الإهداء إلى زوجتي أم عبدالله.. الصورة الأولى : اليوم فقط شعرت بأن قلقاً يساورها، وقلبها مقبوض نتيجة الحلم الذي أفزعها من نومها، تعوذت من الشيطان وراحت تصلي وتدعو الله أن يطرد ذلك الحلم وأن يطرد تلك الهواجس ، كانت ليلة مزعجة بالنسبة لها ، أشرقت الشمس وهي مثقلة من كابوس جعلها لاتنام نومها الكافي صحت تداعب أجفانها كانت متثاقلة، بدأت بإعداد الفطور لها ولابنائها الثلاثة .. رب الأسرة خرج مبكراً لطلب الرزق ترك أسرته الصغيرة يرعاها رب السماء ، مازال ذلك الحلم يراودها، حاولت طرده من تفكيرها لم تستطع . اليوم ستقوم بتطعيم ولدها الصغير الذي لم يبلغ سنه أربعة أشهر ، أعدت الإفطار لها ولأولادها ،ألبستهم وظلت مشغولة بولدها الصغير تسلل ولداها إلى خارج المنزل كما يفعلان دائماً.. الكبير من أولادها يبلغ من العمر ست سنوات والآخر ثلاث سنوات وقفاً بانتظار والدتهما ، خرجت الأم تحمل ابنها الصغير لتفاجأ بابنها الكبير واقفاً دون أخيه . قالت ألام لابنها محمد : أين أخوك عصام ؟ قال : إن امرأة أخذته لتشتري له بسكوتاً من دكان العم نعمان . وأنا انتظرهما هنا , تغيرّ وجه الأم وعادت إلى المنزل مسرعة ، تناست كل شيء وكأنها قد أصيبت بالجنون، ظلت الأم تضرب الأرض شرقاً وغرباً، عصام ضاع من بين يديها، كانت كالمجنونة لاتستطيع أن تميز شيئاً .. جلس محمد ينتظر أخاه الذي ذهبت به المرأة لشراء بسكويت، جلس يقلم أظافره .. ظلت الأم تصيح بكل صوتها ، تجمع أهالي الحارة صغيراً وكبيراً والمرأة لايهدأ لها بال . تضاربت الآرى منهم من قال : إنه مر من هنا بجانب امرأة ، العم نعمان لم ير هذا الصباح عصام !! محمد يتأمل للموقف صفر اليدين . الصورة الثانية : حظر عاقل الحارة وحضرت الشرطة، بدأ التمشيط في الحارة لعلى وعسى أن يكون قد تاه . عصام ضاع من بين يدي أمه . بدأ سكان الحارة بالبحث عن الطفل الضائع ، رب الأسرة حيران لايدري مايفعل، فوَّض أمره إلى الله وأذرف دمعاته الساخنة . أقبل المساء وعصام لم يعد، كفت الحارة عن البحث وتوّلت الشرطة موضوع البحث .. عصام ضاع وضاعت معه أحلام الطفولة .. ذاب كما يذوب الملح في الماء، لم يجد له أثر داخل المدينة، المرأة التي أخذته ليس لها أوصاف .. مرت السنون . قالت الأم : لاتيئسو من روح الله قلبي دليلي يقول إن عصام موجود . ظلت تبكي على ولدها الغائب كلما تذكرت وجهه الطفولي في أوجهه الأطفال .. تذكره في أوجهه الكبار تتذكره دائماً.. بدأ الخوف يتسرب إلى نفسها .. خافت على ولديها الآخرين ، كانت تغلق باب المنزل مبكراً كبرا ولداها محمد وأحمد . هذا المساء فزعت من نومها على أثر حلم أفزعها، أيقضت رب الأسرة لتقول له إن ابنها على قيد الحياة وأنه قريب منها . قال لها : استغفر الله وهدأ من روعها . قال: اهدأي عسى الله أن يأتي به قريباً .. ادعي الله . السنون تمر عجافاً قاسية والناس تناسوا حادثة عصام .. كانت الأم لاتمر يوماً إلاَّ وتشاهد عصاماً أمامها . تخرّج محمد من الثانوية العامه ثم الجامعة وتبعه أخوه وتلاشت حادثة عصام، لكن الأم ضلت الحادثة في مخيلتها .. وظل الحلم يراودها،لايمر يوم