من بوابة الملف الأمني.. إخوان اليمن يحاولون إعادة الصراع إلى شبوة    النعي المهيب..    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    الشيخ الزنداني يروي قصة أول تنظيم إسلامي بعد ثورة 26سبتمبر وجهوده العجيبة، وكيف تم حظره بقرار روسي؟!    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    متهم بجريمة قتل يسلم نفسه للأجهزة الأمنية جنوبي اليمن    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    رسالة تهديد حوثية صريحة للسعودية .. وتلويح بفشل المفاوضات    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    توحيد إدارة البنك المركزي في صنعاء وعدن.. خبير مصرفي يكشف عن حل مناسب لإنهاء الأزمة النقدية في اليمن    الذكرى 51 لجريمة قتل الدبلوماسيين الجنوبيين بتفجير طائرتهم في حضرموت    زيود الهضبة يعملون على التوطين في مأرب وسط ويحابون كوادرها المحلية    برفقة حفيد أسطورة الملاكمة "محمد علي كلاي".. "لورين ماك" يعتنق الإسلام ويؤدي مناسك العمرة ويطلق دوري الرابطة في السعودية    وزير الدفاع يؤكد رفع مستوى التنسيق والتعاون بين مختلف الوحدات والتشكيلات العسكرية لهزيمة الحوثيين    جماعة الحوثي تفاجأ سكان صنعاء بهذا القرار الغير مسبوق والصادم !    التعادل يحسم قمة البايرن ضد الريال فى دورى أبطال أوروبا    حزامٌ ذهبيٌّ يُثيرُ جنونَ لصٍّ: شرطةُ سيئون تُلقي القبضَ عليهِ بتهمةِ السرقةِ!    نجل الزنداني يوجه رسالة شكر لهؤلاء عقب أيام من وفاة والده    روما يسعى لتمديد إعارة لوكاكو    الحوثيون يتلقون ضربة موجعة بعد رسالة قوية من الحكومة اليمنية والقضاء    السفير السعودي يبحث مع بعثة الاتحاد الأوروبي "خارطة الطريق" ومستجدات الأزمة اليمنية    "لا تلبي تطلعات الشعب الجنوبي"...قيادي بالانتقالي يعلق على رفض مخرجات لقاء الأحزاب    شاهد...عمار العزكي يُبهر جمهوره بأغنية "العدني المليح"    انقلاب مفاجئ.. الانتقالي يوجه ضربة قوية للشرعية ويهدد بالحرب بعد يوم تاريخي في عدن.. ماذا يحدث؟    أول تحرك يقوم به أبو زرعة في عدن بعد وصول العليمي مأرب    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    دوري ابطال اوروبا: الريال يتجاوز جحيم الاليانز ارينا ويفرض التعادل امام البايرن    توجيهات واحصائية".. اكثر من 40 ألف إصابة بالسرطان في اليمن و7 محافظات الاكثر تضررا    وزير المالية يصدر عدة قرارات تعيين لمدراء الإدارات المالية والحسابات بالمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي    الوزير الزعوري يهنئ العمال بعيدهم العالمي الأول من مايو    بالفيديو.. عالم آثار مصري: لم نعثر على أي دليل علمي يشير إلى تواجد الأنبياء موسى وإبراهيم ويوسف في مصر    برشلونة يستعيد التوازن ويتقدم للمركز الثاني بفوزه على فالنسيا برباعية    تراجع أسعار الذهب إلى 2320.54 دولار للأوقية    اختتام برنامج إعداد الخطة التشغيلية للقيادات الادارية في «كاك بنك»    بيان الرياض يدعو الى اتخاذ خطوات ملموسة لحل الدولتين وإيقاف فوري لإطلاق النار في غزة    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    البكري يجتمع ب "اللجنة الوزارية" المكلفة بحل مشكلة أندية عدن واتحاد القدم    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    ماذا لو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد قادة إسرائيل؟    يجب طردهم من ألمانيا إلى بلدانهم الإسلامية لإقامة دولة خلافتهم    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    استشهاد وإصابة أكثر من 100 فلسطيني بمجازر جديدة للاحتلال وسط غزة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزيف مُر..
