تشهد بلادنا حراكاً كبيراً وفاعلاًً على صعيد التطلعات نحو الحكم المحلي الواسع الصلاحيات والمعبر عن عظمة المشاركة الشعبية الواسعة .. والفاعل في طريق تحقيق التنمية الشاملة في كافة المجالات الاقتصادية ،الاجتماعية ، والثقافية ، والسياسية.. وما يعتمل ويتحقق في الجوانب الديمقراطية تدفع بكل مواطن يمني غيور إلى الافتخار بهذا الحراك والاطمئنان لحاضر ومستقبل وطنه. وفي هذا الاستطلاع نطرح آراء المهتمين حول الحكم المحلي وامكانياته في الوصول بالمجتمع اليمني إلى ما يصبو إليه وينشده من نمو وتطور.. ظروف فريدة يشير الدكتور سيف سلام الحكيمي رئيس دائرة التخطيط والتنمية بجامعة الحديدة إلى أن المجتمع اليمني يتميز بمجموعة فريدة من الظروف والأوضاع المحلية والاقتصادية التي لو أحسن استغلالها فستعمل على زيادة فرص تحقيق التنمية الاقتصادية المحلية ، ولن يتأتى ذلك سوى بتفعيل ورفع مستوى تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحكم المحلي وربطها بالتخطيط الاستراتيجي للتنمية الاقتصادية الوطنية .. قائلاً في معرض حديثه عن الأبعاد الاقتصادية للحكم المحلي: يتميز كل مجتمع بظروف وأوضاع محلية قد تزيد أو تقلل من فرص تحقيق التنمية الاقتصادية المحلية ، وهذه الظروف هي التي تحدد الميزة النسبية لمنطقة معينة فيما يتعلق بقدرتها على جذب وتوليد الاستثمارات والحفاظ عليها .. ولبناء اقتصاد محلي قوي فإن التجارب الجيدة في هذا المجال تبرهن على أن كل مجتمع يجب أن يبذل جهداً تعاونياً لتفهم طبيعة وهيكل الاقتصاد المحلي بالإضافة إلى القيام بتحليل نقاط القوة والضعف والفرص والتحديات بالمنطقة. مضيفاً: إن هناك خمس مراحل للتخطيط الاستراتيجي للتنمية الاقتصادية المحلية .. وهي «تنظيم الجهود، وتقييم الاقتصاد المحلي ، وإعداد الاستراتيجية وتنفيذها ومراجعتها». تنمية متفاوتة وفيما يتعلق بتقييمه للاستراتيجية الوطنية للحكم المحلي وقدرتها على تحقيق تنمية اقتصادية محلية عالية قال الدكتور الحكيمي : } الدراسات الفنية المتعمقة للواقع اليمني كله ، ومن خلال التجارب السابقة أظهرت أنه لا يمكن تطبيق تلك الاستراتيجية بالشكل المتساوي في جميع الوحدات الإدارية ، فهناك مناطق تتوافر فيها الظروف المناسبة للبدء بتطبيق الاستراتيجية ، وفي المقابل هناك مناطق أخرى لا تتوافر فيها مثل هذه الظروف وتحتاج إلى تأهيل لاحق في مراحل لاحقة ، فهناك (12) محافظة قابلة لتطبيق الاستراتيجية الوطنية للحكم المحلي .. وبعض المحافظات هناك رؤية تتضمن تأهيلاً لتطبيق الاستراتيجية ، حيث إنه لا يمكن تطبيق الاستراتيجية في أية محافظة إلا إذا توفرت مقومات نجاح هذا النظام عن بنية تحتية متكاملة. أساس البناء وعلى مستوى الوحدات الإدارية (المديريات) يشير الدكتور الحكيمي أن المديرية يجب أن تكون أساس بناء الدولة قائلاً : - إن الدولة أساسها من المديرية بأجهزتها وبنيتها التحتية ومكاتبها وأمنها وصحتها وأشغالها ونياباتها وكل ما تحتاجه الحياة .. فبناء الدولة الحديثة وتحقيق التنمية المنشودة يجب أن ينطلق من الوحدة الإدارية (المديرية) ولذا فإن الاستراتيجية ستحرك المياه الراكدة انطلاقاً من تنفيذها في المديريات. مواقف متباينة الدكتور محمد الشرفي رئيس قسم الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة الحديدة .. أوضح أن هناك تبايناً في المواقف حول طبيعة السلطة المحلية رغم الاجماع على محوريتها في العملية التنموية إذ يقول : } رغم اتفاق جميع ألوان الطيف السياسي في اليمن على محورية موضوع السلطة المحلية في تدعيم الوحدة والتجربة الديمقراطية في الجمهورية اليمنية ، إلاّ أنه من الواضح أن طبيعة وشكل ونطاق الصلاحيات التي يجب أن تمنح للوحدات المحلية لم تزل محل خلاف .. لكن الجدل والحوارات الجادة بين الأحزاب السياسية داخل السلطة التشريعية أو خارجها قد لعبت دوراً مهماً في تحديد اتجاهات وطبيعة السلطة المحلية ، وقد انعكس هذا الجدل والتباين في المواقف حول طبيعة السلطة المحلية على مضمون النصوص الدستورية فقد جاء الدستور ليضع اللبنات الأساسية في طريق إنشاء نظام السلطة المحلية والتي اعتبرها إحدى السلطات الدستورية التي يمارس الشعب عن طريقها سلطاته