شهداء بينهم أطفال إثر غارات ليلية على غزة وتصنيف جباليا وبيت حانون "منكوبتين"    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا    جماعة الحوثي تطلب تدخل هذا الطرف الدولي لوقف تصعيد الشرعية وقرارات "مركزي عدن"    ضربات هي الإعنف على الإطلاق.. صحيفة تكشف عن تغير أسلوب ''التحالف'' في التعامل مع الحوثيين    بالصور: اهتمام دبلوماسي بمنتخب السيدات السعودي في إسبانيا    بالصور.. باتشوكا يحصد لقب دوري أبطال الكونكاكاف    جدول مباريات وترتيب مجموعة منتخب الإمارات في تصفيات كأس العالم 2026    القبض على أكثر من 300 أجنبي في مديرية واحدة دخلوا اليمن بطريقة غير شرعية    يقتل شقيقه بدم بارد.. جريمة مروعة تهز مارب    من لطائف تشابه الأسماء .. محمود شاكر    مصرف الراجحي يوقف تحويلاته عبر ستة بنوك تجارية يمنية بتوجيهات من البنك المركزي في عدن    ازمة الانتقالي الشراكة مع الأعداء التاريخيين للجنوب العربي الأرض والإنسان    تاجرين من كبار الفاسدين اليمنيين يسيطران على كهرباء عدن    الانتقالي الجنوبي ثمرة نضالات طويلة وعنوان قضية شعب    فخامة الرئيس بن مبارك صاحب القدرة العنكبوتية على تحديد الضحية والالتفاف    كرة القدم تُلهم الجنون: اقتحامات نهائي دوري أبطال أوروبا تُظهر شغف المُشجعين    تجدد مواجهة مصيرية بين سكان صنعاء و الحوثيين    "لماذا اليمن في شقاء وتخلف"...ضاحي خلفان يُطلق النار على الحوثيين    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    فضيحة حوثية تُثير موجة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي و تُهدد الاقتصاد (صورة)    كشف هوية القاضي الذي أثار موجة غضب بعد إصداره أحكام الإعدام اليوم في صنعاء    عيدروس الزُبيدي يصدر قراراً بتعيينات جديدة في الانتقالي    المرصد اليمني: أكثر من 150 مدنياً سقطوا ضحايا جراء الألغام منذ يناير الماضي    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    ضربة موجعة للحوثيين على حدود تعز والحديدة بفضل بسالة القوات المشتركة    كيف أفشل البنك المركزي اليمني أكبر مخططات الحوثيين للسيطرة على البلاد؟    جريمة مروعة تهز المنصورة بعدن.. طفلة تودع الحياة خنقًا في منزلها.. من حرمها من حق الحياة؟    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    تنديد حقوقي بأوامر الإعدام الحوثية بحق 44 مدنياً    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    سلم منه نسخة لمكتب ممثل الامم المتحدة لليمن في الاردن ومكتب العليمي    صندق النقد الدولي يعلن التوصل لاتفاق مع اوكرانيا لتقديم مساعدة مالية بقيمة 2.2 مليار دولار    استشهاد 95 فلسطينياً وإصابة 350 في مجازر جديدة للاحتلال في غزة    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    بنك سويسري يتعرّض للعقوبة لقيامه بغسيل أموال مسروقة للهالك عفاش    مجلس القيادة يؤكد دعمه لقرارات البنك المركزي ويحث على مواصلة الحزم الاقتصادي    موني جرام تعلن التزامها بقرار البنك المركزي في عدن وتبلغ فروعها بذلك    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    الامتحانات.. وبوابة العبور    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن تحت حكم الإمام أحمد 1948-1962الحلق22
نشر في الجمهورية يوم 22 - 09 - 2008

انتهى عهد الإمام أحمد بموته ، وإن كان الموت لم يوقف تداعيات فترة حكمه البائسة والتي بدأت في الظهور بمجرد غيابه ، وبعد أسبوع سقطت الإمامة الزيدية السياسية في اليمن ، ومع سقوطها بدأت مرحلة جديدة في تاريخ اليمن المعاصر.
كان غياب الإمامة كطريقة في الحكم ، وشكل من أشكال السلطة حدثاً مهماً بكل ما تعنيه الكلمة من مدلول سياسي وديني ، فخلال أحد عشر قرناً كان دور الأئمة حاضراً ، صاحب هذا الحضور نفوذ ديني يمتد ليشمل اليمن الطبيعي كله ، أو ينحصر ويتراجع شمالاً حتى جبال صعدة.
ومع كل تراجع كانت هناك فرصة جديدة للتمدد جنوباً ، لأن في الزيدية كمذهب ديني روحاً ثورية متمردة ،ترفض الظلم والاستبداد ، وتدعو إلى الخروج على الحاكم الظالم مهما كانت ادعاءاته السياسية والدينية.