أبطالها يمنيون..عرب..أجانب.. لوبيات مُتخصصة لطمس ذاكرة أمه
نشر في الجمهورية يوم 23 - 10 - 2010

تتعرض آثارنا بشكل يومي وبصورة لافته غير مسبوقة لاستنزاف جائر وسرقة مُريعة..وبين الفينة والأخرى ثمة أعداد مَهُولة لقطع أثرية - تشكل بمجملها ألوان من التراث اليمني بشقيه التاريخي والثقافي - يتم ضبطها في منافذ البلد الرئيسية من قبل جهات الرصد المُختصة..وهي في طريق عبورها المشئوم إلى فاترينات متاحف العالم.
يمنيون بامتياز..؟!
في مقابل هذا التنوع المُلفت في نهب الآثار اليمنية على مرَ العصور التاريخية، سواء بسبب العبث في التنقيب أو من خلال شبكات التهريب المختلفة، حققت السلطات اليمنية بعض النجاحات الغير مسبوقة في الحد من ذلك، وتناقلت وسائل الإعلام المُختلفة أنباء عن إحباط العديد من محاولات التهريب في مختلف المنافذ، وإلقاء القبض على عدد من مُهربي وتُجار الآثار ومحاكمتهم، واستعادة قطع ومخطوطات أثرية استنفدت مبالغ باهظة من ميزانية وزارة الثقافة حسب تصريحات مسئوليها.
فخلال الأشهر الماضية من العام 2010م و 2009م مثلاً تم ضبط عشرات من تلك القضايا..وحسب تأكيدات لمصادر في الهيئة العامة للآثار، أن الهيئة سارعت لاستلام أغلب الآثار المضبوطة من قبل مسئولي النقاط الأمنية في المنافذ البرية والجوية والبحرية، ومن نيابة الآثار أيضا، مع التأكيد أن معظم القطع التي ضبطت خلال هذا العام لازالت في حيازة الأجهزة الأمنية.
ومن أبرز تلك المضبوطات عشر قطع عبارة عن تماثيل برونزية تم ضبطها في إحدى فنادق صنعاء السياحية، وفي سوق الملح بصنعاء القديمة تم ضبط عُملات ذهبية نادرة تتكون من 11 من الخرز الذهبي، و12 خرز زجاج، وجرة جصية، إلى جانب 14 قطعة أثرية فيها قطعتين “مزورتين”.
وفي مطار صنعاء الدولي تم ضبط 12 عملة ذهبية، و50 عملة فضية، و 310 عملات من البرونز، كما تم ضبط 112 مخطوط تاريخي، وأكثر من 1970 عملة أثرية، ومجموعة من المشغولات الأثرية في منطقة عبس من محافظة حجة .
وضبطت أيضاً قطع أخرى في مختلف المنافذ المرورية البرية والبحرية والجوية، والمُلفت في الأمر أن غالبية المُتهمين في قضايا هذه المضبوطات يمنيون بامتياز.
وضع مُشين
وإذا كانت عمليات الضبط تلك تتم بشكل يومي حسب إحدى الإحصائيات الحديثة، إلا إن نتائجها تبقى متواضعة ولم ترقى إلى المستوى المطلوب في نظر الخبراء والمهتمين والمسئولين على حد سوأ، لأن الواقع يُفصح عن كميات كبيرة جداً من هذه القطع الأثرية قد نجحت عصابات التهريب في نقلها إلى الخارج، في عمليات منظمة لم يتم اكتشافها وتداركها، سوأً في منافذ البلاد الرئيسية أو غيرها من أماكن ومناطق مجهولة يعرفها “المهربون” جيداً ؟!.
ومن هذا المنطلق يأتي التأكيد أن ما يتم تهريبه يفوق بكثير تلك الكميات التي يتم ضبطها وإحباط محاولات تهريبها هنا أو هناك.. حيث يتلقف تلك “المُهربات” سماسرة وضعاء، يتاجرون بها عبر مزادات علنية وفوق أرصفة الشوارع..في عمق العواصم الأوروبية وغيرها من مدن العالم.