الا وتشاهد عصاماً إمامها الصورة الثالثة : ضعفت الأسرة، وقرر رب الأسرة السفر إلى الخارج (الهجرة ) لكنه لم يستطع فوّكل الأمر إلى صهره عبد الوهاب . وجد عبد الوهاب متنفساً للخروج ووجد له عملاً يليق به فواسى أخته، وصهره ألحق الأولاد بأعمال فعاد حالهم إلى ما كان. في الغربة وجد عبد الوهاب رجل ميسور وثق به، وكان السند له، كان هو مخزن السر له، قدم له أولاده وقال له: سأضع في نفسك سراً لاتبوح به لأحد بعد ان وثقت بك . قال: هولاء جميعاً أولادي الا هذا إبني يوسف بالتبني أحبه حباً جماً فهو ذراعي الأيمن جاءني وانا لاأملك من الأطفال شيئاً، فوهب لي الله تعالى بعده أطفالاً كثيرين . وضع الرجل السر في بطنه . وعادت له قصة عصام الذي ضاع من منزل والده منذ سبعة عشر عاماً، خيوط القصة بدأت بالتداخل وكأنها خيوط عنكبوت، لاتريد أن تنفك عن فريسته . يوسف بدأ يتقرب من الرجل الغريب وبدأت المودة بينهما وكأنهما من أسرة واحدة . الليل يفرش ردائه وعتمة الليل يلفها ظلمة موحشة ، ويطلع شعاع النهار يقوده حنين إلى قريته بعد ليل قاتل وهو بين الحقيقة والخيال أشرقت الشمس، صحي من نومه متعباً وهو يفكر بتلك القصة والمجهول القادم . الصورة الرابعة: كان أول من وقف أمامه من أعطاه سره قال: سأحكي لك هذا السر، قال في نفسه: هذا هو المجهول .. في زمن ما ومنذ سبعة عشر عاماً جاء تني امرأة تحمل طفلاً عمره ثلاث سنوات قالت إنها لاتستطيع تربيته باعته بثمن بخس كما باع إخوة يوسف يوسف، تربى هنا باسم - يوسف، عاش في بيت جديد.. واسم جديد . لم أرى تلك المرأة مرة ثانيه .. كبر الولد وجعلته ابناً من أبنائي .. اقترب يوسف وقال : هذا هو ،انصرف الرجل وبقى يوسف .. يوسف لايعرف من الحكاية شيئاً . الصورة الخامسة : عشعشت الحكاية ولم تبرح من مخيلات عبد الوهاب . مر عام وقصة عصام لاتبارحه، فكر بالعودة من المهجر إلى قريته، أخبر أخته بالحكاية . صرخت الأم أريد أن أرى الولد ابني به علامة لايعرفها أحداً سواي .. ظلت الأم يومها تدعو الله وهي موقنة بالإجابة . قالت لأخوها: اذهب وتحسس من عصام وكما قال يُعقوب لإخوة يوسف . ظلت تنتظر العودة، مر الزمن وتداخل الليل والنهار ولم يعد أخوها من الغربة .. كانت كل ليلة تناجي ربها وتطلبه العون قالت: حلمي سيتحقق الصورة الأخيرة: يأتي الفرج . كان الوقت متأخراً ،الليل سرمدياً .. يدق باب المنزل .. يدخل الولد وأخوها.. حن قلبها إليه وقلب الأم لايكذب .. قالت : ولدي عليه علامة في كتفه الأيمن لايعلمها ألا أنا فقط حتى والده لايعلمها . قالت: عندما حملت به طلبت نفسي عنقود عنب وكانت المرأة في الماضي لاتحب ان تقول لزوجها ماتحب إلا رمزاً .. وعند ولادته ظهر على كتفه الأيمن عنقود العنب كما تمنيته . ظلت تراقب الولد ليل نهار حتى ترى العلامة .. كان الولد خجولاً لايريد الظهور على النساء . وفي إحدى الأيام كان الولد يخلع ملبسه وهي تراقبه رأت مالم يكن متوقعاً، كان عنقود العنب يظهر جلياً. صاحت وصرخت تجمعت الأسرة على الصراخ وهي تقول: ولدي عصام !.. أغمي عليها وهي تحتضن أبنها وتقبل عنقود العنب الذي في كتفه.