عرف الورتلاني اليمن وتعرف على أهلها، وكتب عنها في صحف الاخوان وبعين ثاقبة، وعقل راجح أدرك بأن اليمن تتراكم فيه عوامل للتغيير، ولا يحتاج الأمر إلا إلى جهد يثمر عن توحيد القوى الطامحة لهذا التغيير، فراح يحرض، وينظم الصفوف، ويقيم صلات واسعة مع المعارضين والمؤيدين، حتى غدا شخصية مرموقة في اليمن يقابل بالحفاوة حكومياً وشعبياً، ويأتي لزيارته رئيس الوزراء العمري، ووزير الخارجية راغب ورئيس الاستئناف، وعلماء ورجال دين على مختلف مشاربهم، وهؤلاء يزارون ولا يزورون في العادة، كان يخطب في الجامع الكبير، وفي إحدى خطبه، وكان الإمام حاضراً وقد عرف الورتلاني فيه صفة البخل، فند الورتلاني معنى وأثر الحرص الزائد على المال، وبين موقف الإسلام منه، وجاء في الخطبة على مظاهر التباهى بالأحساب والأنساب، وذكر بقول الله سبحانه وتعالى:[إن أكرمكم عند الله أتقاكم] ثم ذكر الحديث الشريف: يابني هاشم، يابني عبدالمطلب يافاطمة بنت محمد، لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأحسابكم وأنسابكم.. الخ الحديث، ما كان مثل هذا الخطاب مما يعجب الإمام، ويتلقف الناس خطب الورتلاني، وكان كان يؤولها كما يهوى، وقد ظلت حديث الناس طالما بقي الورتلاني يخطب.
ومع ذلك كان محل تقدير وثقة الإمام، وتقدير الإمام له منحه فرصة اللقاء بمختلف الفئات الاجتماعية وكان حين يلتقي بالناس يحرضهم على التغيير، فألهب الحماس في النفوس، وحرك الضمائر، وخلق جواً من الرفض، حتى تنبه الإمام لأفعاله وعلاقاته، وظن فيه الظنون، وأراد ابعاده لكن ولي العهد كان دائماً يوصي بمعاملته معاملة حسنة، وكان الكبسي يدافع عنه، وكان هذا رجل الإمام والمعارضة معاً، فلم يجد الإمام طريقة يحد بها من نشاط الورتلاني غير قطع ما كان يمنحه إياه من مساعدة، ومصروفات، وحتى يبقى في اليمن، تصدى الأثرياء من المعارضة لمساعدته وتبرعوا له بسخاء.
لقد نجح الورتلاني في إقامة الصلة، وسد الثغرة التي كانت قائمة بين أطراف المعارضة، فوحد كلمتها، وجسر الهوة التي كانت قائمة بين معارضي الداخل أمثال المطاع والعزب، والإرياني وآل الوزير وغيرهم من ناحية، وبينهم وبين الزبيري ونعمان وإبراهيم ابن الإمام يحيى في الخارج من جانب آخر، وقام بدور المنظم والمخطط للانقلاب وأعد «الميثاق الوطني المقدس» برنامج المعارضة ومنهاجها، وأقنع عبدالله الوزير بالخروج عن صمته، والقبول بمنصب الإمامة عند نجاح الانقلاب.. فعبدالله الوزير كان الشخصية التي تقبل بها أطياف العمل السياسي المعارض على اختلافها، وكانت شروط الإمامة كما هي لدى الزيدية متوفرة فيه، وهو من نسل فاطمة، وعالم وسياسي مقتدر، كما اقنع المعارضة به، وهي التي كانت تشكك في توجهاته وتعتبره محافظاً لا فرق بينه وبين الإمام يحيى، وترفضه بعض قوى أخرى لكثرة بطشه وجوره أثناء حروب الإمام التوحيدية.
وبالتعاون مع المطاع وقادة آخرين قادة الورتلاني الجهود نحو التغيير، والتغيير العنيف، عن طريق القوة خاصة وأن النخبة التي تقود أعمال المعارضة في الداخل والخارج معاً قد اقتنعت بأن ذلك قد غدا هو السبيل الوحيد، فكان ذلك دافعاً له للتقدم خطوة بخطوة في تنفيذ برنامجه.
إن دور الورتلاني كان بارزاً دون شك في أحداث تلك المرحلة، لكن هذا الدور لا يلغي دور المناضلين الآخرين، الذين حملوا مشعل الإصلاح، وساروا في معارضة الإمام حتى السجون والمقاصل، والقول بغير ذلك فيه شيء من القفز على الواقع، كما أن القول بجهود الورتلاني وقيادة المعارضة في الداخل والخارج لا يلغي أبداً أثر العوامل الموضوعية، والتي خلقت المعارضة، كانت الظروف جميعها ذاتية وموضوعية تدفع للتغيير، لكن ذلك لا يعني أنها نضجت تماماً، لقد اختمرت فكرة التغيير وغدت شعارات الإصلاح بمثابة الأيدلوجية التي تهتدي بها النخبة، لكن كل ذلك شيء ووعي الجماهير وإدراك الناس لهذه المتغيرات شيء آخر، كانت الفكرة قد نضجت لدى النخبة وقد تشعبت هذه النخبة بفكرة الإصلاح حتى ملكتها، لكن الجهل وواقع التخلف منع انسياب هذه الأفكار إلى الكثرة الغالبة من السكان، وعلى وجه التحديد إلى القبائل الزيدية والتي شكلت القاعدة الاجتماعية للإمامة السياسية.
