سبحانك جليل أنت: جل قدرك عن الإدراك والتقدير، وتعالى عن التوهم والتفكير، وتقدس عن التحديد والتعبير، وتمجد عن التأويل والتفسير، وتكبر عن التشبيه والتصوير، وتنزه عن التحويل والتغيير، وتعرف بالتأثير والتدبير. انفردت بوصف الجلال والجمال، واتحدت بنعت التمام والكمال، فلا يتعبر وصفك بمقال، ولا يجاب بكيفية عن سؤال، وكيف وليس للعقول في كنه عظمتك مجال، ولا للأسرار بعز جبروتك اتصال، فأنت الجليل الخطير، وأنت العلي الكبير المتعال. سبحانك عام أنت: عم البرايا جودك وكرمك وفضلك، كما عمهم علمك وحلمك وعدلك، فالعموم في عموم رعايتك داخلون، والخصوص في خصوص عنايتك بائتون وقائلون. كشف في عموم علمك ماهم فاعلون وقائلون، ومبطنون ومظهرون، وسامعون وناظرون، وهم لا يشعرون. سبحانك تام أنت: من الدهر إلى الدهر، واصل بأوصاف الطول والقهر، تقطع الأسباب ولا تقطعك الأسباب، وتحيط بالألباب ولا تحيط بك الألباب. تم قضاؤك بعلمك المحتوم، وحق كلامك بحكمك المحكوم، فعلى مدرجة علمك درج المعلوم، وعلى طريقة رسمك عبر المرسوم، وعلى قاطع حكمك تحرك المحمود والمذموم، إلى اليوم المعلوم. غير أن العاصي ليس بمجبور على المعصية ولا مهضوم، ولا المطيع بملك مقرب ولا نبي معصوم. هذا يثاب غير محابى، وهذا يعاقب غير مظلوم. سبحانك تام الذات فلا تطاولك الذوات، ولا تحصرك الجهات، ولا تناسبك الصفات، فات مرامك أرباب العقول واستفات، فالحيرة مقام من عرفك إلى الممات. صورة الدنيا والآخرة، في تمام صفتك القاهرة، كالخردلة في الفلاة، وكالدعموص في متلاطم الفرات. فلما وحدته العقول بهذا التوحيد، ومجدته بهذا التمجيد، قربها من هوية ذاته، تقريب اللامات من هاء مكتوباته «ال ل ه». إذ الهاء من مكتوبات اسمه، عبارة عن هويته المختصة بعلمه. وإذ اللامات اللاصقة بها، عبارة عن مقامات العقول منه وقربها. وإذ تشاكل أقدارها في التحديد، عبارة عن اتفاق العقول له في التوحيد. وإذ الخط الجامع لحروفها «الله» عبارة عن مواصلته للعقول وتأليفها. وإذا الألف المنفصلة عنها «الله»، عبارة عن الأنفس وما يأتلف بالعقول منها، إذا صح إعراضها عن الحس والمحسوس، وحسن إقبالها على الملك القدوس. فهي بحسن الاستقامة تراقب، لعل أن يمشقها بقلمه الكاتب: «الله». فيثبت مركز قدمها على الخط الجامع، وتجوز بلطف أدبها مرتبة المقام الرابع. فإن اشتد خضوعها بين يدي المليك، أدغمها بدخول لام التمليك «الله». وناداها بلسان المنة لتعي: [يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي] إلى عنصرك اللطيف، وأعرضي عن حس شهوتك الكثيف. فصل عبرنا بالحروف المتعلقة بأسماء الله الحسنى وصفاته، عن اللطائف المتعلقة بنوره وسبحاته، المتمثلة لأوامره وطاعاته، أولئك هم السابقون، والكرام المقربون، على جهة التشبيه العقلي، والتمثيل المعنوي. وكذلك نعبر بالحروف المتعلقة بالأسماء المتوسطة، عن اللطائف المتوسطة، التي لا ترتفع هممها إلى الانتظام في سلك البررة الكرام، ولا تنخفض إلى الالتئام بأهل الفسوق والآثام، أولئك أصحاب اليمين، وذوو الاقتصاد في الدين. وكذلك نعبر بالحروف المتعلقة بالأسماء الخبيثة والصفات الشيطانية، كأسماء القاذورات، والجيف والآفات، والحركات المذمومات، عن اللطائف العاصية، المنقطعة القاصية، المقبلة على الشيطان، المعرضة عن الرحمن، أولئك أصحاب الشمال، وأهل البدع والضلال. إن الحروف المتعلقة بالأسماء الحسنى والصفات الإلهية الكبرى، موضوعات وضعها الله تعالى لها، لا تفارق أسماءه إلى غيرها، كالنون المتعلقة باسم الرحمن ليست هي النون المتعلقة باسم الشيطان، والسين المتعلقة باسم القدوس ليست هي السين المتعلقة باسم ابليس، فافهم الإشارة، وتفكر في هذه العبارة، [وما يعقلها إلا العالمون]، وبالله التوفيق، والحمدلله رب العالمين.