استجمعت قواي الباقيه والتي أنهكها الانتظار, يمر الوقت بطيئاً، بقيت خمس دقائق وأراها، تخيلت عدة ساعات وعدة عقارب تتحرك في الهواء وبين السحب وتصل للفضاء والثانية تجر الأخرى بتثاقل وكأنما أهلكها الوقت والزمن والحياة، وفي ازدحام الوقت تذكرت أن هنالك حقيقة واحدة باقيه وهي أني سأراها هنا , نعم ستمر من هنا بعد خمس دقائق ما أطولها من دقائق وما أبعدها من مسافه، من هنا ستمر وستعبر بهذا المكان وهنا سأراها وهي خارجه من عملها، ربما لن تراني ولكنني سأراها تحسست أزرار قميصي والياقه والأكمام أردت أن أكون بأبهى حلّه حينما أراها , لا يهم ان كانت ستراني أم لا المهم اني سأراها.تشابهت الأبعاد والزوايا والأماكن وطرأ على بالي سؤالي اليومي , ياترى هل سترتدي ما ارتدته البارحه أم سترتدي الثوب الذي أحبه والذي أتذكر جميع تفاصيله وألوانه ,ربما أعرف ما بخزائنها أكثر منها , لا تزال الخمس دقائق تمر بطيئة كالسلحفاة ولكن أنماط ثيابها وحليّها تمر على ذاكرتي بسرعه كفيلم سينمائي , لم يكن صقيع البرد وضربات الهواء القاسي الموجعه تؤثر بي ولكن مراقبتي لعقرب الثواني المتصلب كاد أن يقتلني ويمزق عضلات فكّي المتجمد، وكان الدخان يخرج من فمي ليمتزج بنفحات الهواء البارد ويطير في السحاب، كنت فرحا لأنني اعتقدت أن هذا الهواء سيذهب إليها ويلمس خدودها ويصفعها كما يصفعني ليرسم قبلة الشتاء القارس على خدها الوردي ..وأخيرا تحركت الثواني وفكت قيود نفسها وتحررت من عبودية الساعه وبدأت رحلة عيوني بالممر المؤدي إلى الخارج تبدأ ,كانت وجوه الناس عندي متشابهه إلا وجهها، وكنت أحسّ أن جميع الناس عبارة عن أسطول جيش يتحرك بحشد كبير لا تكاد تميز بينهم بتلك البزات العسكرية المتقنة الصنع , ولكنها مختلفه تختفي الحشود ويبقى وجهها لا أرى أحدا سواها كالوردة بين حقول الشوك والألم وتنتهي رحلة الخراف الى المسلخ ولكن بقيت هي لا أراها , تسارعت نبضات قلبي وبدأ ضخ الدم الى أوردتي يتزايد , تساقط مني العرق رغم شدة البرد وقفت وحدي أراقب وأجول بنظري كالتائه بين رمال الصحراء أبحث عن واحتي المفقوده ,ماالذي حصل ؟ مرّت الخمس دقائق ولم تظهر هل حدث شئ للوقت؟ أم للبشر؟ أستطيع استيعاب هذا ولكن ماالذي لا أستطيع أن أتخيله أنه قد حدث لها مكروه. حينها انتقلت كآبة الوجود الى جفوني ومسحت بسواد سرمدي حالك إلا أن استوقفني القمر صديقي العزيز فقد زارني وتذكرت أنني قد تسمرت بمكاني منذ الظهيرة حتى المساء وكنت كالشجرة بثباتها على جذورها لا أتحرك. قررت أن أراها فإن لم أفعل ذلك ستتسرب مني دمائي إلى الأرض ويسكن جسدي تحت ثراها ,انتشرت بمخيلتي عدة صور كئيبه عنها هل هي مريضه أم حزينه أم انها تبكي ما بها يا ترى ؟ نعم قررت أن أراها فذهبت بي السيارة إلى هناك فهي تعرف طريق بيتها أكثر مني، وتحت البيت حاولت أن أشم رائحة عطرها أو ألمح آثار أقدامها هنا أو هناك لم أجد ما يدلني على وجودها إلا إحساسي ومن نافذة المنزل استوقفني خيالها فزرع جسدي ببساتين الريحان وعزفت الأغاني والأهازيج والطيور انتشرت فرحة تتسابق , إنها بخير إنها ما زالت هناك, لم تذهب الى العمل فكان ذلك يوم إجازتها وكانت الخمس دقائق البطيئة خادعه فهي ليست لها ولكنني سعيد فهي مازالت هناك وأنا مازلت على قيد الحياة.