إن صلة الإخوان المسلمين بالفضيل الورتلاني من الأمور التي تثار بين حين وآخر، وكان قادة الحركة قد نفوا صلتهم بالانقلاب الدستوري في اليمن، إلا أنهم يعترفون بأنهم كانوا على علاقة بالفضيل الورتلاني لكنهم لا يعترفون بوجود صلة تنظيمية به، وينفون علمهم بمهمته في اليمن ومع ذلك فقد دافعوا عنه دائماً وقالوا عنه إنه من أهل الخير والفضل والمروءة والعمل الدائب لخدمة الإسلام، والحقيقة فإن الأحداث وموقف الاخوان وصحافة الاخوان فيها ما يخالف هذا القول، وما قيل قبل الانقلاب كان موقفاً وما قيل بعد الانقلاب كان تبريراً أو نفياً لهذا الموقف.
8 اليمن أثناء الحرب العالمية الثانية
أعلنت الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 9391م ووقفت اليمن على الحياد، كان الإمام يرقب التطورات من حوله، مأخوذاً في موقفه هذا بعدة عوامل، أولها: طبيعته الانعزالية ونهجه التقليدي الذي عرف به منذ وصوله إلى الحكم، وثانيها: خوفه من نتائجها المجهولة، فهو لا يستطيع المغامرة مع أي من طرفي الحرب بما قد يكلفه ملكه كله.
ثالثها: أنه وجد نفسه بين طرفي الصراع مباشرة فالمعارك تدور على تخوم بلاده، الإيطاليون الذين أقام معهم علاقات متميزة، والبريطانيون الذين يقفون على حدوده الجنوبية، وهو يعرف مدى ما يتمتعون به من قدرات عسكرية، وتأثير سياسي في المنطقة.
كان في الحقيقة متعاطفاً مع دول المحور، وقد حاول الإيطاليون إغواءه وضمه إلى صفوفهم، عندما دخلوا الحرب في 01يونيو 0491م لكن الإمام كان من الحكمة والخبرة بحيث تمكن الحفاظ على موقفه المحايد، فقد تعامل معهم بموضوعية، بل ولامهم وحاول ثنيهم عن تجنيد اليمنيين للخدمة في قوات الصومال وإرتريا، في نفس الوقت عامل الأشخاص الإيطاليين الفارين إليه بصورة طيبة، بل ووفر لهم الحماية دون أن يسمح لهم بالقيام بأي عمل مضاد لدول الحلفاء، وحتى عندما تمكنت ايطاليا في بداية نشاطها الحربي في البحر الأحمر من تحقيق انتصارات كبيرة، واستولت على الصومال البريطاني، وحاصرت الصومال الفرنسي، وتقدمت قواتها في بعض مناطق السودان وكينيا اللتين كانتا مستعمرتين بريطانيتين، فإن الإمام لم ينخدع بهذه الانتصارات، ولم يؤثر فيه الإيطاليون الذين قصفت طائراتهم مواقع البريطانيين في عدن في محاولة للاستيلاء عليها، وكان يمكن لغيره أن ينخدع، فالبريطانيون كانوا دائماً خصوماً تقليديين للإمام.
وكانت علاقة الإمام بالألمان والرايخستاغ طيبة، وقد اشترى منهم أسلحة وذخائر في الأعوام 43916391م بما يعادل المليون دولار قدموا له بعض المساعدات الفنية، وتبادلوا معه الهدايا، كان آخرها تلك الشحنة من البن التي أرسلها الإمام إلى «هتلر» قبيل اندلاع الحرب بأيام، وقد اكتشفت الشحنة على متن باخرة تدعى «دنمارك» يبدو أنها كانت ألمانية، أبحرت من عدن إلى هامبورج، وروجت الصحف البريطانية للخبر، ووجد البريطانيون أنفسهم في موقف محرج، فالإمام أعلن الحياد، وهم يرغبون في أن يستمر موقفه هذا حتى نهاية الحرب، والإعلان عن الشحنة والتنديد بها قد يضر بموقف الإمام هذا ويحرجه، وهم لا يريدون ذلك، لهذا بحثوا عن مخرج لهذه المسألة، وبعد مداولات بين قيادات عدن ولندن قرروا إرسال الشحنة إلى عدن، ومن عدن شحنت إلى الحديدة بناء على رغبة الإمام بعد سلسلة من المراسلات بينهم ووزير خارجية الإمام محمد راغب بك.
