انطلقت بنا السيارة تنحدر نحو الأسفل.. كانت الساعة الخامسة مساء.. دنت لحظات الأصيل الغيوم السود تحركها الرياح نحو الأفق .. تبدد ضوء الغروب الخافت.. أسدل الليل ستاره.. بدأ المطر ينهمر.. ينهمر بغزارة.. من خلف زجاجات السيارة كانت عيون الرُكاب مستغرقة،تتأمل هطول المطر مع حبات البرد المتساقط، وبعد صمت وسكون شرع الجميع في خوض أحاديث مختلفة،وأحياناً مختلطة.. لم يبق إلا يوم واحد.. وجاء العيد الكبير.. أخذ كل واحد يعبر عن شعوره بحرية مطلقة .. ذاك يتكلم عن غلاء الملابس،ونوعيتها الرديئة،ذاك يتكلم عن غلاء الدقيق،وآخرون على المقعد الخلفي للسيارة ترتفع أصواتهم، القطيني هو الأفضل يقاطعه آخر، لا الأهجري أجود،وثالث متعصب يدلي برأيه،لا، لا، الهمداني أحسن.. قاطعهم السائق،ياجماعة كله قات بلوى في بلوى.. نضيع فلوسنا في «بصقه» .. لكن صواعق البروق القوية، والرياح الشديدة كانت كفيلة بسد أفواه المتكلمين وفي لحظات تغيرت أحاديث الركاب،بدأ البعض يلهث بذكر الله والدعاء.. «سبحان الله، سترك يا الله» .. ارتجفت القلوب.. خشعت .. ساد صمت وسكن الهدوء، إلا الأشداق الممتلئة لم يسدها الصمت .. استمرت تلوك أوراق القات وتشفط الشراب الغازي ودخان السجائر تتلذذ بالطعم قات وسجائر وماء وديو وشارك .. كرنفال من الولعة ساحته فم ومعدة.. بدأت الاتصالات تنهال على السائق.. أفاد السائق أن زوجته الجديدة في انتظاره للعشاء.. أحد الرُكاب بجواري.. همس في أذني ساخراً من كلام السائق قائلاً:بصوت منخفض جداً الظاهر أخذت لبه ولم يحس بقيادة سيارته وبوجودنا.. لم أنبس له بكلمة فقط ابتسمت لأؤكد ماقاله.. سقوط المطر بدأ يخفف قليلاً.. هون السائق من سرعته يرد على هواتف المتصلين .. غير مبال.. شعر بعضنا بالقلق والملل.. انجرت أصوات الركاب تتابع« أخرتنا ياسواق» أمش بسرعة، داس على محرك السرعة بشزر وفجأة دوى صوت انفجار قريباً جداً.. بدأت السيارة تضطرب .. قال السائق:أيه إنه الإطار الأمامي للسيارة.. ياالله الظلام يلف المكان ولازالت زخات المطر تتساقط والرغم من ذلك نزلنا جميعاً،وبسرعة أصلح الإطار.. واصلنا السير نهبط شيئاً فشيئاً.. متدهوراً مستعجلاً بل فضوليا للغاية أطلق النور العالي.. أقتحم بسيارته عابرا السيل وجاءت الفاجعة توقفت السيارة في منتصف السيل.. حاول السائق بكل ما أوتي من مهارة يدفع سيارته إلى الأمام.. ولا جدوى .. ارتجف السائق وارتعدت يداه .. لم يعد قادراً على التحكم بسيارته وفجأة انحرفت السيارة من قوة السيل.. تدافعنا فوق بعض.. أحدنا قال محذراً انتبهوا دعوا الزجاج مغلقاً وإلا سيمطرنا السيل،لكن الحال ليس بالأمر السهل.. كانت السيارة تهتز اهتزازاً كادت تنقلب بنا،وكاد السيل يغمرنا.. ارتعدنا خوفاً، ومن شدة خوفنا تدافعنا الخروج، وجاءت الفاجعة الأخرى..جرفنا السيل مسافة ثمانية إلى عشرة أمتار.. صرخنابكلمات غير مفهومة من هول الواقعة كاد الماء يغمسنا ويغطي هامات رؤوسنا.. تارة نبتلع الماء وتارة يبتلعنا، وبعد عراك مرير تشبثنا بالأيادي في كل ماكان موجوداً حولنا.. وخرجنا، وقد أدمانا السيل، وأخذ كل ما بحوزتنا من حاجيات العيد.. أشفى السيل غليله فينا.. وبعد أن تنفسنا الصعداء جلسنا على حافة الوادي نتفقد بعضنا.. وننفض ماعلق بملابسنا من وحل وماء.. ومفاصلنا ترتعد برداً.. حينها قال السائق:يعلم الله أي معصية ألمت بنا أجاب أحد الركاب إنه قدرنا مع السيل وقال آخر لعله دنسنا غسله السيل وذهب به بعيداً إلى البحر..