وليس مُجاف للحقيقة ولا بمُستغرب أن يصف أحد الباحثين المُهتمين هذا الوضع “بالمُشين”، مُحددا حجم قِطع الآثار الموجودة في الخارج - سواء كانت معروضة في متاحف العالم أو مخفية في دهاليز اللصوص..- بأنها أكثر بكثير من حجم ما هو معروض أو محفوظ في متاحفنا الوطنية..؟!!.
مؤتمرات دولية
وهي المصيبة ذاتها التي جعلت عشرات من علماء الآثار ومن جنسيات مُختلفة، يؤكدون في ختام مؤتمر عالمي عُقد في فرنسا قبل بضع سنين، أن آثار اليمن تتعرض لاستنزاف مُفرط ونهب عشوائي غير مسبوق..ومن هذه الجزئية يأتي التأكيد أن هذه المشكلة ليست وليدة اللحظة بل هي مُستمرة على الدوام وتنتقل بين حين وآخر من سيئ إلى أسوأ .
وإكمالاً لذات التوجه التقى منتصف العام الفائت حشد من علماء تاريخ اليمن القديم في باريس لحضور “المؤتمر الثالث عشر للدراسات السبئية”، وكانت ذات القضية حاضرة في مسار جلساتهم.. وعبروا لحظتها عن امتعاضهم الشديد مما يحدث..وأنهم مازالوا منتظرين من السلطات اليمنية والمؤسسات الثقافية العالمية والمجتمع الدولي تكثيف جهودهم لوقف هذا التدمير الفظيع وحماية هذا التراث العالمي بشكل فعال.
البداية مع المخطوطات
يؤكد مهتمون أن بداية نهب التراث اليمني تعود إلى القرن السابع عشر حين أخذت بعثة نيبور «الدنماركية» (70) صندوقاً تضم بداخلها مخطوطات يمنية من مختلف العلوم ولم يعرف أو يكتب عنها شيء.
وكذلك فعل العثمانيون ومتحف «الأستانة» ما زال زاخراً بالكثير من المخطوطات.. وشهد القرنان السابقان عمليات تهريب واسعة أضحت اليوم من أهم مُقتنيات مكتبات أوروبية وآسيوية وعربية مُختلفة.
وعن ذلك تشير الإحصائيات المتوفرة لدى دار المخطوطات اليمنية إلى أن نحو عشرة آلاف مخطوطة يمنية موجودة في مكتبة «الميروزيانا» الإيطالية وأكثر من ثلاثة آلاف مخطوطة في مكتبة «الكونجرس» بالولايات المتحدة الأمريكية، وألفين مخطوطة في المتحف البريطاني وآلاف أخرى في مكتبات وأرشيفات اسبانيا وفرنسا وروسيا وهولندا وتركيا وبعض الدول العربية.
تاريخ من «النشل»
بالنسبة للآثار كانت البدايات الأولى حسب بعض المصادر في خمسينيات القرن الماضي إبان الاحتلال البريطاني لجنوب البلاد، حيث نشط عدد من الضباط البريطانيين حينها في تهريب الآثار اليمنية مستغلين ضعف رقابة السلطات آنذاك..
كما أن بعض الفرق الاستكشافية في التنقيب عن الآثار خاصة في مأرب كتلك التي جاءت في الخمسينيات من القرن الماضي.. وأبرمت بعض الاتفاقيات في هذا المجال مع الإمام أحمد.. كان لها دور كبير في تهريب كثير من القطع الأثرية والاتجار بها وبيعها لمتاحف أوروبا كما ذكرت «كلودي فايان» الفرنسية في كتابها الشهير «كنت طبيبة في اليمن».
من ذلك الوقت أخذت الظاهرة بالتوسع والانتشار لتغدوا اليوم واحدة من أبرز وأعظم المشكلات.. ولعل التزايد الأبرز حسب تأكيدات مهتمين كان منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، فقد تكاثرت تجارة تهريب الآثار من قبل العصابات المنظمة والوسطاء المحليين الذين أصبحوا مع طول المراس في التعامل مع الخبراء سماسرة محترفين يسبقون الجهات المعنية إلى المواقع الأثرية.
سياح وبس..!!
في سياق البحث عن البدايات أيضاً كان لي جولة في العروس قمة جبل صبر، حيث الحصن التاريخي العتيق المنقوش في بعض أحجاره كتابات قديمة بخط المسند.. هناك التقيت عدداً من أبناء المنطقة وأكد لي كبار السن منهم أن سياحاً أجانب كانوا يترددون على الحصن طيلة فترة الستينيات من القرن الماضي بغرض الحفر والتنقيب..
