جاء في سيرته أنه رأى كل شيء ، لكنه لم يرَ سوى وجهه في مرايا مواربة ، ولو كان غيره ، لأنشد قصائد الضوء ، ورأى أبواب المدائن الرئيسة: باباً لنخاسة الكلمات ، باباً لنجاسة الرؤى ، باباً مُغلقاً على قمر جريح ، باباً مشرَعاً على مطر الخرافة ، باباً معلّقاً على حقلٍٍ حرام ، باباً عليه أفعوان ينشد الريح مقامات الخراب. فمازال الباب السابع ، منتهى شوطه، عليه كلمات ثلاث:الأولى تعني مدرسة لتعليم الانحناء بكيفيات متشابهة ومتخالفة ، والثانية هواء أشبه برطوبة قبوٍ تقاسمت سُكناه سعلاةٌ وكائنات أخرى وحشية ، والثالثة تؤدي إلى معبر مفتوح إلى اللاجدوى. الكلمات منقوشة بماء الضوء لكنه ضوء كالعتمة ، والباب السابع عالٍ عالٍ جداً، موصد كأنه أثر قديم يقف به السائحون ويلتقطون الصور التذكارية أمامه ، لتطير في آفاق السياحة العالمية مشهداً مثيراً من قرون خلت هي ضالة السائح الغريب والآثاري الحزين. ذات يوم حدّث نفسه عما وراء الباب السابع ، أطلق العنانَ لمخياله الكليل ، فرأى الباب ينشقّ عن مغارةٍ كبرى ليست كمغارة الأربعين حرامياً ، مغارة مودرن ، وثمة أربعة آلاف وأربعمائة وأربعون غرامياً ، ولكن غرامهم ليس كالغرام ، فلكل منهم غرامه ومغرمه. لم يصده عن دخولها أحد ، فأبوابها الزجاجية تنفتح تلقائياً كلما وقف إزاء باب منها ، كل شيء يوحي بأمانٍ أسطوري لم تكن توحي به الكلمات الثلاث المنقوشة على الباب السابع!. وفي لحظة تواطأ مخياله ضده ، فبدت له المغارة غير المغارة ، بدت كهفاً عتيقاً ، فركَ عينيه ، واستعاذ بالله من كل شيطان رجيم. أغمض عينيه ، ها إنه إزاء الباب السابع في المغارة الكبرى ، وهو باب خشبي عتيق ، نقشت عليه كلمات ثلاث : الأولى تعني مدرسة لتعليم الانحناء بكيفيات متشابهة ومتخالفة ، والثانية هواء أشبه برطوبة قبوٍ تقاسمت سُكناه سعلاةٌ وكائنات أخرى وحشية ، والثالثة تؤدي إلى معبر مفتوح إلى اللاجدوى. فركَ عينيه ، وحوقل سبعاً ، وتمتم: من الباب السابع إلى الباب السابع وبعد هذا الشوط الطويل لا أرى غير كلمات ثلاث؟ .. سمع تمتماته العالية رجلٌ كان يرتشف قهوة الصباح ، دنا منه ، قدم له فنجاناً من قهوة لم يذق مثلها من قبل ، كان حلقه جافاً ، كرع الفنجان كرعة واحدة ، غاب عن وعيه حتى لم يدرِ كم غاب ، وعندما أفاق ، رأى كلماتٍ ثلاثاً غير الكلمات: الأولى تعني مدرسة لتعليم الارتماء بكيفيات متشابهة ومتخالفة، والثانية هراء أشبه برطوبة حرف تقاسمت معناه كلمات متعاظلة، والثالثة تؤدي إلى منبر مشروخ الصوت. لكنه لم يفرك عينيه ، ولم يستعذ بالله من كل شيطان رجيم ، ولم يحوقلْ سبعاً ، ولم يتمتم.. مال على رجل القهوة الغريبة وقال له : منذ الليلة أنا نديمك. قال له القهوجي: لكنْ بشرط ! .. وافق طالب المنادمة غير نادمٍ سلفاً ، على أن لا يرى إلا بعين نديمه ولا يقول إلا ما يقول ، وأن يعيش أيامه ، فلا يرى العالم إلا من قاع الفنجان. بعد أربعين عاماً أعقبت الأربعة الآلاف بعد الأربعمائة العاشرة قرأ حفيده الرابع والأربعون بعد المائة سطراً في مفكرة جده ، نديم القهوجي ، فأثار فضوله ، نقّب في كتب الآثار والتاريخ حتى اهتدى إلى آثاري متقاعد ، تجاذبا أطراف الشجن الأخضر، حتى ذكرا الباب السابع الثاني بعد السابع الأول في مغارة جده القديم ونديمه القهوجي ، دلّه الآثاريُّ على بعض الأسرار ، لكنه منذ ذلك اليوم مازال يبحث عن مغارةٍ مدهشة ، يعرف عنها تفاصيلَ مثيرة ، لكنه لا يراها. يئس من أن يرتشف فنجاناً من قهوة الصباح في المغارة كجده ، لكن ريحاً صرصراً عصفت بخارطة المكان كشفت بقايا باب قديم ، دنا منه مرتجفاً ارتجافةً تاريخية ، مسح عنه أتربة سوداء ، بدت بعض الحروف المتآكلة ، لكنها حروف من لغة لا يعرف طلاسمها ، هاتفَ الآثاريَّ ، التقيا عند الباب السابع ، قرأ الآثاري بلسان مبين ، كلماتٍ ثلاثاً : الأولى تعني مدرسة لتعليم الانحناء بكيفيات متشابهة ومتخالفة ، والثانية هواء أشبه برطوبة قبوٍ تقاسمت سُكناه سعلاةٌ وكائنات أخرى وحشية ، والثالثة تؤدي إلى معبر مفتوح إلى اللاجدوى. أيقن الحفيد أن جده مرَّ من هنا .. لكنْ ليس من سبيل إلى دخول ، فالمعالم مندثرة ، لكن الكلمات الثلاث مازالت تشع ، كأنها كتبت البارحة. استعاذ الحفيد بالله من كل شيطان رجيم وحوقل سبعاً وتمتم ، سمع تمتماته العالية رجل كان يشرب قهوة الصباح في خيمة مهترئة محاذية ، دنا منه ، قدم له فنجاناً من قهوة لم يذق مثلها من قبل ، كان حلقه جافاً ، كرع الفنجان كرعة واحدة ، غاب عن وعيه ثلاث ساعات ، وعندما أفاق ، رأى كلمات ثلاثاً غير الكلمات: الأولى تعني مدرسة لتعليم الارتماء بكيفيات متشابهة ومتخالفة ، والثانية هراء أشبه برطوبة حرف تقاسمت معناه كلمات متعاظلة، والثالثة تؤدي إلى منبر مشروخ الصوت. عندئذٍ أدرك أن الباب السابع دوامة مغلقة على المرايا.