النحت في رازح حرفة يقوم بها مجموعة من المهرة في هذا المجال وذلك بنحت الحجارة ليُصنع منها الأواني الحجرية النادر وجودها في العالم.. وقد عرف النحت قديماً بالنحت في الحجر لصناعة البيوت، قال تعالى: (وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين) وورد ذكر الأواني في القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة "سبأ" آية 13: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات) وجاء في تفسير الجلالين لهذه الآية: (يعملون له ما يشاء من محاريب) أبنية مرتفعة يصعد إليها بدرج، (وتماثيل) جمع تمثال، وهو كل شيء مثلته بشيء، أي صور من نحاس وزجاج ورخام، ولم يكن اتخاذ الصور حراماً في شريعته، (وجفان) جمع جفنة، (كالجواب) جمع جابية، وهو حوض كبير يجتمع على الجفنة ألف رجل يأكلون منها (وقدور راسيات) ثابتات لها قوائم لا تتحرك عن أماكنها تتخذ من الجبال باليمن يصعد إليها بالسلالم. ولعل ما يقوم به اليمنيون الآن هو تخليد لتلك الصناعة القديمة للقدور الراسيات التي تحدّث عنها القرآن الكريم في عهد سيدنا سليمان، وكون الناس اليوم لم يعودوا بتلك القوة التي كان عليها أسلافهم إلا أنهم لايزالون محافظين على هذه الحرفة القديمة، ثم إن الذين كانوا يعملون تلك القدور الراسيات هم من الجن، ولعل لهم من القدرة ما ليس للبشر من الإنس. وليست صناعة الأواني من الحجر من أي نوع من الحجارة لكنها حجارة معينة رصاصية اللون تستخرج من مناجم خاصة في جبال رازح خصوصاً في مناطق (الإزد والشوارق) وفيها يقوم هؤلاء العمال بالحفر والتنقيب في باطن الأرض للحصول على هذه الحجارة التي تتكون بقدرة الخالق على شكل عروق ممتدة في باطن الأرض؛ فهم يحفرون إلى أعماق تصل إلى 250 متراً أحياناً في باطن الأرض مما يعرضهم للخطر وتحدث إثر ذلك حوادث، حيث ينهار المنجم أحياناً علىهم فيه، وقد حدث أن انهار أحد المناجم ودفن فيه اثنان من الرجال، أما أحدهما فاستطاعوا إخراجة ميتاً، وأما الآخر فلم يستطيعوا للانهيارات المتلاحقة. والحجارة المستخرجة تمتاز بلونها الرصاصي المميز وكذا ليونتها من جهة وصلابتها من جهة أخرى حتى يستطيع النحات تشكيلها بالطريقة المناسبة وكذا لتكون أكثر احتمالاً للحرارة والبرودة فيُطهى الطعام فيها بشكل جيد. والنحاتون يستعملون آلة حديدية خاصة لعمل هذه الأواني، وهي عبارة عن قدّوم له رأسان؛ أحدهما حاد يشبه رأس المسمار يضرب به النحات ضربات متتالية خفيفة فيتكون في مكان الضرب مجموعة من الخطوط، ويستمر في ذلك حتى يتكون الشكل المطلوب، ثم يستعمل المبرد لإعطاء الآنية شكلاً جميلاً وناعماً كما يظهر في الصور في مراحل صنع الآنية. ويصنع النحاتون أشكالاً مختلفة من هذه الأواني، بل إنهم أصبحوا يتفننون في صناعة بعض الأشكال الجميلة كالسلاسل التي تحتاج إلى مهارة وكذا بعض اللوحات الفنية التذكارية والخطية وطفايات السجائر، ولا شك أن هناك تفاوتاً في المهارة في صنع تلك الأواني من قبل النحاتين حسب الخبرة في ذلك والقدرة الفنية على التشكيل. ويقوم هؤلاء النحاتون بقطع الحجر وصنع الآنية الكبيرة وما يخرج منها تصنع منه آنية أصغر وهكذا حتى يصلوا إلى أصغر قطعة يمكن أن يصنع منها إناء فيستفيدون من كل قطعة حجر، وتسمى المجموعة الكاملة المستخرجة (كورجة) والتي تشمل عدداً من (المقالي). وقد أخبرت بمن صنع قدراً عظيماً يتسع للكثير من الذبائح، وقد عرض الكثير من منتجات هؤلاء في بعض المعارض الدولية، وقد عرض منها في دولة الإمارات العربية المتحدة؛ بل إن بعض هؤلاء النحاتين يلقى اهتماماً من قبل الدولة ورعاية خاصة نظراً لقدرته الفنية والإبداعية في هذا المضمار. ويهتم اليمني باقتناء هذه الأواني ليطبخ فيها، وهي تساوي قدر الضغط الحديث حيث تطبخ فيها الأشياء التي لا تنضج بسرعة فتنضجها، ويقوم من يستخدمها غالباً بوضعها فوق الحطب المشتعل في التنور لفترة غير طويلة فينضج الطعام فيها بشكل مميز وسريع خصوصاً اللحم. ومما يميزها أيضاً أنها تحفظ الطعام ساخناً لفترة أطول من الأواني العادية، ولا تفقد حرارتها إلا بعد مدة طويلة، لذا نجد أكثر المطاعم اليمنية تقدّم الطعام للزبون فيها حتى يظل ساخناً خصوصاً عندما تتنوع الأطعمة المقدمة، فيبدأ بأكل أنواع معينة من الطعام ويترك البعض الآخر حتى النهاية، فيأتي إليها وهي ساخنة لم تفقد طعمها. وتمتاز هذه الأواني بسعرها المرتفع نسبياً مقارنة بالأواني التقليدية نظراً لما يبذل فيها من جهد، إضافة إلى أن الحصول على تلك الأحجار يكلف الجهد والمال والمخاطرة؛ لكنها حرفة لا يمكن أن يتخلى عنها أصحابها لأنها مصدر رزق لهم ولأنها حرفة الآباء والأجداد. وعلى الرغم من كثرة الأواني الحديثة وتنوعها إلا أن اليمنيين لايزالون يحافظون على هذه الأواني ويحرصون على اقتنائها مع ارتفاع ثمنها مقارنة بأثمان الأواني الحديثة؛ لكن الجودة هي الغالبة، ثم إن هذه الأواني أصبحت تصنّع وتصدّر إلى بعض دول الخليج وربما إلى الدول الغربية؛ كآنية مستخدمة أو تراث إبداعي مميز.