جبلت على كدر وأنت تريدها صفوا ً من الآلام والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار مهما فعلنا حتى نتجنب المشاكل والصعاب فلابد أن نوجهها لأنها سنة كونية لأن مايحصل لنا لايأتي هباءً منثوراً وإنما نحكمه فقط نحتاج إلى بصيرة لندرك المشكلة حتى نقهرها ونهزمها بدلاً من أن تكسرنا. ولعل سؤالاً سيتردد بذهنك أيها القارئ ماالحكمة إذن وماالفوائد؟! إن المشاكل والضغوطات التي نقابلها هي التي تنضجنا وتزيد من خبرتنا فالماء يصبح ساكناً حتى يحركه حجر يقول أ.عبدالوهاب مطاوع: استمد الإنسان قدرته على البقاء من قدرته على امتصاص الألم واحتماله. أيضاً إن المشاكل التي نواجهها هي التي تحرك فينا الرغبة نحو الرقي والعطاء أكثر فمثلاً المشكلات المالية هي التي عملتنا أصول الادخار. موت أحد أفراد العائلة يجعلها تجتمع بعد طول فراق، التاجر الذكي يحول الخسائر إلى أرباح أما الجاهل فيجعل من المصيبة مصائب، تألم الشاعر ومعاناته ينتج أدباً مؤثراً خلاباً، وفي هذا يقول ابن المعتز رب أمر تتقيه جر أمراً ترتجيه خفي المحبوب منه وبدا المكروه فيه فأترك الدهر وسلمه إلى عدل يليه يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله محركاً العزائم ومستنهضاً الهمم «إن أكثرنا يتبرم بالظروف التي تحيط به وقد يضاعف مافيها من نقص وحرمان ونكد مع أن المتاعب والآلام هي التربة التي تنبت فيها بذور الرجولة، وماتفتقت مواهب العظماء إلا وسط من ركام المشقات والجهود ومعادن العظماء انما تبرق في وسط الأنواء التي تكتنفها فكأن هذه الأنواء رياح تنفخ في ضرامها فيتوهج ولو ترك وحده لكان وشيك الانطفاء» ويرى الدكتور عبدالكريم بكار فائدة كبرى للمشكلات فيقول:« لاتفكير بدون مشكلات وعندما يقدر للعالم أن يقبض على جميع مشكلاته فإننا نستطيع أن نقول بأن التفكير قد توقف حينها». أيضاً لولا الألم لما استمتع الإنسان باللذة ولاننسى أنها تكفر الذنوب والخطايا وأننا لن نشتاق إلى الجنة إلا إذا أذقنا مرارة الدنيا. إذن لاتخف أيها القارئ من المشكلات والآلام فلربما كانت لك زاداً فبعد الجوع شبع، وبعد الظمأ ري وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية سوف يصل الغائب ويهتدي الضال وينقشع الظلام، بشر المهموم بفرج مفاجئ يصل في سرعة الضوء ولمح البصر، بشر المنكوب بلطف خفي وكف حانية وادعة إذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد فاعلم أن وراءها رياضاً خضراء وارفة الظلال مع الدمعة بسمة ومع الخوف أمن ومع الفزع سكينة. عليك أيها القارئ أن تتهيأ لكل الصعوبات بالتوكل على الله والرضا والطمأنينة ولقد عدد أهل العلم أشياء إذا ذكرتها هانت عليك المصيبة أوجزتها فيمايلي: أن تذكر أن كل شيء بقضاء وقدر. أن الجزع لايرد عنك القضاء. أن ماأنت فيه أخف مماهو أكبر منه. أن مابقى لك أكثر مماأخذ منك. أن لكل قدر حكمة لو علمتها لرأيت المصيبة هي عين النعمة. أن كل مصيبة لاتخلو من ثواب ومغفرة وتمحيص أو رفعة شأن أو دفع بلاء أشد وماعند الله خير وأبقى. التأمل والتدبر في كتاب الله وسنة رسوله ففيهما ماتسكن له القلوب. أن الدنيا طريق إلى الآخرة وأنها أمل محفوف بألم إنها أضحكت قليلا ًوأبكت كثيراً وإنها أفرحت يوماً وأحزنت أياماً. وأخيراً جعل تفكيرك إلى ماوراء الاسوار فمن المحال دوام الحال وأفضل العبادة انتظار الفرج.