- يقول الحاج عبد الله بكرين كانوا.. يصعدون على ظهور البغال والحمير وعلى الأقدام أيضاً، ويحفرون ليل نهار.. وأثناء مغادرتهم يأخذون معهم قطعاً أثرية مختلفة..
قاطعته هل كانت تماثيل..؟
فأجاب منصور: «الله أعلم» مضيفاً: إن أغلب المواطنين لا يعرفون نوع تلك القطع لأنهم كانو يغلفونها.. ولعل أبرز ما صادته عين منصور بعضاً من الأواني الفخارية التاريخية..
أما عن جنسية أولئك «اللصوص السياح» اكتفى الحاج منصور بأنهم «سياح وبس»؟!
قاطعة أحد الحاضرين الشباب بأنه سمع من أبيه المتوفى «بأنهم من المانيا».
خبراء ولكن لصوص
طول الوقت يبقى العنصر الأجنبي المتهم الرئيس في نهب تراثنا الحضاري، سواءً من حيث المشاركة في أعمال السرقة «الحفر والتنقيب»، أو من خلال إغراء أصحاب النفوس المريضة من المواطنين النشاز الذين اتخذوا من تهريب الآثار تجارة رابحة ومهنة دائمة..
وبحسب معلومات موثقة فإن هناك بعض الشركات الأجنبية تعمل عملاً مزدوجاً في استثماراتها ظاهراً وباطناً، ففي الظاهر أنها شركات استثمارية سواء نفطية أم استكشافية للتنقيب عن الآثار، وباطناً لها من الخبراء الآثاريين وخبراء التهريب تقتصر مهامهم على هذا الجانب.. إذ بحسب بيانات رسمية مستقاة من واقع محاضر الضبط.. تم خلال السنوات الماضية ضبط عدد محاولات تهريب آثار جميع المتهمين فيها من خبراء شركات النفط العاملة في اليمن.
وكان مسئول بارز في وزارة الثقافة قد كشف - في تصريح سابق - بعض الأساليب المستخدمة لتهريب الآثار وذلك من قبل خبراء شركات النفط بعيداً عن رقابة أجهزة الأمن، فطائرات الشركات النفطية لا تخضع في الغالب للتفتيش ويتم فيها تكديس القطع الأثرية ضمن صناديق قطع غيار المعدات الميكانيكية التي تخص حقول النفط..
ومما كشفه المسئولون أن هناك طلباً متزايداً للآثار اليمنية من قبل الأجانب بمساعدة بعض اليمنيين.. وهذه هي الطامة الكبرى.. وهنا أقول بصدق كم شعرت بالقهر حينما أقدم المحتل الأمريكي على سرقة التراث العراقي وهدم حضارته.. وليس غريباً على محتل أن يفعل ذلك.. لكن الأشد منه قهراً أن يبيع بعض أبناء جلدتنا تراثنا وحضارتنا اليمنية..
أكثر من بعد
وفيما يخص القطع الأثرية اليمنية الشهيرة المعروضة حالياً في أغلب متاحف العالم (كمتحف بومباي “الهند”، وهامبورج “ألمانيا”، وإسطنبول “تركيا”، والمتحف البريطاني) أو تلك الموجوده لدى أرباب المجموعات الخاصة (كمجموعة “دمبرثون أواكس” في واشنطن، ومجموعة “برنار دكاس درهام” في بريطانيا، ومجموعة “إيفرسون ليتمن” بأسمرا، ومجموعة “كاليبجيان” في باريس).
التي هي أصلاً قطع أثرية تم تهريبها من موطنها الأصلي (اليمن) في فترات زمنية متقاربة، سواءً في وقتنا الراهن أو إبان فترات الاحتلال البريطاني والعثماني.. وهنا ينبغي التأكيد أن استعادة تلك الآثار ومن عمق تلك المتاحف تبقى قضية عويصة لها أكثر من بعد وأكثر من اتجاه.
