القصيدة الشعرية تفريغ للمحتوى الخارجي الذي يحيط بالإنسان من بيئات مختلفة, ثقافات, أنماط فكرية, حضارات, ديانات, وتراث اجتماعي, وإنساني كما ان القصيدة ترجمة لكل المعايشات الإنسانية التي يعيشها الإنسان مؤثراً فيها ومتأثراً بها في مجالات عدّة ، كالحب ،والغربة، والزمن ،والمكان والقصيدة هي البذرة الأولى التي سبقت كل الأعمال الأدبية من نثر وقصة وأقصوصة وكانت اللقاءات الشعرية بمثابة المرآة لأي مجتمع بعد المحاورات الفلسفية التي سبقت كتابة القصيدة إلا انه كانت هناك بعض المحاولات الشعرية التي سجلها الفراعنة على معابدهم.وكانت الصور الشعرية بمثابة التجسيد الكامل لحالة المجتمعات القديمة، فالشعر له السبق.. وتطورت القصيدة الشعرية إلى الملاحم التي نقلت بعد ذلك على خشبة المسرح قبل أن يتم اختراع آلة التصوير التي ساعدت بعد ذلك على نقل الشخوص من علي خشبة المسرح إلى آفاق أوسع لتصوير النهر والبحر والثلج والجبال والكهوف والبيوت والحركة والحوار.. ومن هنا تم نقل الملاحم الشعرية إلى صورة، وكذلك قصص البطولة وما يدور في الأروقة والقصور وتحولت بعض القصائد الشعرية من المسرح إلى السينما وإذا كان الشعر هو أحد مفردات الأدب الأولي فقد كان له السبق في إحياء كل المجالات الأدبية التي تحولت بعد ذلك إلى السينما فشعر المأساة والملهاة وشعر الحماسة والملحمة أصبحوا بعد ذلك من أدبيات السينما في بداية نشأتها وبعد ظهور الرواية أصبحت هي الأساس في العمل السينمائي، وتعدد نوع العمل الأدبي بدءا من الأدب الاجتماعي والتاريخي والثقافي الكوميدي والخيال العلمي وأفلام الآكشن والجنس وما إلى ذلك مما نشاهده الآن على شاشات العرض وكذلك قصص المافيا وتجار المخدرات والقصص الواقعية التي تتحدث عن جرائم القتل والاغتصاب و الاغتيالات وواقع الشعوب والحروب الدامية.بمعنى ان السينما انعكاس لحركة الإنسان الواقعية هذا الزخم السهل قد ابتعد بالسينما عن أهم غايتها بعد ان طغت الواقعية العنيفة والخيال العلمي الدامي ولذلك ابتعدت السينما عن الأدب الرومانسي والشعري، وإذا عدنا إلى الوراء فإننا نجد ان اغلب الأفلام الجيدة هي الأفلام الاستعراضية والغنائية التي لغتها في المقام الأول الشعر وإذا اعتبرنا ان الحياة فيلم كبير نضحك على بعض فصوله ونبكي على الآخر ونتأمل في فصل آخر ونرفض فصلا فإننا ننظر بعين الاعتبار إلى مفردات هذا الفلم خاصة من الناحية الأدبية والبرجماتية، فنرى اننا ملنا في هذا الزمن إلى فصل ممل وخطير جعل الإنسان مشدوداً متوتراً، لاهث الأنفاس دون ان يجنح الى الهدوء والتأمل والحب ولا نعرف سببا لذلك وإذا اعتبرنا ان السينما متهمة بأنها تروج بضاعة من أجل الكسب فهذا شأنها، أما إذا كان هناك اناس ينظرون إلى دور السينما في تحقيق التوازن للمشاهد بين شده وجذبه فإنها مطالبة أيضا بتحقيق توازنه النفسي والأخلاقي والقصيدة قد تساهم في ذلك إذا ما عادت السينما إليها من جديد وذلك لخلق لغة شاعرية في الحوار وفي الصور السينمائية وفي الموسيقى وما لغة الطير إلا زقزقة ، ولغة الورد الهمس، ولغة الشجر الوشوشة والحفيف، ولغة الماء الخرير، وكلها لغات شعرية هامسة تساعد الإنسان على استعادة توازنه النفسي والسلوكي.