ففي المواسم الشحيحة تزدحم المنابع والمصادر البعيدة بجالبي الماء «أو ما يطلق عليهم في المنطقة ب «السؤاب» جمع «سائب» يقصد ب«السؤاب» الباحثون عن الماء السائب ، و«السائب» كما هو معروف بالفصحى الشيء الذي لامالك له أو لم يعرف صاحبه .. المهم أنه مع ازدحامهم يرتكب البعض مخالفات تتمثل بمحاولة استباق دورهم في تعبئة أوانيهم بالمياه.. فيدخلون في عراك مع من سبقوهم بالوصول ، إلى غير ذلك من الأسباب والبدايات التي تتطور احياناً إلى عراكات كبيرة يشترك فيها الرجال لاحقاً أو في اليوم التالي بعد استنجادهم من قبل السؤاب المعتركين الذين هم في الغالب أوفر ومعظمهم «نساء وأطفال» الصور الأكثر قتامة تتجلى في ذروة أيام الشحة.. إذ يظل الأطفال والنساء «السؤاب» ينتظرون دورهم في التعبئة عند تلك المصادر ساعات طويلة تصل غالباً إلى ليلة كاملة أو نهار كامل.. وتتحول مواقع الينابيع القلية إلى أسواق مفتوحة على مدار 42 ساعة في تلك الأيام. جبهات ومعارك ساخنة مع أول نزول للمطر بداية الموسم تتراجع تلك الحوادث عند الينابيع البعيدة.. لتنفجر بشكل أكبر في جبهات أخرى ، ولتتطور بعضها إلى مواجهات مسلحة.. وحسب توضيح الأهالي وقعت جراء ذلك حادثة قتل لم يمض عليها سوى سنوات قليلة.. والسبب كله «الماء» الذي يبدو أنه يمثل محور «معاركنا القادمة» وكما يتكهن المحللون السياسيون والعسكريون أنه سيكون محوراً رئيسياً في الحروب العالمية القادمة .. «لطفك يارب». ماعلينا من التحليلات العالمية خلونا نقف على مشاهد معارك الماء في منطقة استطلاعنا والتي يؤكد العقيد عبدالقاهر عقلان مدير أمن مديرية جبل حبشي أن أكثر من 52% من قضاياها وبلاغاتها الجنائية الواردة إلى إدارة الأمن لها علاقة أو ترتبط بالماء وبالنزاع والتعارك على مصادره المختلفة.. موضحاً أن اغلب الجنايات المرتبطة بالماء جنايات جسيمة و09% منها تقع في منطقة عمل المشروع المندثر الذي نحن بصدد استطلاعه ، وجلها من عزلة البريهة والجبل.. مفيداً أن آخر حادثة جنائية وقعت في قلب منطقة المشروع نجم عنها اصابة وجرح ستة اشخاص بعضهم مازالوا يرقدون إلى الآن في المستشفى لتلقي العلاج «لاحول ولاقوة إلا بالله» نسينا نوضح لكم نزول المطر حيث تحدث المشاكل في المنطقة والتنازع بين الأهالي والأسر للسيطرة على مجاري المياه والسيول ..واستخدام مياهها في تعبئة خزانات أرضية صغيرة تمتلكها بعض الأسر لتأمين احتياجاتها من الماء لأيام قليلة ، ولاسابيع قادمة إذا كان المطر المنزل كلياً من المياه لفترة مناسبة.. ونادراً ماتمتلك بعض الاسر خزانات تفي باحتياجاتها طوال فترة انقطاع الأمطار.. هذا إذا ما امتلأت تماماً مثل هذه الخزانات المعدودة كأصابع اليد في المنطقة كلها.