سألملم الخطى التي بعثرتها وبعثرتني واستعيد وعيي الذي سقط سهواً في غيبوبة الفرح . يا الله كم هو مفجع أن أتلقف جريدة يتوسد صدرها خبر رحيلك وأنت حاضر في كل شيء إلا الحزن ... بابتسامة الاهية الحضور وقبلة ما زالت طازجة على الجباه لم يجف عطرها.. أيها “الفتيح” , الأب الشاعر, الصديق الإنسان الذي امتلأت بك المدينة وامتلأت بها، وصرت عصياَ على النسيان متمرداَ على قوانين الغياب المجحفة. ترتسم ملامح المدينة في تضاريس وجهك وتبقى كجبل لا تبتلعه الأرض.. كنت واقفاً في طابور معاش التقاعد غير المجزي أو جالساً في السطر الأول لفعالية ثقافية تغدق ابتساماتك بإعجاب كلوحة بهية تندمج في الوجوه والقلوب وتغوص في الكلمات .. توزع حبك لوناً اخضر وتتوهج بك الذاكرة. تركناك وحيداً تكابد المحنة والمرض وتركت فراغاً مخيفاً على أروقة المعابد التي لم تغتسل بعد من عريها وحنينها وشاشات الهواتف التي أصابتها الصدمة بوعكة البله.. مذ آخر مرة التقيتك فيها هي أيضاً كانت كأول مرة رغم المرض لم تتغير في عشقك للاماكن والقصائد والسخرية والفرح، ولم يتغير بهاؤك في أصوات المغنين ودندنات الملحنين ..حتى اختفاؤك عند لقاء الاحبة ظل شبيهاً بقصيدة عرس تضج بالانبهار.. ورحلت في غفلة المدينة التي لم تكن لتخلع الأسود بعد لكأنها كانت تعد نفسها لغيابك المر ولم تنس أن تعلق تميمة على القلب وتدس مشقراً في الذاكرة وتبلل عشب الروح بضحكاتك الحميمية وعنفوان قلبك المفعم بالنقاء والمحبة والمثالية المطلقة. سأعتذر كثيراً لأني حينما بعثت من غيبوبة الحلم أصبت بهزة ألم تسكعت بعدها في كل الوجوه كي اصدق اني لن التقيك ثانية وقالوا انك “ سافرت”... كثيرا سأبكي وأنا استعيد وعيي واطلب رقم هاتفك فيرن بعيداً شاحباً وحزيناً.. خالياً من صوتك الذي انسحب كدخان مبلل بالمطر.. وسأجهز نفسي لأعبر شوارع المدينة المثقلة بالألم بأضوائها الشاحبة المنكسرة وهي تودع عاشقها الأول. فأنت لم تترك مكاناً عصياً في القلب المتعب إلا زرته ونفثت عطرك فيه. وستبقى حياً كما قال بيكاسو: “الشعراء لا يموتون.. انهم يتظاهرون بالموت فقط”