ولم يتأثر الإمام بما أشيع حينها عن أن اليمن ستكون هي الهدف الثاني بعد الصومال ويبدو أن الإيطاليين استطاعوا إقناعه بأن ذلك من باب الدعاية المغرضة، والأغلب أن دول الحلفاء والصحف العربية الموالية، قد روجت لهذه الدعاية بغرض جر الإمام إلى موقف أكثر إيجابية من الحلفاء كما فعل بعض العرب، ومع ذلك يمكن القول أن هزيمة ايطاليا على أية حال، ربما أثارت شيئاً من الأرتياح في نفسه، وإن كان قد فقد بهزيمتها وسيلة كان يستخدمها للضغط على البريطانيين.
بعد ذلك سارت الأحداث سيراً معاكساً لرغبات دول المحور، فإيطاليا التي حققت نجاحات كبيرة في حوض البحر الأحمر في بداية الحرب، بدأت تفقد مكاسبها الواحدة تلو الأخرى أمام جبروت القوة البريطانية، وتوقف الزحف الألماني عند «العلمين» بل وهزمت قوات «رومل» وكان ذلك يدفع الإمام للتمسك بموقفه الحيادي أكثر فأكثر، ولكنه لم يصمد طويلاً أمام مطالب البريطانيين في القبض على الايطاليين والألمان الفارين إلى بلاده.
كما اعتقل رعايا البلدين، وقيل إنه أوقف محطتى الإذاعة اللتين كان الحلفاء يزعمون أنها تعمل في بلاده باسم دول المحور، ومع تقدم الحرب وقد أصبحت نتيجتها معروفة سلفاً، أقدم على قطع علاقاته بدول المحور، ولكنه لم يدع إلى مؤتمر سان فرانسيسكو الذي دعت إليه دول الحلفاء المنتصرة، وأعلن فيه عن قيام منظمة الأمم المتحدة في العام 5491م وحضرته بعض الدول العربية.
أبعد الإمام بلاده عن ساحة المعركة التي جرت بعض معاركها بالقرب من حدوده البحرية، واستطاع أن يجنب البلاد آثارها المباشرة، لكنه لم يتمكن من وقف تداعياتها السلبية، لقد اكتوى بنارها البعيدة، وعانى الكثير من شرورها فقد أصيبت المواصلات العالمية بالشلل، وتوقفت صادرات البن، وانقطع وارده بسبب ذلك انقطعت صلة اليمن بأبنائها المغتربين، وكان المال الذي يبعث به هؤلاء المغتربون إلى ذويهم، يشكل في أحيان كثيرة العمود الفقري في الاقتصاد الوطني، وفي ظروف الحرب تحول هؤلاء أو عدد كبير منهم إلى مقاتلين وجنود في معسكرات الحلفاء والمحوريين، وبذلك لم يعد بإمكانهم إمداد أهاليهم بشيء من المساعدات المالية، وساعد الجدب وانقطاع المطر على حدوث المجاعة، وأسلمت المجاعة الناس للأمراض، فالموت وتحت وطأة هذه المحنة وفي خلال سنوات الحرب مات من أبناء اليمن قرابة المليون أو يزيد، وهو تقدير يبدو مبالغاً فيه بالنسبة إلى عدد السكان.
وقد ضاعف من حجم المأساة أن الإمام يحيى تجاهل تماماً ما كان يحدث لمواطنيه فلم يأمر بما ينقذهم من الموت جوعاً، وصم أذنيه عن النصائح التي كان يبعثها إليه بعض علماء اليمن، وقال لهم كلمته المشهورة «كما تعلمون لا يكفي الخلق إلا الخالق» في الوقت الذي كانت خزائنه مليئة بمئات الملايين من الريالات، ومدافنه ومخازنه مليئة بالحبوب من حاصلات الزكاة.
كان الناس يتساقطون جوعاً، أو مرضاً، إذ أن مرض التيفود في تلك الفترة كان يحصد المئات والآلاف، ولايجد الناس مستشفيات تعالج، أو دواء يخفف من آلامهم ومصائبهم، أو حكومة يشتكون لها مأساتهم حتى أن بعض البعثات الأجنبية وجدت نفسها مضطرة لمغادرة البلاد، إما خوفاً من الاصابة التي كانت تحصد الأرواح، دون أن تُبدي الحكومة اهتماماً، أو لأن مالديها من أدوية كان قد انتهى، وحكومة اليمن لاتقوم بمايجب أن تقوم به أية حكومة في العالم في مثل هذه الظروف.