باعتباره مالك السلطة ومصدرها. اهتمام رسمي وحول رؤيته لمدى فعالية السلطة المحلية في تحقيق التنمية أكد الدكتور الشرفي أن الإدارة المحلية ضمنت توزيع الوظيفة الإدارية بين الحكومة المركزية وهيئات محلية منتخبة من قبل الشعب ، وبالتالي تحقيق الشراكة والمسئولية في إحداث التنمية بين كل من الحكومة والهيئات المحلية .. مضيفاً :إن المجالس المحلية تحظى باهتمام رسمي على أعلى المستويات في الدولة .. حيث يولي الأخ رئيس الجمهورية المجالس المحلية رعاية خاصة ليس على مستوى حل بعض المشكلات الإدارية والفنية فحسب بل وعلى ضرورة أن تطور هذه التجربة حتى تلبي طموحات الجمهور الذي أعطى ثقته وصوته للأخ رئيس الجمهورية بناء على برنامجه الانتخابي. علاقات متوازنة وبخصوص تقييمه لمدى توازن العلاقة بين السلطة المحلية والسلطات المركزية قال الشرفي: - لاشك أن المجالس المحلية وكما يبدو تتمتع بصلاحيات قوية وعلاقات متوازنة بينها وبين السلطات المركزية وفقاً لنصوص القانون رقم (40) لسنة 2000م وما تم من تطوير لعمل هذه الهيئات وفقاً لمقررات المؤتمر الأول لعام 2003م والمؤتمر الثاني لعام 2004م بشأن السلطة المحلية في الجمهورية اليمنية بغية توسيع صلاحيات المجالس المحلية وتناسق العلاقات بينها وبين السلطة المركزية وفقاً لما تقتضيه مبادئ اللامركزية الإدارية التي يجب أن تتجه نحو اللامركزية الواسعة..ومن هنا نستطيع القول إن التجربة ما زالت في بداياتها الأولى وسيقوى عودها على مر الأيام ونتوقع لها الكثير من النجاح وخاصة مع إقرار الاستراتيجية الوطنية للحكم المحلي ودورها في تعزيز عملية التنمية المستجيبة لاحتياجات الواقع ومتطلباته وكذا استجابة للتطور الحاصل في التنظيم الإداري المحلي والتحول نحو اللامركزية وسوف تشكل قفزة نوعية في مجال الإدارة المحلية. تحديات أما بشأن التحديات التي تواجه بلادنا في عملية الانتقال إلى الحكم المحلي فيقول الدكتور عبده هديش نائب رئيس جامعة الحديدة: }} إن عملية الانتقال إلى الحكم المحلي تشكل بحد ذاتها واحدة من أصعب التحديات التي يمكن أن تواجه بلادنا على اعتبار أن البناء المؤسسي للدولة للقيام بمهام التنمية الشاملة والمستدامة لم يستكمل بعد وربما تعد اليمن الدولة الوحيدة في العالم في المرحلة الراهنة التي نهجت أسلوب اللامركزية وهي لم تستكمل البنى التحتية للدولة بالمفهوم التنموي المعاصر ، مما يجعل عملية الانتقال إلى الحكم المحلي تتزامن بالضرورة مع استكمال بناء الدولة اليمنية الحديثة التي يعول عليها الشعب والقيادة في النهوض بأعباء التنمية الشاملة ، ويتمثل التحدي الذي يواجه الحكومة والمجتمع على هذا الصعيد في إدارة عمليات بناء الدولة والانتقال إلى الحكم المحلي في نفس الوقت وبنفس الامكانيات الشحيحة والقدرات البشرية المحدودة الأمر الذي يجعل الانتقال إلى الحكم المحلي المنشود عملية قد تواجه صعوبات عدة من دون تبني استراتيجية وطنية ترسم معالم الطريق وتحدد بدقة مكونات البرنامج الوطني لتنفيذ الاستراتيجية. ثورة فكرية ويضيف هديش حول أهمية الحكم المحلي وضرورة تبني رؤية واضحة لتطويره قائلاً : }} تعد عملية الانتقال إلى الحكم المحلي في حد ذاتها ثورة على صعيد الفكر التنموي والممارسة الإدارية في اليمن ، ويخطئ من يعتقد أن هذه العملية قد تنتهي بمجرد تعديل التشريعات القائمة أو أنها قد تتوقف عند تطوير الهياكل الإدارية الحالية ، ذلك أن تطبيق الحكم المحلي بالصورة التي تحقق الأهداف التنموية المنشودة ستشكل تحولاً كبيراً في حياة المجتمع اليمني وفي طريقة عمل الأجهزة الحكومية والقائمين عليها ، فكما جاء في تقرير وزارة الإدارة المحلية أن عملية الانتقال إلى اللامركزية لم تتم بصورة كاملة إلا في (144) مديرية تشكل (43%) من المديريات وأن (82) مديرية قد أصبحت مهيئة لمباشرة مهامها واختصاصاتها (24%) بينما لازالت (107) مديريات بحاجة إلى استكمال التأهيل.. الأمر الذي يظهر الحاجة الماسة إلى تبني رؤية واضحة لأهداف الحكم المحلي على المستوى القريب والمتوسط والبعيد وكيفية الوصول إليها ، عبر وسائل وآليات يمكن التحقق منها ومتابعتها من قبل القيادة السياسية والحكومة والفعاليات الشعبية المختلفة.