ذهب الدكتور أدونيس إلى أن امرأ القيس أشعر من شوقي. وكان مذهبه هذا يتكئ على أن امرأ القيس رائداً إبداعياً تقدم على شوقي كثيراً، على الرغم من تأخر شوقي تاريخياً أكثر من ألف وأربعمائة عام. وكانت هذه الفكرة قد أثيرت من قبل الدكتور “غالي شكري” في كتابه “شعرنا الحديث إلى أين؟”. غير أن هذه القضية النقدية لم تحظ بدراسة وافية حتى الآن، إذ اعتمد “د. أدونيس” على نظرية “الشعرية” في محاولة لإثبات ما ذهب إليه. وفي كتب تاريخ الأدب ما يؤكد ذلك. حيث نجد امرأ القيس يقول: هرعن يرقعن امرأ القيس ينظرن إليه من خلال الكوى وكأنهن يرقعهن وهذا ما يحيلنا إلى مفهوم الانزياح في الدراسات الأسلوبية، لكن الأمر عندما يتعلق بشوقي وفقاً لهذا المقياس النقدي نجده مختلف تماماً.. قياساً على البعد الإحيائي الذي تمحور حوله شعره. فشوقي عندما أراد أن يحّدث تحول به إلى وصف ميكانيكي لمنتجات العصر على نحو قوله في وصف الطائرة “وكدعوة المظلوم مخترق السماء” والمتأمل في شعر شوقي يجد أنه قد ارتبط بمرحلة تاريخية عبر عنها أدونيس بأنها مرحلة “صدمة الحداثة”. غير أن “تمام حسان” قد وقف على النقيض من هذا المذهب، عندما درس شوقي من خلال قصيدته التي مطلعها “بي مثل ما بك يا قمرية الوادي ناديت ليلى فقومي في الدجى نادي”. وأعتبرها قصيدة حداثية من الدرجة الأولى. وحيال هذين الموقعين المتناقضين نقدياً فإن مسألة نقدية من هذا النوع تحتاج إلى إعادة نظركما أسلفنا في مطلع السياق. ولعل ذلك يعود إلى أن الدراسات النقدية الحديثة كما هي في الدراسات الأسلوبية ونظرية “الشعرية” الحديثة قد أرادت أن تحمل شعر الإحياء ما لا طاقة له به ثم أن “امرأ القيس” لم يكن حداثياً مطلقاً كما ذهب “د. أدونيس” ولكن كانت له فلتات شعرية لم تفت على “شوقي” في كثير من فلتاته الشعرية وإذا نحن أردنا أن نقيم “شوقي”، تاريخياً، وإبداعياً، فإنه طاقة شعرية قد جمعت بين الأمرين وكان ل “شوقي” الفضل في الإرهاص “التمهيد” لتطور الشعر الحديث والمعاصر سواء من خلال تأسيسه للمسرح الشعري أو من خلال تلك التجاوزات البيانية في بعض قصائده التي جعلت منه حقاً “أميراً للشعراء”. هوامش: “الشعرية” نظرية أوروبية ومن أشهر من تبناها تبناه الدكتور كمال أبو ديب والدكتور أدونيس، ولكل منهما كتاب بهذا العنوان. د. غالي شكري ناقد أدبي مصري كان آخر منصب له رئاسة تحرير مجلة القاهرة الثقافية قبل وفاته. “تمام حسان” ناقد عربي كتب في مجلة فصول الصادرة عن الهيئة العامة المصرية للكتاب.