في زحمة الخوف والجوع والموت من كل الجهات: كان لابد ل«غزة» أن تنتصر، وكان لابد لهذا الانتصار أن يكون مميزاً في شكله ومضمونه كي يصبح تجربة ابداعية عظيمة في كل مكوناتها: المكان: «غزة» التي خرجت إلى الدنيا عامرةً بالإيمان، متشبثة بحقها في البقاء أرضاً يروي ثراها دم الوفاء والولاء وصدق الانتماء.. «غزة» التي ضاقت بها خارطة العروبة فاتسعت هي للعروبة موطناً ونقاء يغسل عن وجه الترابات المتعفنة دنس التمادي في التوحل..لتبقى «غزة» المكان وحدها خيمة المأوى والبقية الباقية من عمران الإباء في شوارعنا البليدة.. الزمان: أيامنا التي تحبل بالإثم في كل يوم وبين الساعة والساعة يخرج من بطنها المتورم بالخطيئة تاريخاً من الارتزاق..يتصدر الصحف الرسمية وأخبار الملوك وقادة الجيوش ثم يقف مبهوراً أمام شاشة التلفاز وهو يرى دخان المدينة يملأ آفاق الخارطة و«غزة» لم تزل تتبنى لها ولأطفالها الزمن الجديد الذي لايشبه أيامنا الموبوءة بالخيانة..يتأسى الزمان المفضوح على عمره الآتي بلا وقت :عارياً. الإنسان: نطفة التكوين في رحم القضية ..نمت وتنامت في حقل أمجاد الألى رحلوا وخلفوا فيه البذرةالأشهى إلى غيث السماء محلقاً ملء آفاق الديار:«دير ياسين رام اللهالقدس لاهيا قانا...» في انتظار إنسانها المشتهى: في عينيه زرقة البحر وسمرة الرمل وفي شرايينه يجري ماء الحرية الكبرى التي يفوح عطرها في عنفوان السنابل والمقاتل والفجر «عزالدين القسام» الذي أهدى المدينة من نسله المخلصين أطفال الحب وفرسان الفداء...وهم أبناء غزة «العظماء» ومن كل مكونات الإنتصار /التجربة/تكون «النص» الذي قرأه العالم كله بكل لغاته المتباينة: لغةً واحدةً اختزلت كل اللغات في واحدية لفظية ومعنوية استطاعت بما توافر في ابجدياتها من قدرات ابداعية فائقة أن تجعل من إنسان العالم كله إنسانها المبدع في الكتابة والبطولة وفي البكاء والموت جوعاً أو قصفاً أو تشرداً أو تناثراً أشلاءاً في العراء مأو دفناً تحت ركام الدمار... إنه «ابن غزة» الذي قهر وحشية الحداثة المزيفة وجعل من تكنولوجيا استعباد الشعوب المتطورة تبدو وأربابها أقزاماً في عيون ابداعاته في الدفاع عن مفاهيم البقاء:الأرض العرض الحرية الكرامة الإباء وأمجاد العظماء:العروبة التاريخ الدين القويم.....الخ بلغة فيها من أقانين مقاومة العدو وترسانة أسلحته وعربته وعتاده ماجعلت من العالم كله مسكوناً بالدهشة والإنبهار وتلك هي لذاذة متعة الإبداع ومنفعة قيمه الجمالية والمادية.. ثم ماذا؟ ثم الاستشهاد الذي كتب بحروف من نور العزيمة وصدق القضية... فالتجربة التي خاضها أبناء غزة في المقاومة والاستشهاد لم تكن خيالية المبنى أوالمعنى بقدر ما فاقت حقيقتها على الأرض كل المشاهد الخيالية في فنون النص المكتوب بحبر البلادة وخواء مصداقية الانتماء.. وهنا يكمن سر ابداعات أبناء «غزة» المبدعين..إذا استطاعوا أن يبهروا المتلقي بالقراءة أو السماع أو المشاهدة لنتائج أعمالهم الابداعية دون أن يطلعوا أحداً على مجريات صناعة العمل الابداعي بكل تفاصيله.. وحتى لا يضيق المتابع لأحداث ملحمتهم الكبرى وهم يؤدون أدوارها على مسرح الأحداث جعلوا من عدوهم المدجج بأحدث السلاح جعلوا منه دُمية يحركونها تحت الأضواء كيفما شاءوا ومتى ماشاءوا وأينما شاءوا حتى صار العدو مكشوف السوءة تحت الأضواء يراه العالم كله ويتلعنه ويبصق في وجه إنسانيته المتوحشة ليقبل على «غزة» على الجهة الأخرى فيصفق لها ملء الشوارع ويثور ثورة العظماء أطفال غزة الشهداء.. حقاً إنه الابداع الذي يصنع المعجزات.. فمن أشلاء الصواريخ وقطع السلاح المدمر الذي كان يسكبه العدو على رؤوس المدينة كان أطفال غزة مع إشراقة كل صباح يخرجون إلى الشوارع كي يصنعون ألعاباً لهم تغيض العدو وتقتل فيه جبروته..ثم تخلق نصاً ابداعياً آخر في خنادق المقاومة الباسلة يزيد من شحنات المشاعر تدفقاً ويزيد من إرادة أهل العزم عزيمة أخرى جديدة تبدو على وجه «غزة» عنفواناً لا يمل.. ومن كل ما سبق يبقى الإبداع بطل الملحمة التي سوف تبقى عملاً جهادياً وطنياً صادق الحس، والضمير والتجربة في كتاب مبدعي غزة الأبطال من حفروا في كل جدران الصمت العربي أبواباً للتحدي وصوتاً للوفاء والإيمان والولاء والإباء ولا نامت أعين الجبناء.. أليس الإبداع من يقود إلى الانتصار..؟؟