قضى سنوات عدة من عمره في المهجر لجمع المال والعودة للقاء الأحبة في عرس حلم به كثيراً وتراكمت في نفسه مشاعر وأشواق وأنغام الحب وعبق الذكريات، لكنه لم يدرك أن كل ذلك سيتبدد لحظة وينتهي في حادث مروري مروع لم يحسب له حساب. وفي هذا الحادث يلقى العريس صدام محمد قتبة وسبعة من أفراد أسرته حتفهم في يوم زفافه أثناء موكبه العرائسي من محافظة ريمة إلى العاصمة صنعاء، وتعود العروس ملطخة بدماء جراح الحادث وفقدان الحبيب، لتنضم قصتهما إلى الكثير الكثير من القصص المأساوية التي تتركها الحوادث المرورية، مخلفة مواجع أليمة وعاهات جسدية وخسائر اقتصادية كبيرة يتجرع مرارتها المجتمع وتدفع ضريبتها التنمية. وتؤكد الدراسات العلمية الحديثة أن الحوادث المرورية علاوة على مضارها الاجتماعية والإنسانية، تمثل عائقاً اقتصادياً كبيراً يضاف إلى مصاف مسببات التخلف التنموي في المجتمع. ووفقاً لتلك الدراسات فإن الخسائر الاقتصادية للدول ذات الدخل المتدني بسبب الحوادث المرورية تقدر بحوالي 5،1 - 2 في المائة من الناتج المحلي القومي لهذه الدول. وتعتبر اليمن من أكثر الدول التي تعاني من مشكلة الحوادث المرورية، حيث بلغ إجمالي عدد وفياتها خلال العام الماضي 2008م ألفين و897 حالة وفاة، وأكثر من 20 ألف مصاب وفقاً للإحصاءات الرسمية. وبحسب الاختصاصيين فإن هذا العدد لايمثل أكثر من 70 في المائة من العدد الحقيقي للوفيات نظراً لأن بعض الحوادث لايتم الإخبار عنها، وكذا فإن هذا الرقم يمثل الوفيات التي تحدث في مكان الحادث بينما لايتم احتساب الوفيات التي تقع لاحقاً في المستشفيات أو غيرها نتيجة للحادث أسوة بما يتم الإعلان عنه في معظم الدول التي تعتمد النظام الآلي الحديث، وتعريف الوفاة بالتي تقع ضمن 30 يوماً من وقوع الحادث. ويعزي خبير السلامة المرورية باللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (أسكوا) الدكتور بسام عناني، أبرز مشاكل السلامة المرورية في اليمن إلى نقص الكفاءات المؤهلة بشكل عام في مجال إعداد وتحليل البيانات المرورية، وعدم اكتمال الإحصاءات عن الحوادث مما يحول دون التمكن من وضع الأهداف المحددة لخفض مؤشرات الحوادث. ويؤكد الدكتور عناني، في ورقة عمل قدمها خلال اجتماع موسع عقد بوزارة النقل الاثنين الماضي 16 فبراير 2009م وضم الجهات ذات العلاقة، إلى أن غياب برامج التوعية والتربية المرورية بشكل واضح من أبرز الصعوبات التي تؤدي إلى العديد من الممارسات غير المألوفة في الدول الأخرى مثل الاعتداء المتكرر على إشارات الطرق والتعدي على حرية الطرق من حيث استخدام جزء من الطريق لأغراض التجارة أو كأماكن لوقوف وسائل النقل الأجرة. وقال: من العوائق أيضاً غياب الرقابة المرورية بشكل مستمر مما يسمح بممارسات تؤدي إلى وقوع العديد من الحوادث مثل قطع الإشارات الحمراء، وعدم استخدام وسائل النقل العام بشكل آمن، وافتقارها لوسائل الأمان، والسماح بعدد كبير من الركاب، وعدم متابعة السائقين الذين تتكرر مخالفاتهم، إضافة إلى ضعف مراقبة مدارس تعليم القيادة وإعطاء رخص القيادة وترخيص المركبات. وتطرق الخبير الدولي إلى مشاكل السلامة المرورية والاستخدام المفرط وغير الآمن للدراجات النارية غير المرخصة والتي تزاول مهنة نقل الركاب