للهوامش سطوة على المتن ، فهي القادرة على الإيضاح والإضاءة للمعتم ، والذاهبة إلى التحديد واثبات الحق والمرجع ، فتصبح العودة إليها وقراءتها ضرورة من ضرورات إدراك المتن واكمال صورته ، من هنا جاءت هذه الهوامش التي نحررها على دفتر الفن لنضع علامات هامسة لمن يريد أن يكمل وجه الحقيقة الفنية اليوم، فإن وجدت فيها ما تبتغيه ، وإلا فدعها، فلست المعني بهذه الهوامش الهوامس. كلمة البداية إن العمل الإذاعي - اليوم - يقف أمامَ تحديات كثيرة تتوزع على جهات ومحاور عديدة، فلم يعد الهمس الأثيري هو الجاذب والملهم والمثقِّف الموصل لكل أيقونات الحضارة بنسقها الثقافي والموروث الإنساني، إذ إن المواجهة تزداد حدة وقوة بين مؤشر الأثير السمعي وموازيه الضدّي الصوري، فالفضائيات غدت تكتسح المعمورة من أقصاها إلى أقصاها، الأمر الذي حشر العمل الإذاعي في زوايا ضيقة ومعتمة تحتاج إلى ألق وضياء شديدين يمدّان النور إلى ردهات ذلك الكون المعتم، المسمى إذاعة محلية بقبس من برامج ثقافية وحوارية وفنية تستمد زيتها الوضاء من مكونات الشخصية المحلية التي تنتمي إليها هذه الإذاعة أو تلك، فالقدرة على التأثير تتضاعف كلما اقتربت الإذاعة من نبض الناس وروحهم وبوحهم وسرهم ونجواهم وتبتعد بمقياس البعد عن تلك الأمنيات والأماني، فالأمم مزيج من تلك المنظومة التي كانت حصاد سنوات حضارية موغلة في التاريخ والقدم. إذاعة المكلا وبرامج العيد إن الراصد لتاريخ إذاعة المكلا يقف عند محطات مجيدة انطلقت مع البدايات الأولى لها في 28/ سبتمبر 1967م، وتعددت هذه المحطات خلال الاثنين والأربعين عاماً الماضية، ولكنه - أيضاً - يقف حائراً أمام محطات أخرى باهتة شاحبة، في العشرين السنة الماضية، لا ترقى إلى ذلك التاريخ المجيد، وذلك موضوع ليس أوانه الآن، فلإذاعة المكلا صداقة حميمة مع الكثير من الأعلام الثقافية والتربوية من المعدين الذين تناوبوا العمل - منتدبين و مساهمين - خلال عمرها المديد، والقائمة تطول، الأمر الذي يجعل الانفتاح على هذه الكوكبة وفق خطط برامجية واعية ومتزنة تعيد بعضاً من وهجها وألقها وحضورها المجتمعي، هذه البادرة الذاهبة إلى المعد المبدع أينما وجد وحيثما يذهب هي ديدن العمل الإذاعي الراقي والحصيف، وهو ما حاولته بجهد ومثابرة وإصرار الزميلة أفراح محمد جمعة خان مديرة البرامج بالإذاعة لتعميد خارطة عيد الأضحى المبارك لهذا العام، فأثمرت جهودها تلك، حضوراً مشرفاً للواجهة الإعلامية الوحيدة في مناطق حضرموت الساحلية، فبرنامج حديث العيد الذي أعدّه وقدمه الأستاذ الدكتور عبدالله صالح بابعير ونفذّه الزميل عبدالله السيود. في خطوة غير مسبوقة، نجح في وضعها الدكتور بابعير في سياق من المعرفة الشاملة لأبجدية العيد في القاموس الاصطلاحي والأدبي والشعري العربي، وغلّفها بما لديه من وعي وأداء صوتي تراكمي لسنوات طوال ضمن برنامجه الإذاعي الأسبوعي في رحاب لغة الضاد، فكان حديث العيد عن العيد وفي العيد وبالعيد. القحوم اشتياق بوسبعة (حوار الاشتياق) عنوان برنامج حواري للزميل المعجون بأثير إذاعة المكلا، والإذاعي الذي ضلّ طريقه إلى عالم الصحافة الرياضية والسياسية، خالد أحمد القحوم، كان ضمن أجندة العيد