انتهى عهد الإمام يحيى في فبراير 8491م، وهذه الفترة على مافيها من دروس وعبر تاريخية هامة، إلا أن أكثر سماتها بروزاً هي التي تتمثل في:
أولاً: إن اليمن لم تستنفذ كثيراً من استقلالها المبكر عن الدولة العثمانية، لقد أتاح القدر لليمن فرصة نادرة للحاق بركب الحضارة الانسانية، أو على الأقل الاستفادة بقدر أكبر من مُنجزاتها، لكن الإمام الذي قاد حرب التحرير، وخاض حروباً محلية عديدة، وأقام دولة مركزية في اليمن في الجزء الأعلى منه كان أعجز فكرياً وسياسياً عن ادراك حقيقة العصر الذي عاش فيه، حيث قادته تجربته وتكوينه الشخصي وثقافته والظروف التاريخية المحيطة به يميناً إلى التقوقع والانعزال، واغلاق الأبواب أمام رياح التغيير، وكانت تلك واحدة من خطايا السياسة الكبرى في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر،عانت بسببهااليمن ومازالت الكثير من المتاعب، وتركت هذه السياسة آثارها على كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ثانياً: إن قيام دولة مركزية في اليمن أعاد إلى الوجدان الوطني التروع نحو الأمجاد القديمة، نحو ماضي اليمن الواحد، كان الإمام يحيى سليل دولة القواسمة التي حكمت اليمن في فترة ماضية، وهؤلاء تمكنوا ولو لفترة قصيرة من الزمن من اقامة دولة مركزية، امتد نفوذها شرقاً حتى حضرموت وقد تمسك الإمام بهذا الحق التاريخي القديم في مواجهة البريطانيين الذين اغتصبوا أجزاء هامة من اليمن الطبيعي وبصرف النظر عن طبيعة التطلعات «اليحيوية» نحو اليمن الواحد، فإن موقفه من الوحدة الوطنية كان في الواقع يعبر عن وعي بدأ يسود في الأوساط الاجتماعية، المثقفة منها على وجه الخصوص، بعد أن اصطدمت أحلامه بمطامع دولة عظمى في الجنوب، فسعى إلى مجد في الشمال على حساب الأدارسة، فوجد نفسه أمام جاره القوي والطموح الملك عبدالعزيز بن سعود ومع ذلك فالفكرة التي أطلقها الإمام يحيى كبرت مع الأيام والسنين، وتحولت إلى موقف وطني تجذر وتحول إلى ارادة وطنية عامة.
ثالثاً: إن سياسة الإمام يحيى الانعزالية وفشله في مواجهة الأخطار والتحديات التي ظهرت في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين قد أدت إلى ظهور معارضة وطنية، كانت بداياتها الأولى دينية اصلاحية، لكنها مالبثت أن تحولت مع الأيام إلى معارضة سياسية، كانت تملك رؤيتها الخاصة وفلسفتها للحكم وتطلعت إلى تغيير سياسي يتواءم مع التطلعات المشروعة للغالبية العظمى من أبناء اليمن ورفض الإمام اطروحات المعارضة، وتصادمت ارادتان، ودخلت اليمن مرحلة جديدة كان لابد أن تفضي بصورة أو أخرى إلى تغيير مافي الحياة السياسية للبلد.
رابعاً: إن الأمير أحمد الإمام لاحقاً كان واحداً من رجال دولة اليمن الحديثة خاض تحت قيادة والده حروباً عديدة، لاخضاع المناطق القبلية المتمردة وإلحاقها بالدولة المركزية، وبسبب نجاحاته في مواجهة الخصوم والخارجين على الدولة الفتية اكتسب شهرة القائد، ورجل الدولة، والوطن الذي نظر إليه أهل اليمن باعتباره الأمل في تحرير الجنوب، والرجاء في اصلاح الأحوال التي ساءت في عهد أبيه يوماً بعد آخر فتهيأ للزعامة، وطلب الإمامة وسعى إليها، مؤكداً مرة أخرى نظرية الزيدية في الحكم بأن من الممكن اختبار الإمام المفضول مع وجود الأفضل لمصلحة تراها«الأمة» وهذا ماحدث لاحقاً فلم يكن أحمد مؤهلاً للإمامة، ولكنه كان الوحيد الأجدر بها بين أبناء الإمام، ومن بين المحيطين به من زعماء الأسر العلوية الأخرى الذي كان من بينهم «الأفضل» للإمام وللحكم.
عهد جديد وسياسات قديمة
8491-5591م
1 الانقلاب الدستوري:
مع بداية عام 8491م، وجد الأحرار في أنفسهم الاستعداد للقيام بالخطوة الكبرى حيث نظموا صفوفهم، ووصلوا إلى اتفاق حول القضايا التي كانت محل اهتمامهم.. الاتفاق على انتخاب عبدالله الوزير إماماً عند نجاح الانقلاب وقد وافق أكثر من 53عالماً ورجل دين على أهلية الوزير لمنصب الإمامة بشروطها الزيدية وذهب هؤلاء أبعد في الموافقة على انتخاب الوزير إذ ايدوا وباركوا شرعية قتل الإمام يحيى، فقد رأوا فيه سبيلاً وحيداً للخروج بالبلاد من أزمتها، وأيد الاقتراح بانتخاب الوزير خمسة عشر من شيوخ القبائل، وساند الاقتراح ودفع به مثقفو ذلك العصر.