بالأجرة، وكذا غياب وسائل الأمان بشكل كبير سواء من حيث استخدام خوذ الأمان أم افتقار الدراجات لوسائل الأمان المطلوب توفرها في المركبة مثل استخدام الأضواء. وأضاف: ومن المشاكل التي يجب التركيز عنها في هذا الجانب تعدد الجهات المسؤولة عن السلامة المرورية وعدم وجود أي وجه من التعاون والتنظيم مما أدى إلى تبعثر المسؤوليات وغياب الإدارة السياسية الواضحة لإعطاء السلامة المرورية أولوية وبالتالي ماأضعف المخصصات المقررة لهذه الغاية. وتطرق لإشكاليات افتقار العديد من الطرق خاصة داخل المدن إلى العديد من وسائل الأمان مثل الإنارة والحواجز المعدنية والجزر الوسطية والعلامات المرورية وغيرها. من جانبه يؤكد وكيل وزارة الأشغال العامة والطرق لقطاع الطرق المهندس عبدالوهاب الحاكم، أن المشكلة المرورية تعتبر مشكلة مجتمعية تتطلب تضافر جهود المجتمع ومنظماته ومكوناته المختلفة ابتداءً من الأسرة مروراً بالمدرسة والجامعة وخطباء المساجد ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات ذات العلاقة بما فيها السلطة المحلية للحد من المشكلات المرورية. وقال: إن السلامة المرورية أضحت مطلباً ملحاً باعتبارها أحد ركائز التنمية وعاملاً من عوامل تشجيع الاستثمار مما يتطلب تضافر الجهود الرسمية والمجتمعية في هذا الجانب. ويؤكد أن ظاهرة الحوادث المرورية تمثل عائقاً اقتصادياً، كون الحوادث تصيب في الغالب الفئة الاجتماعية المنتجة في المجتمع، ويترتب عليها نتائج فادحة وخسائر على الفرد والمجتمع بشكل يومي. مدير عام المرور العميد يحيى زاهر أكد من جهته خطورة ازدياد مشكلة الحوادث المرورية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية. ويشير إلى أن العام الماضي شهد وفاة نحو ألفين و897 حالة وفاة وأكثر من 20 ألف مصاب وفقاً للإحصاءات الرسمية.. فيما يقدر الخسائر المنظورة بحوالي 11 مليار ريال. لافتاً إلى أن تفاقم هذه المشكلة يرجع إلى أسباب كثيرة ومتداخلة، أبرزها ضعف الوعي المروري وتعدد الجهات المعنية وعدم إدارجها في هيئة مستقلة، فضلاً عن تنصل بعض الجهات عن القيام بمسؤولياتها. ويؤكد العميد زاهر، ضرورة تعاون الجميع مع رجال المرور للتوعية بأنظمة وقواعد السير حفاظاً على سلامة الأرواح والممتلكات.. منوهاً بدور المجتمع المدني في توجيه سلوك الأفراد وترسيخ الوعي المروري ورفع الثقافة المرورية في المجتمع. الحفر بوابة الحوادث على الرغم من إجماع الجهات المعنية على السلامة المرورية على ضعف الوعي المروري لدى المجتمع إلا أن سائقي المركبات يحملون الجهات المعنية جزءا من المسؤولية. يرى السائق سامي علي أحمد أن غياب وسائل السلامة المرورية في الطرقات عاملاً أساساً في زيادة عدد الحوادث المرورية، فضلاً عن المطبات والحفر الكثيرة والمفاجآت التي تنتشر على طول خطوط الطرق. يوافقه الرأي بندر أحمد علي (سائق باص)، ويشير إلى أن الحفر اللامحدودة في شوارع وحارات أمانة العاصمة وعلى الخطوط الرئيسة خارج المدن عاملاً كبيراً لزيادة الحوادث وخلخة المركبات.. ويروي العديد من مشاهداته لمواقف متكررة من الحوادث بسبب تلك الحفر. السائق والمركبة ومسؤولية الحوادث المسؤولون في الجهات المعنية يخالفون سائقي المركبات هذا الرأي، ويحمِّلون