أفقنا على الصراخ، كانت الشرطة تنتشر في أرجاء المنزل مختلطة بوجوه أهالي القرية الباحثة عن تفاصيل الحادث، بدأت الحكايات تتكور في الأفواه وتتناقلها الألسن “ولد الباكستاني اغتصب بنت جارهم، المسكينة ما كملت ثمان سنوات “ تسقط القرية في الغروب، المصلون ينسحبون إلى بيوتهم بعد أن أودعوا دعواتهم معلقة في جدران مسجدها الوحيد، ينتشر في الزوايا صوت عصافير فارة إلى أعشاشها، ونقير ضفادع مندسة في جروف الساقية مختلطة بهمس فتيات يدعكن الأسرار بملابس كومت بجانب الفلج. انتزع رتم المغيب خطوات فاطموه وهي تحرث الأرض بقدميها شادة قبضتها على الأواني التي استقرت برأسها، وصياح طفلها المتشبث بطرف لحافها. “كيف حالكن بناتي وكيف حال أهلكن ..زين حصلتكن تونسني، المغرب يطلعوا فيه، الله يكفينا شرهم” كلماتها تقاطعت مع صوت ارتطام الأواني ببعضها وهي تنزلها على الأرض بدأت الهمسات تتحول إلى ضحكات مكتومة والأعين يستثيرها منظر الشعر الناعم وبياض الطفل الذي يتقاطع بحدة مع سمرة أمه. تسللت فاطموه ذات ليلة فارة إلى منزل أخيها في قرية بعيدة بعد أن أنهكتها ضربات زوجها السكير وأعياها الصمود في وجه صفعاته، واحتمائها معظم الليالي بمنازل الجيران، عادت بطفلين كلفها كل منهم ستة أشهر في سجن الرميس، وأيام نظيفة قضتها برفقة نسوة يرقعن الوقت بالثرثرة، وبوجبات يومية لم تحلم بها من قبل، متحفزة لكيل الشتائم لمن يعيّرها بنسب الولدين الذي يرجع لباكستاني يعمل خياطا في القرية. تعالت صرخات الصغير وهي تغطس جسمه في الماء وتدعكه “بليفه” تناولتها من نخلة مجاورة، بعد أن اكتسبت بعض الليونة من غسل أطباق الغداء، وبالرغم من محاولتها تفادي الجروح التي تسبب بها زوجها الثالث بنصف عقله، مودعا نصفه الآخر في حادث سيارة، تقشرت الأجزاء المتيبسة فبانت حمراء طازجة. “لا تصيح أنت طير من طيور الجنة، الباقي علينا إللي بتشوينا جهنم” لم تكن الجنة كفيلة بتهدئة الطفل الذي أخرجته ينتفض بالبرد والدموع لتجففه بلحافها، متحولا صراخه إلى نشيج متقطع اختفى في الظلمة. عاد النقير يحتل الأجواء وهمس الأسرار تزامن مع صوت مؤذن القرية معلنا صلاة العشاء.
- للتأكيد: شخصيات الحكاية والأحداث من واقع قرية تسكنني أنفاسها.