وكانت المشكلة هي في كيفية تنفيذ ما اتفقوا عليه، هل يرغمون الإمام يحيى على التنازل عن عرشه، وقد ظل متربعاً عليه ثلاثين عاماً؟ ولكن تنظيمهم السياسي والعسكري لم يبلغ بعد درجة من القوة تجبر الإمام على ترك السلطة سلمياً ودون اراقة دماء، هل مقتله يؤدي نفس الغرض؟ في الحقيقة كل أدبيات التنظيم لم تطالب الإمام بالتنازل، ولم تحرض على قتله، وإنما ظلت تردد دعوته للاصلاح ومع ذلك فإن الأمور ذهبت إلى نهايتها، وقتل الإمام يحيى.. كيف؟
لقد بلغت الاجتماعات التنظيمية درجة من التنظيم، أهلتها للقيام بمهام كثيرة واستطاع جمال جميل، معلم الجيش العراقي الأصل وبمساندة ضباط آخرين منهم عبدالله السلال، وأحمد المروني، ومحمد ملهي، ومجاهد حسن غالب، وحسن عنبه، وأحمد المقعش، وأحمد الشعساني، أن يقودوا بمهارة بناء عدد غير قليل من الخلايا العسكرية، أوكلت إليها مهمات محددة تشكل أهدافاً للدستوريين.
وكان القادة السياسيون، عبدالله الوزير، وأحمد المطاع، وعلي الوزير، وحسين الكبسي الذي جرت معظم الاجتماعات واللقاءات الحاسمة في بيته وعبدالله العزب، ومحي الدين العنسي، وأحمد الحورش، وابراهيم الحضراني، وأحمد الشامي وآخرون، قد استكملوا مهامهم السياسية فيما يتعلق بتشكيل الحكومة ومجلس الشورى، وكبار موظفي بعد الانقلاب وأصبح الميثاق الوطني جاهزاً وكلف كلاً من محيي الدين العنسي، وأحمد الحورش بنقله إلى الأحرار بعدن، لنشره عندما يتم الاعلان عن موت الإمام يحيى.
وكان الميثاق معداً اعداداً جيداً، وبصمات الفضيل الورتلاني عليه واضحةً، وأكثر من ذلك أن الورتلاني أبلغ أحمد الشامي بأن الشيخ حسن البنا قد اطلع عليه، وقام العنسي والحورش بنقل صورة الميثاق، وقائمة الحكومة المقترحة إلى قادة المعارضة في عدن النعمان والزبيري، لكن الاثنان وأثناء مرورهما بمدينة الحديدة، حاولا كسب تأييد أمير اللواء القاضي حسين الحلالي المعروف بميوله الاصلاحية، والذي وعدهما بالوقوف إلى جانب الأحرار في القضاء على الإمام شرط الحفاظ على رئيس الوزراء عبدالله العمري.
وقد كان العمري كما أشرنا،وكذا محمد راغب وزير الخارجية ممن تعاطفوا مع الأحرار وساندوهم، دون أن يشاركوهم خططهم في الانقلاب وكان خطأ العنسي والحورش أنهم أفشيا إليه«للحلالي» ببعض التفاصيل، كيوم قتل الإمام يحيى وولي عهده في 41يناير 8491م وقد تعجل الحلالي، فأبلغ الملحق التجاري البريطاني صالح جعفر البريطاني في عدن، الذي قام بابلاغ النعمان والزبيري بالخبر، فقررا نشر الميثاق الوطني، واعلان الحكومة الجديدة، وأشيع في عدن أن الأمام يحيى قتل وكانت هذه احدى الروايات.
أما الرواية الثانية فترى أن هناك احتمالاً بأن الورتلاني سمح بارسال برقية يوم 41يناير إلى الأحرار في عدن تؤكد مقتل الإمام يحيى، دون أن يأخذ في الاعتبار احتمال فشل أو تأجيل المخطط، لاعتقاده أن المخطط حتى في حالة عدم تنفيذه سيضع القوى الوطنية وجهاً لوجه أمام الواقع وقد عُرف عن الورتلاني شيئاً من الاندفاع وعدم الروية، الذي يبلغ أحياناً حد التهور.
وكان تنفيذ المخطط في ذلك اليوم «41يناير» قد تأجل بسبب أن المسئول عن التنفيذ علي ناصر القردعي، شيخ مراد، قد ارتبك ومن معه، فلم يقووا على تنفيذ مهمتهم فوقع الدستوريون كما عرفوا بعد ذلك بهذه التسمية في حرج شديد وشعروا بالقلق بعد انكشاف المخطط.