السائق والمركبة الجزء الأوفر من تحمل المسؤولية. إذ يؤكد مدير إدارة السلامة المرورية في صندوق صيانة الطرق المهندس عبدالله محمد النعماني أن وسائل السلامة المرورية بقدر ما فيها من أخطاء إلا أنها ليست المسبب الأكبر بقدر ما يتحمل ذلك السائق والمركبة.. ويشير إلى أن السلامة المرورية تعتمد على 3 أمور رئيسة: ( السائق، المركبة، الطريق).. ويقول: يتحمل السائق المسؤولية من جانبين، الأول عدم التزامه بالقواعد المرورية، والآخر ضعف الوعي المروري، وهو الأغلب. أما ما يخص المركبات، فيرى المهندس النعماني أن عدم اهتمام أصحاب المركبات بصيانتها وعرضها على المهندس بشكل دوري وإصلاح القطع الغيار التالف، يتسبب في زيادة تلك الحوادث.. ويشير إلى أن الجهات المعنية بوسائل السلامة المرورية على الطرق ممثلة بصندوق صيانة الطرق نفذت خلال العام الماضي مشاريع في هذا المجال بتكلفة 607 ملايين ريال، شملت مختلف أعمال السلامة المرورية مثل تركيب اللوحات والطلاء الحراري وتعديل المنحنيات الخطيرة، إلى جانب بناء حواجز السلامة المرورية. ويتطرق المهندس النعماني إلى بعض المخالفات التي يرى أنها تندرج في إطار ضعف الوعي المروري، ومنها قيام البعض بتكسير اللوحات التعريفية أو أعمال السلامة المرورية الأخرى على الطرقات. أسباب متشعبة ومتداخلة علاوة على الأسباب السابقة يضيف عدد من الاختصاصيين بعض الأسباب التي تسهم في تنامي مشكلة الحوادث المرورية ومنها قيادة الأطفال للمركبات، واستعمال المنومات بكثرة، والإدمان على المسكرات، إلى جانب عدم الالتزام بأخذ أقساط من الراحة خصوصاً لسائقي الخطوط الطويلة، فضلاً عن الاضطرابات النفسية والأمراض العصبية التي يعانيها البعض. حلول متفق عليها يجمع الاختصاصيون في الجهات المعنية بالسلامة المرورية أن الحل الأمثل للحد من تنامي هذه الظاهرة هو تشكيل هيئة عليا للسلامة المرورية على الطرق تشترك فيها كافة الجهات المعنية ويتوافر لها الدعم اللازم، وترأسها سلطات عليا لضمان نفاذ توجيهاتها، إلى جانب تأهيل كوادر فنية قادرة على تحليل البيانات المرورية وفقاً لأحدث الأنظمة المعمول بها عالمياً، وكذا زيادة مشاريع السلامة المرورية على الطرقات ومعاقبة كل من تسول له نفسه العبث بوسائل السلامة المرورية والمخالفين لقواعد المرور العامة. إدارة السلامة المرورية على الطرق يؤكد الخبير الدولي الدكتور عناني أن هناك عاملين رئيسين يحدان من نجاح الجهود نحو إدارة ناجحة في مجال السلامة المرورية على الطرق، أولهما يتعلق بتعدد الجهات التي لها علاقة بالسلامة المرورية في اليمن وتضارب أهدافها وبرامجها، والثاني قلة الموارد المالية المخصصة لهذه الجهات مما يسبب عدم وضع موضوع السلامة المرورية ضمن أولويات أعمالها أو بسبب قلة إدراك هذه الجهات للدور الذي يمكن أن تسهم به في تحسين وضع السلامة المرورية على الطرق. ويؤكد الدكتور عناني أنه لايمكن تحقيق أي نتائج إيجابية دون الاتفاق على منهج منظم ومنسق لإدارة السلامة المرورية من خلال هيئة متخصصة تضم وكلاء الوزارات المعنية على أقل تقدير، على أن تقوم الوزارة أو الجهة السيادية التي ترعى أعمال السكرتارية والإدارة التنفيذية والتي يتفق عليها بتوفير الدعم الفني والإداري للهيئة. ويضيف: تتبع هذه الهيئة المجلس إدارتان، الأولى استراتيجية، وتشمل وحدة الإشراف على وضع الاستراتيجية الشاملة لسلامة المرور على الطرق، بينما الثانية تنفيذية تعمل على نقل هذه الاستراتيجية ووضع خطط العمل المتعلقة بكل وزارة (جهة)، كما تقوم الإدارة الاستراتيجية بمتابعة تنفيذ هذه الخطط وتحديد الإجراءات التي يجب اتباعها في حالة العجز عن تحقيق الأهداف المنشودة من أية جهة، إضافة إلى أنها تعنى بالمساعدة في البحث عن التمويل اللازم لإعداد خطط هذه الجهات. خطوات تحقيق استراتيجية السلامة المرورية على الطرق تشمل هذه الخطوات، حسب الدكتور عناني إجراء دراسة تقييمية شاملة عن وضع سلامة المرور على الطرق بهدف تحديد مناطق الضعف والقصور في كل الجوانب وبيانات حوادث المرور والتصميم الهندسي للطرق، وتدريب السائقين والفحص وترخيص المركبات والتأمين على الركاب والرقابة المرورية وبرامج التوعية المرورية والإعلام والتربية المرورية والتصميم والدراسات بما فيها كلفة الحوادث. وبناءً على تلك الدراسات سيتم الاستعانة - حسب الخبير عناني - بخبرات المكاتب الاستشارية المتخصصة أو الجهات الدولية المختصة في هذا المجال من أجل وضع الاستراتيجية الشاملة للسلامة المرورية على الطرق، التي تحدد استراتيجية عمل كل وزارة (جهة) مختصة، ومجموعة النشاطات والأعمال التي ينبغي القيام بها مع تحديد الفترة الزمنية اللازمة لتنفيذ هذه النشاطات واللغة المصاحبة لها. وأشار عناني إلى أن الاستراتيجية ستحدد هدفاً عاماً ومحدداً بخفض نسبة حوادث المرور والوفيات المصاحبة لها لحد معين في فترة زمنية لاتتجاوز 15 عام من بدء تنفيذ هذه الإستراتيجية. ويضيف الخبير الدولي: إنه سيتم عقد ورش عمل لمناقشة بنود الاستراتيجية ومن ثم عرضها على الهيئة العليا في حالة إنشائها لأخذالموافقة النهائية عليها. إعداد الاستراتيجية وطموحات النجاح كما يؤكد الخبير الدولي الدكتور عناني أن الجهات الدولية والتمويلية تطلب من الدول النامية التي تسعى إلى الحصول على المساعدة في تمويل النشاطات الرامية إلى تحسين وضع السلامة المرورية في بلدانها أن تتبنى خطوات فعالة نحو إنشاء إدارة متكاملة لإدارة برامج تحسين السلامة المرورية على الطرق، أهمها تحديد الجهة أو الوزارة السيادية التي تتولى الإشراف والتنسيق ما بين الجهات المتعددة والعاملة في مجال السلامة المرورية. ويؤكد الدكتور عناني استعداد «الإسكوا» لمساعدة الوحدة الاستراتيجية في الهيئة بإعداد الشروط المرجعية للدراسة المفصلة عن تقييم الوضع الراهن في اليمن والخطوط العريضة التي يجب أن تشتمل عليها الاستراتيجية الشاملة، كذلك المساعدة في تحديد الجهات الاستشارية التي يمكن أن تسهم في إعداد الاستراتيجية. ويقول: إن المؤتمر الوزاري الخاص بالسلامة المرورية، الذي سيتم عقده خلال الفترة القادمة في موسكو، سيوفر الفرصة الذهبية للحصول على المساعدات من الجهات الدولية التي ستشارك في أعماله، والتي ترغب في مساعدة الدول النامية في تحسين وضع السلامة المرورية في مجالها. وفي ذات السياق يؤكد المعنيون في الجهات المعنية بالسلامة المرورية أن إعداد الاستراتيجية أضحى مطلباً ملحاً لايمكن الاستغناء عنه أو إهماله وأن هذه الاستراتيجية سترى النور قريباً.