وفي الوقت الذي ظهر فيه من يُقلل من مقدرة السلطات اليمنية على استعادتها أو حتى المُطالبة بها، بحجة أن بلادنا لم توقع حتى الآن على معاهدات اليونسكو وجنيف، خاصة تلك البنود المُتعلقة بملاحقة المُهربين ومحاكمتهم مهما كانت هويتهم وأينما وجدوا أوحلوا.
هناك في المقابل وجهة نظر رسمية مُغايرة، فهذا عبد الله محمد باوزير- رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف – يؤكد أن استرجاع تلك الآثار ممكن حالياً، وذلك بموجب اتفاقيات “إعادة الممتلكات الثقافية”..إلا إنه عاد واستدرك أن الأمر ليس هيناً، ويحتاج إلى قضايا ومحاكم..وسيأخذ وقتاً طويلاً؟!.
كما كشف هشام الثور- مدير عام الإدارة العامة لحماية الآثار- في حديث سابق أن لديهم اتفاقيات مُسبقة مع المتاحف الدولية بخصوص استعادة الآثار المهربة، وأنهم نجحوا باسترجاع مجموعة من القطع عن طريق الانتربول الدولي، فيما تواجههم مشكلة عدم حيازتهم لملف “استرداد” يتضمن كل الآثار المُثبت ملكيتها لليمن.
هيئة الآثار...المسئول الأول
تعتبر الهيئة العامة للآثار والمتاحف هي الجهة الرسمية الأولى المخولة بحماية الآثار والتراث الثقافي اليمني، والتعريف بها في مختلف المحافل، وتولي عمليات اكتشافها ودراستها وترميمها بواسطة حفريات مستمرة تقوم بها بعثات أجنبية مختلفة وخبراء محليين متخصصين، وتوثيق كل ما يتم اكتشافه بداخل المتاحف التي أنشأتها ذات الهيئة في عموم محافظات الجمهورية.
هيئة فنية
يطلعنا هنا الدكتور عبدالله محمد باوزير رئيس الهيئة على عديد مهام يقومون بها، وهي حد وصفه تتجاوز ما ذكر آنفاً إلى جزئية التعريف بالآثار والتوعية في طرق الحفاظ عليها، وقد أصدروا لأجل ذلك عددا من المنشورات التعريفية والتوعوية دون استثناء وسائل الإعلام الأخرى من هذا الجانب.
لعل أبرز المسئوليات الملقاة على عاتق تلك الهيئة...حسب توصيف رئيسها باوزير تتركز بشكل بارز في الحد من عمليات العبث بالآثار والاتجار غير المشروع بها، وذلك بالتنسيق المستمر مع الأجهزة الأمنية المختلفة، المسئول الرئيسي عن مواجهة هذه الاختلالات...”فهيئة الآثار..” في الأول والأخير هيئة فنية ليس من اختصاصها ضبط ومطاردة المهربين..
ويضيف باوزير: إنهم في هذا الجانب لديهم إدارة خاصة بحماية الآثار، يتوزع مندوبوها في المنافذ البرية والبحرية والجوية، ويتمركزون أكثر في مطار صنعاء الدولي.
خطط طموحة
للهيئة..كما يفيد باوزير خطط مستقبلية طموحة يسعون جاهدين لتنفيذها،ولعل تفعيل وتنفيذ القوانين والتشريعات الخاصة بحماية الآثار هي الأبرز، يضاف إليها دعم وإصلاح مكاتب فروع الهيئة في المحافظات والمديريات مع تكريس نظام التفتيش الإداري والمتحفي، وتنفيذ المسح الشامل للمواقع الأثرية، وإنشاء شبكة إلكترونية في جميع المنافذ لضبط عمليات التهريب، وتبادل الخبرات والتجارب المتعلقة بحماية الآثار.
وبالنسبة للصعوبات والتحديات فهي كما يصف كثيرة جداً، وبمجملها تتركز في الجانب المالي، فتنفيذ البرامج والخطط يتطلب الكثير من الإمكانيات...مستدركاً: أحياناً تأتينا بلاغات ولا نتمكن من التحرك إلى موقع الشكوى بسرعة؛ لأنه ليس لدينا وسائل مواصلات لذات المهام..لافتاً إلى أن الهيئة تشكو أيضاً من عجز واضح في الكوادر المؤهلة خاصة في فروع المحافظات.