وهناك رواية ثالثة بطلها ولي العهد أحمد، إذ أوعز أحمد إلى الحلالي والي الحديدة بابلاغ الوكيل التجاري البريطاني صالح جعفر بأن الإمام يحيى قد قتل فقد كان ولي العهد يدرك أن هناك مخططاً مايجرى في الخفاء وأراد معرفة تفاصيله ورجاله وقام الوكيل التجاري البريطاني في الحديدة بابلاغ الحاكم العام في عدن برقياً يوم 41يناير بمقتل الإمام وقام الحاكم بدوره بإبلاغ الأحرار، فتعجلوا نشر الميثاق واعلان اسماء الحكومة وكانت تلك حيلة من ولي العهد للتأكد من صحة المعلومات التي تلقاها من جواسيسه في أوساط الأحرار في عدن.
وسبب نشر الميثاق في عدن، واعلان الحكومة للأحرار ولعبدالله في صنعاء حرجاً شديداً أمام الإمام، فأقسم عبدالله الوزير أن لاصحة فيما نشر وقام في اليوم الثاني بكتابة مقال في صحيفة«الايمان» الرسمية يعلن فيه تأييده المطلق للإمام، وولي عهده،وينفي الاشاعات عن الحادث وكان الإمام وأبناؤه يفكرون جدياً برد جهنمي ضد الأحرار يبطشون فيه بهم ويتناولون كل الأسماء التى شملتها القوائم المنشورة، لولا أنهم ترددوا قليلاً بسبب احتواء القوائم على أسماء لايتطرق إليها الشك أمثال أمير الجيش علي بن ابرهيم، وسيف الاسلام علي ابن الإمام، وعبدالرحمن الشامي والقاضي راغب بك، وبسبب هذا التردد بادر الإمام إلى طلب نجله وولي عهده أحمد للوصول إلى صنعاء غير أن أحمد لم يصل.
«ا» مقتل الإمام يحيى:
وكان عامل الزمن حاسماً وسيكون النجاح نصيب من يبدأ أولاً، الأحرار الإمام وأبناؤه وسارع الأحرار إلى تنفيذ مخططهم وكُلفت مجموعة من المشايخ على رأسهم الشيخ علي ناصر القردعي بقتل الإمام ويظهر أن قادة الانقلاب قد فكروا ملياً بردود الفعل ازاء مقتل الإمام يحيى، فأرادوا توزيع دمه على أكبر عدد ممكن من القبائل، ليضيع دمه فلايدركهم، تماماً كما فعلت قريش عندما أرادت قتل محمد«صلى الله عليه وسلم» على فراشه ليلة الهجرة وخرج الإمام يوم 71نوفمبر 8491م ومعه عبدالله العمري، وأحد أحفاده لزيارة مزارعه خارج صنعاء، وكاد وجود العمري معه يؤجل العملية، فالعمري كان قد اقترب كثيراً من الأحرار، وكان على اطلاع بنشاطهم، إلا أنهم لم يبلغوه بخطتهم بقتل الإمام وقد وضع القدر العمري في طريقهم، ولم يكن بامكانهم أن يخاطروا بالتأجيل، فيبادرهم الإمام قبل أن يبادروه، ويقضي عليهم قبل أن يقضوا عليه.
ونفذ القردعي ومن معه قتل الإمام وأمطروه بطلقات كثيفة أصابته ومن معه في مقتل، وأعلن في صنعاء عن وفاة الإمام، وبعد ذلك عرف الناس الحقيقة، كما عرفت العواصم العربية، وتناقلت صحفها الأنباء القادمة من اليمن.
وعلى الفو سارع عبدالله الوزير إلى قصر غمدان،وأعلن من هناك عن موت الإمام يحيى، وراحت وحدات من الجيش بقيادة الرئيس جمال جميل تسيطر على القصور ومرافق العاصمة وفي المواجهة مع أبناء الإمام قتل الحسين والمحسن ونجا بأعجوبة الأمير«يحيى» واستسلم الأمير اسماعيل، وسيطر حسن العمري على الاذاعة وأعلن عبدالله الوزير إماماً شرعياً ودستورياً ملقباً نفسه بأمير المؤمنين، الهادي، كما أعلن عن الحكومة الدستورية برئاسة علي عبدالله الوزير، وأصبح ابراهيم ابن الإمام يحيى رئيساً لمجلس الشورى، وتولى الزبيري وزارة المعارف والنعمان وزارة الزراعة ووزعت بقية الحقائب الوزارية على الكتل المكونة للتحالف، وأخذت كل كتلة من المناصب بقدر مكانتها، وقربها وبعدها من مركز القيادة فالكبسي أصبح نائباً لرئىس الوزراء ووزيراً للخارجية، والمطاع وزيراً للتجارة والصناعة، وحسين عبدالقادر وزيراً للدفاع، والحاج الخادم الوجيه وزيراً للمالية، أي أن معظم المناصب قد ذهبت للأسر التقليدية التي دعمت الانقلاب، وكان ذلك مقصوداً من الذين أعدوا قائمة الحكومة والمجلس وكبار الموظفين كما أصدر الإمام الجديد عفواًً عن 0023من المساجين، قال علماء الدين إن العقوبة قد نالت منهم وإنه لم يعد هناك مبرراً لبقائهم في السجن ويبدو أن هذا رقماً كبيراً وقد يكون مبالغاً فيه ولاشك أن من بينهم سجناء سياسيين.
