كنت كالصحراء مخضباً بالتيه والألم..حينما تناثرت الوجوه بالذاكرة واستعرّ القلب فاجأك ألم مباغت؛كأنك تنتظره إذ كان يسرك..مضرجاً بدموعه مثل المضرج بدمائهِ..أم كان يتربص بك في شوارع اللهفة المرتعشة وطرقات الحنين المعوّجة..لو كنت تعلم أسباب الهزيمة ما رجعت..قلت للطرف الآخر: (تدرين.. مملوءةٌ جدران الحنين داخلي بخربشات طفولية،أحتاج ل feed back ولو لبرهة..ولكن قبلها أحتاج لذلك المكان الذي يستطيع أن ينكأ الجرح ويلكز طراوته) أصابتك الخيبة خفية حينما هيئ لك تأففاً من الطرف المتلقي..تجاهلت،ووددت أن تكمل ولكنك تراجعت..ليلك ركب دائم الترحال،ما استقر بأرض ولا كان له من وطن.فسّلت جريد الذاكرة وتعممت الشرود،كنت تبحث عبر أسلاك العاطفة ونقّال الحنين عن زينب أخرى..فاجأك صوت كأنه يناجي ألو..أين أنت؟..لم تعتد مناورة الأحزان..أجبت كالذي يُطمئن قلباً هلِعاً:معك. هل ملَلتْ؟ أنتِ الذي بدأ الملل..إن شئت أنههِ أو أنهِني حشدتَ جحافل الظلمة وتأهبت لردح تمرد المشاعر وعصيان الحنين..كالربيع ينفض أوراق الشجر ندىً تهزك ذكرى زينب وما انتفضت،احتشد العُصاةْ وقويت شوكت التمرد وما تنحيت..أعادك الطرف الآخر:اليوم أحمد زارنا.. لقد تقدم لخطبتي. الليل بحرٌ لا يعرف السكون..يأخذ بسفينة الحلم ويصطدم بها على صخور التشرد والألم.خريف الذاكرة يحرمك أوراق النسيان وفي مروج الذاكرة طيف زينب يرعى ماشية الحنين..تذكرت همسها: قلبك مليءٌ بالشغب..لو تقضي على كل الفوضى..أخشى على مملكتي داخلك من السقوط. كنت حينها بعيداً..يداخلك شعور زائف يحتّم عليك واجب أهم من الخوض في أوحال العاطفة والغرام على حدِّ زيفك..أجبتها وأنت تمهد لمشروع فِراق سافِر:زينب..هنالك أشياء لا بد لها من أن تنتهي حينما يتحتم علينا الاهتمام بأشياء أخرى..لا أخفيك وجعاً..شلّ القلب فما عاد يستسيغ هوىً ولا غراماً.. أطفأ الطرف الآخر شعلة الذكرى..طمأنته ..ثم أتاك صوتها مسترسلاً ناعماً:أحقاً مني مللت..أقول لك أحمد تقدم لخطبتي..ما بال الحنين لا يجيب..! هممت بالرد..أدهشتك ابتسامة زينب الجريحة وهي تعلّق على فِراق غريب ستظلُّ طوال عمرك معلق القلب..خانتك اللباقة حينها..فقد كان يغزو مخيلتك واجبك الأهم..تظلُك أغصان البدايات الذاهبة، أيقظك صوتٌ غاضب لا تفكر في الاتصال بي مرة أخرى..لم تعرها اهتماماً..كانت سفوح الندم انحدارات الحنين الجارفة نحو الألم.ولكن..وحينما تقافزت الوجوه بالذاكرة وتناثرت العبرات..أوجست خيفة من ألم مباغت قد يداهمك،قد يشبه زينب إلى حدٍ قريب..أزعجك الطنين الرتيب ولم تُدهش لعدم استجابة الطرف الآخر..سخرت من ابتسامة زينب..وأسرعت بمعاودة الاتصال..أدخلت الأربعة عشر رقماً بكل لهفة..أتبعتها بسبعة..ولكن؟! كان المتبقي أمل قزم لا يطول مداد حُلمك..اجتاح التمرد سياج الحنين وثار عليك الأنين..دفنت رأسك الفارغ في المخدة..ثم بقلق مشوشٍ أخذت في انتظار ألم مباغت.