عدد من المهتمين بالآثار وصفوا المتاجرة بتاريخ وآثار اليمن «بالخيانة العظمى» .. وآخرون وصفوا تلك العملية بالخطر الذي يتهدد هويتنا وموروثنا الحضاري ..وتبقى الدعوة مفتوحة
لنتدارك الأمر..
ليست بلادنا الاستثناء الوحيد في “الخارطة” من هذا “التوغل” الجَارف..إلا أنها “الأكثر تضرراً”..فقد ساهمت أطراف عدة في ذلك..انطلاقاً من أن المال “السايب” يُشجع على السرقة..مواقع أثرية “نُهبت”..متاحف جُردت من حُللها..ويبقى “تدارك الأمر” عنوان المرحلة “الخفي”..فيما لسان الحال ما يزال يَصرخ يُنادي “وتَاريخاه..وحَضارتاه..” فمتى يُستجاب له..؟؟!!
الخيانة العظمى
تتلخص الدوافع التي تقف وراء إقدام بعض ضعاف النفوس من “المواطنين” على الاتجار با آثار حضاراتهم وتهريبها..إلى حشد هائل من الاختلالات..لعل أبرزها تفشي ثقافة الجهل المُدقع عند هؤلاء..ووقوعهم تحت شراك الطمع والاغرآت التي تتوارد عليهم إما من هنا أومن هناك.
يضاف إليها أسباب ثانوية أخرى كاتساع رقعة المنافذ اليمنية، وعدم وجود سياسة شاملة للمحافظة على هذا التراث, ووقوع بعض المعالم تحت عبء التمدن الفوضوي, بالإضافة إلى وجود المباني الأسمنتية الحديثة وسط تلك المواقع التاريخية رغم جهود الترميم والحماية الدولية والمحلية.
وقد أطلق الباحث يوسف أحمد مانع توصيف “الخيانة العظمى” على أولئك الذين يتاجرون بتاريخ وطنهم..وأن الأمر لا يقل شأناً عن خيانات التمرد والانفصال، وكلا “الخيانتين” - حد وصفه- تمثلان خطاً أحمر لا ينبغي تجاوزه بأي حال من الأحوال.
فالوطن أغلى من كل شيء..وإذا كانت الجهات المُختصة قد اتكلت في حفظ المواقع الأثرية على الله دون أن تعمل بالأسباب، فقد تركت بذلك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام لصوص الآثار..متسائلاً: لماذا لا يكون عمالقة السياحة هم السباقون إلى تلك المواقع المكشوفة أم أنهم لا يعرفونها إلا بمعرفة اللصوص وقُطاع الطرق..؟!.
ما زال مطموراً..
قبل بضعة أشهر كنت في محافظة عمران تلك المحافظة الغنية بآثارها ومواقعها التاريخية.. وأثناء تجوالي بمدينتها القديمة أخبرني عدد من المواطنين أن أغلب الآثار هناك مطمورة تحت التراب وأن جموعاً من المهربين يطلون بين الفينة والأخرى يكتشفون وينهبون ثم يرحلون.
طبعاً تلك الجريمة -أو الجرائم - المنظمة تشكو منها جميع مدن اليمن التاريخية.. وقد أخذت بعداً مثيراً للقلق وأضحت مجالاً خصباً لجني الأرباح عبر لوبيات وشبكات مافيا متخصصة.
ويحضرني هنا استشهاد أحد مواطني مدينة عمران من أن «المال السايب يشجع على السرقة».
مضيفاً: «إن المُهربين لم يأخذوا إلا القليل والباقي ما زال مطموراً » متسائلاً: «فهل تنقذ الجهات المعنية ما تبقى..؟!»
الخطر الحقيقي
يصف الدكتور/ ناجي صالح ثوابه ما يحدث بأنه “الخطر الحقيقي” الذي يتهدد تاريخنا وهويتنا وموروثنا الحضاري..المُتجسد أصلاً في بقايا هذه الآثار والمعالم العتيقة الرابضة ببهاء على ظهر جغرافيتنا اليمنية الأصيلة..فهي رمز وعنوان لوجودنا.. وستظل كما كانت دوماً مصدراً لفخرنا وعزنا.