البرامجية استطاع الرائع القحوم بما يمتلكه من قدرات ثقافية وشفافية اجتماعية أن يتجاوز الحواجز ليكشف في حواره الشيِّق اشتياقات الشاعر الغنائي والتربوي القدير والرياضي المتمكن الأستاذ أحمد سعيد بوسبعة صاحب رائعتي: شوقتنا المكلا كيف لا اشتاق، ولا تفكرها حكاية، فكان الحواري القحوم ممسكاً بخيوط وتشبيكات اشتياقات الشاعر في حلقاته الخمس التي كانت بلسماً جميلاً في أيام العيد لعشاق الشاعر ومحبيه ومتذوقي الأغنية الحضرمية الأصيلة، حوار اشتياق واشتياق الحوار ثنائية المحاور والمجيب كانت لغة شعور ومشاعر انسابت في ثنايا الدقائق التي حملها البرنامج في فضاء الأثير المكلاوي وما يصل إليه بتقديم متمكن من الزميل سالم علي الشاحث وتنفيذ الزميل أسامة جابر. أبو سهون على بساط الشجون كعادة الزميل الفنان أنور سعيد الحوثري (أبو سهون) الذي رافقته بداية المشوار الفني مذ كنّا على مقاعد الدرس الجامعي مفتتح الثمانينيات بكلية التربية بالمكلا، وكان يتلاعب بآهاتنا وهو يقدم روائع الشاعر الكبير المعلم عوض حميدان وألحان الفنان الكبير سالم سعيد جبران، بمثل هذه الروح العاشقة للأصالة والطرب الجميل، طار بنا الرائع أنور ليطوف بنا على بساط شجونه، عبر برنامجه العيدي الذي جعل دقائقه سابحة في فضاء المعمورة متقصياً مثاقفة الأغنية الحضرمية مع دول الجوار عامة، ودولة الكويت خاصة. من خلال تداعيات حوارية وخواطر تأملية محملة بتنغيمات صوتية وموسيقية لأعلام الفن الحضرمي في دولة الكويت منذ السبعينيات وما بعدها، كالفنان الراحل متعدد المواهب حداد مبارك، فكان بساط الحوثري وشجون الآخرين مليئين بمشاهد عاطفية نسجت خيوطها لحظات الاغتراب والبعد عن الديار، وقدمه في حلقات ثلاث المذيعة أفراح محمد جمعة خان، وحلقتان من تقديم المذيع الزميل محمد قاسم المفلحي، ونفذها الزميل عمر بانبوع. مواهب في لحظة فرح لم تكتف إذاعة المكلا بتقديم المعدّين النابهين في عيدها لهذا العام وحسب، بل ذهبت إلى إعطاء فرصة تحسب للزميل سالم علي الشاحث المدير العام للإذاعة الذي كان مسانداً قوياً لخارطة العيد البرامجية، ومحفزاً للجميع، فجاءت تجربة برنامج لحظة فرح إعداد الموهوبين عمّار جمال آل بخيت وطارق التميمي لحظة ميلاد جديدة لهاتين الموهبتين، لحظة كانت كفيلة بوضعهما في خارطة المساهمة الإذاعية بقوة، نأمل أن ترفدها مواقف أخرى داعمة من قيادة الإذاعة وهي حريصة على ذلك بلاشك، ولكننا، نتمنى على فريق العمل بالإذاعة التحلّي بالحرص نفسه لرعاية مثل هذه المواهب في الإعداد والتقديم، ما ذلك بعسير على مخضرمي الإذاعة، أو إنه....؟!. كلمات وأنغام عن الأعلام لقد تشرفت في خارطة هذا العيد بإعداد برنامج (كلمات وأنغام) في حلقات ست، عن أعلام الشعر للأغنية الحضرمية، وهم الشعراء الكبار الراحلون، حداد بن حسن الكاف وحسين أبوبكر المحضار وحسين محمد البار في ثنائيته مع عملاق الأغنية الحضرمية محمد جمعة خان وعبدالرحمن عمر باعمر وصالح عبدالرحمن المفلحي ويسلم أحمد باحكم، برنامج قدمته بنفس فني جميل المذيعة أفراح محمد جمعة خان ونفذه بصبر وأناة الزميل سالم محمد بلقدي.. فالعيد في إذاعة المكلا كان اشتياقاً وشجوناً مبللين بنغمات وفنون.. وكفى!.