وتلقى الشعب نبأ مقتل الإمام يحيى بمشاعر مختلفة، فقد أصيب البعض بالذهول نتيجة الصدمة، ولأن الذين كانوا يعرفون خبايا الأمور قلة، وبعض هؤلاء لم يكن يتوقع مقتل الإمام ورأى فيه البعض مخرجاً وحيداً بالرغم من أن حكم الموت ليس له علاقة بأدبيات حركة الأحرار، كما أنه لم يكن رداً مقصوداً على ماارتكبه الإمام المقتول من جرائم، كان أولها بحق الشيخ نعمان، ورفيقه السدمي، ومطير مصلح.
«ب» أحمد إماماً وملكاً:
كان في خطة الأحرار التخلص من أحمد مع أبيه في وقت واحد، وقد أعدوا وخططوا جيداً إلا أن أحمد لم يقتل، فقد فشل المكلفون باغتياله من الوصول إليه، إذ أبلغه أخوه الحسين بمقتل الإمام يحيى قبل أن يبادر إليه الأحرار، وكان عنده من الدهاء وحسن الحظ ماجعله ينجو من كمائن الأحرار واحداً تلو الآخر وتوجه إلى الحديدة مؤكداً عزمه على معاقبة القتلى مصطحباً معه 081من أنصاره، وكمية من المال والذهب.
وفي الحديدة لقى الترحاب من واليها حسين الحلالي، الذي كما أشرنا قد وعد الأحرار بالوقوف إلى جانبهم ومن الحديدة اتجه إلى صنعاء وفي «باجل» تلقى من عبدالله الوزير برقية يبلغه فيها موت الإمام يحيى، وأن ذوي الحل والعقد قد بايعوه «الوزير» إماماً، ويطلب منه الدخول فيما دخل فيه الناس وطاعة النظام الجديد وأدرك أحمد حينها أن عبدالله الوزير ضالعاً في اغتيال أبيه، فكان جوابه عليه أن أعلن نفسه إماماً، وتلقب بالناصر، وأرسل إلى الوزير رداً جاء فيه«من أمير المؤمنين المؤيد بالله ناصر أحمد ابن أمير المؤمنين المتوكل على الله يحيى إلى الناكث الذليل الحقير عبدالله الوزير.. لقد ركبت مركباً صعباً عن طريق الغدر والخيانة وإنك ستسقط إلى الهاوية في القريب وإني زاحف إليك بأنصار الله ولايحيق المكر السيئ إلا بأهله، والعاقبة للمتقين». ثم حول وجهته نحو«حجة» وتمكن من الاتصال بالملك عبدالعزيز يطلب دعمه ومساعدته بالرغم من أن الأخير كان يعتقد أن أحمد قد قام بتدبير محاولة لاغتياله.
وفي الأيام التالية التي أعقبت الانقلاب كان هناك إمامان، أحدهما في صنعاء، بايعته أغلبيته من علماء الدين ورجالها وقادتها، اهتم بتوطيد سلطته في المدينة، وحاول الاستيلاء على بقية المناطق وآخر في «حجة» كان وارثاً للحكم، وصاحب بيعة سابقة.
رفض إمامه الأول، واتهمه ومن معه من الأحرار بالخيانة وراح يحشد حوله الأنصار مبرقاً لجامعة الدول العربية والتي كانت قد أبلغت قبل ذلك بمقتل الإمام يحيى.
واستعد كل طرف للمواجهة وكان أحمد أكثر اصراراً على حسم المعركة لصالحه، فقد تجمعت حوله القبائل، وبدأت في الزحف نحو العاصمة صنعاء وهي في حالة من الهيجان الشديد، مبعثه مقتل إمام«الزيدية» أولاً، والرغبة الشديدة في نهب العاصمة انتقاماً من رجال الدولة فيها، والذين كانوا يسومونهم سوء العذاب في معاملاتهم اليومية حتى درجة الاحتقار، ثانياً.
وقد حاولت القيادة السياسية والعسكرية للانقلاب مواجهة الموقف، وضرب هذه الحشود قبل أن تصل إلى العاصمة، فأرسلت فرقتين من رجال الجيش، ومن القبائل المؤيدة للعهد الجديد، فجرت معارك في عمران، وشبام، وحجة، لكن الفرقتين لم تصمدا أمام الحشود الكبيرة للقبائل والتي تولى قيادتهاشخصيات مجربة أعلنت تأييدها للإمام أحمد فتراجعت قوات الإمام عبدالله إلى صنعاء، فيمابدأت القبائل تحاصر المدينة وتشدد عليها الخناق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.