وأضاف د/ثوابه إن اليمن يمتلك الكثير من المواقع الأثرية التي ترقى إلى أن تكون من المواقع الأثرية العالمية وفق معايير منظمة اليونسكو، وحين يتم استغلالها والاستفادة منها من خلال الاهتمام بها فإنها ستوفر موارد اقتصادية ممتازة.
ولفت د/ثوابه أن واجب الانتماء لهذا الوطن يستوجب من الجميع سرعة التحرك والعمل على وضع حد لمسلسل العبث بالآثار وما تتعرض له من سرقة وتهريب واستنزاف..متسائلاً هل بمقدورنا أن نستشعر هذه المسؤولية ونأخذ بزمام المبادرة في الحفاظ على ما تبقى من آثار؟.
وشدد ثوابة على ضرورة تكاتف كافة الجهود الوطنية لحماية المواقع الأثرية من العبث والتصدي الحازم لكل من يسعون إلى نهب القطع الأثرية وتهريبها، منوهاً في ذات الإطار إلى أهمية مضاعفة جهود هيئة الآثار للاضطلاع بكامل مسؤولياتها ومهامها الرقابية والإشرافية على أكمل وجه ووضع حد لعمليات تهريب الآثار بالتعاون مع الجهات المعنية، وكذا عدم التهاون في اتخاذ الإجراءات القانونية في حماية المواقع الأثرية والمتاحف وتمكين الفرق الميدانية من أداء مهامها على أكمل وجه وتفعيل الرقابة الصارمة على أي نشاط للشركات النفطية في المواقع الأثرية....
اختلالات مُشجعه !
إن تهريب الآثار اليمنية بمثابة سلب لهويتنا، وبتر لأجزاء مهمة من تاريخنا وحضارتنا، واستئصال لماضٍ عريق عاشه أجدادنا ذات زمن غابر..بصورة مُشينة لا يرضاها أحد، فهل يُعقل أن يسرق الواحد منا نفسه..أو أن يساعد على أن يأتي الآخرون لسرقته.. ؟!، تساؤل حفزني - وفي خاتمة هذا الملف- أن أبحث أكثر في مكامن الخلل الرئيسية..دون تجاهل “للحل الرادع” للمصيبة ككل.
وفي ذات السياق يرى كثيرٌ من المُهتمين أنه لا يمكن الحَد من هذا التفشي المريع لهذه الظاهرة إلا إذا عملت السلطات على قانون يُحرم الاتجار بالآثار.. وردع كل من يقوم بتهريبها، وإحالته إلى القضاء لينال جزاءه ويكون عبرةً للآخرين، أما أن يتم ضبط مُهربين للآثار ويتغاضي عنهم أو يعتقلون لمدة لا تتجاوز الأشهر فهذه هي المأساة المُشجعة للمُهربين أن يمارسوا أنشطتهم طول الوقت دون خوف.
حسنة وحيدة
يحرم القانون اليمني المتاجرة والعبث بالآثار وتهريبها، ويعتبر أي قطعة يتجاوز عمرها 200 عام قطعة أثرية، فيما يستثني بعض المشغولات اليمنية والحرفية التي يزيد عمرها عن 50 عام، وعلى الرغم من أن هذا القانون قد ألغى حرية تملُك المواقع الأثرية الذي كان معمولاً به إلى ما قبل العام 1997م، وحول تلك المعالم إلى ملك عام تتولى الدولة حمايتها والحفاظ عليها بكافة وسائلها المُتاحة عبر الهيئة العامة للآثار والمتاحف وفروعها المنتشرة في عموم محافظات الجمهورية، إلا إن تلك الثغرة القانونية التي عُمل بها على مدى سنين طويلة قد ساهمت إلى حدٍ كبير في تفشي ظاهرة البيع والشراء والتصدير.
وإن كانت وجهة نظر القانونين أن هذا التعديل جاء متأخراً.. إلا إنها تبقى “الحسنة الوحيدة” -حسب توصيف غالبيتهم - من بين كم هائل من إختلالات شملها القانون الحالي خاصة نصوصه العقابية التي جاءت ركيكة ولا تحقق الحماية الجنائية الكافية للآثار.
فمثلاً المادة (40) من ذات القانون أكتفت بفرض عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز(15000) ريال أو بالعقوبتين معاً لكل من حاز أثراً منقولاً دون إذن مُسبق أو أهمل ما حوله من معالم.. وكذلك فعلت المادة (39) التي أكتفت بمُعاقبة من شوه وطمس أثراً أو ساعد في ذلك بالحبس ثلاث سنوات، أو غرامة مالية موازية لما أتلف.
وجهات نظر
على ضوء تلك العُقوبات “الناعمة”.. ذهب عدد من المُهتمين في هذا الجانب إلى القول أن هذا القانون يتحمل جزءاً من مسئولية الخراب والنهب والدمار الذي ما زال يعبث بمواقعنا الأثرية المُنتشرة في ربوع الوطن..وطالبوا بمعاملة المُهربين “كخونة للوطن” وبدون الحبس المؤبد أو الإعدام لن يُجدي الأمر.. ولعل قيام محكمة الجنايات الكبرى في جمهورية مصر مع بداية ثمانينيات القرن المنصرم بالحكم بالسجن المؤبد على أشخاص حاولوا الاعتداء ونبش بعض مقابر الفراعنة بأسوان..كان دليل مُقنع على حذو ذات التوجه، لأن الصرامة في هكذا أمر تَحُد كثيراً من شيوع الكارثة.
في المقابل ثمة وجهة نظر مغايره رأت أن القانون مناسب..وأن مواده ممتازة..وجُل مطالبها تنحصر بإعادة النظر في آليات تطبيقه وحسب، فوجود الآليات المناسبة ستحد حتماً من شيوع الظاهرة، وعلى الدولة أولاً أن تنفذ قانون حصر وحماية المواقع الأثرية.. ثم توعي الناس بأهمية ما لدينا من آثار، فالناس إن أدركوا أن هذه الأمور محظورة عليهم وفق القانون المُستمد أصلاً من الشريعة الإسلامية سينقادون لتنفيذ بنوده بسهولة ويُسر.
خُلاصة القول
مما لاشك فيه أن جرائم تهريب الآثار اليمانية -القائمة منذ القدم- أضحت قضية شائكة تتشتت مُسبباتها وتتوزع أحداثها على ظهر الجغرافيا اليمنية..ومع مرور الوقت بدأت تأخذ بعداً دولياً منظماً يَصعب مواجهته أو الحد منه في ظل إمكاناتنا الاحترازية المتواضعة.
وإزاء هذا فقد بات من الضروري جداً بالنسبة لنا كيمنيين، وبحكم انتمائنا لهذا الوطن وكل ما يجمعنا به من روابط وجدانية وروحية، أن نستشعر مسؤولياتنا ونقف بوجه هذا الخطر المُحدق، باعتبارنا نقف أمام قضية وطنية بالغة الأهمية، فالدولة وحدها لن تستطيع إيقاف ذلك ما لم يتكاتف معها الجميع.
وخلاصة القول إن تضافر الجهود “كل الجهود” للحد من هذه “الكارثة” بات أمر مُهم وضرورة مُلحة وواجب ديني وقومي..ينبغي أن يُحشد ويهيأ له بعناية فائقة.. وفق خطط مدروسة تُسهم فيه جهات عدة مُختصة.. وتدعيمها بأساليب عملية رادعة.. مبتدأها سد تلك الفجوة التي أحدثها الفراغ الرقابي، من خلال التشديد الصارم لعمليات الضبط والحماية في جميع المنافذ والمواقع، على أن يتولى ذلك رجال آثار مُدريين تُصرف مُستحقاتهم أولاً بأول حتى يتمكنوا من أداء مهامهم بإخلاص واقتدار.
مع العمل على نشر الوعي الأثري بين كافة المواطنين، وتعريفهم بأهمية الآثار وأنها المرآة الصادقة لتاريخ الشعوب وعنوان هويتهم بكافة الوسائل الإعلامية، والعمل على إنشاء كليات للسياحة والآثار لتصبح مُخرجاتها رافداً مهماً في دراسة المواقع التاريخية وتوعية المجتمع بأهمية موروثنا الحضاري وقيمته ومن ثم ضرورة الحفاظ عليه وحمايته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.