الفيصل : علينا القيام بدور فاعل لتعزيز قدرات الأمة لصناعة المستقبل العربي المنشود افتتح رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان مؤتمر «فكر 9» الذي تنظمه «مؤسسة الفكر العربي» في بيروت بعنوان «العالم يرسم المستقبل... دور الشباب العربي»، حيث ألقى الرئيس سليمان كلمة قال فيها: أحسب أنه في اختياركم هذا شهادة لدور لبنان غير المنقطع في خدمة النهضة الثقافية العربية. ولعلنا نتلقاه بالوقت نفسه بصيغة دعوة متجددة للبنانيين أن يبقوا أوفياء لهذا الدور، يثيرون الأسئلة ويفتحون المسالك ويتطلعون إلى المستقبل ويعملون من أجل الوصل ما بين العرب عن طريق التفكير المشترك والتبادل والحوار”. وأضاف: “فيما أكبّر مجهوداتكم الكثيرة وأثمن ما أوتيت من ثمار، أتوسم في مؤتمركم اليوم، الذي يجمع كوكبة من أهل المعرفة والرأي، اندفاعة في مسار أطلقه ورعى تقدمه بهمة واهتمام سمو الأمير خالد الفيصل. ويلفتني في مؤسستكم الحرص الدائم على التفاعل الحق بين النخب الثقافية وصانعي القرار وأصحاب المبادرات، في وحدة المسعى والتطلع للاسهام في استشراف المستقبل والتعامل مع قضاياه وهواجسه. كما يستوقفني التنوع الذي تغتني به المؤسسة فتغني، في البرامج والمشروعات والإصدارات والجوائز، وفي المشاركات والتوجهات والشراكات. والتنوع ها هنا ليس نقيض الوحدة بل السبيل إليها، كما هي الحال في حركة الفكر الحر من قيد الأيديولوجية والآراء المسبقة بعيدا من فرض التماثل على المفكرين. أحيانا أمام احتمالات ينقلب فيها التنوع إلى فرقة ويجنح تأكيد الوحدة إلى نكران الخصوصيات، وتجاهل الذاكرات والتراثات والمنابع الروحية التي تنهل منها”. وتابع: “لذا إن التحدي اللبناني القائم على إشراك جميع الفئات والطوائف في السلطة وإدارة الشأن العام وليس فقط مجرد السماح لها بمساحة العيش جنبا إلى جنب، يزيد من حجم مسؤولياتنا كلبنانيين وكعرب لإنجاحه، في وجه بروز نزعة أصولية في الشرق تسعى لرفض الرأي الآخر، وأصوات باتت ترتفع في الغرب لتشكك في إمكانية نجاح نماذج العيش والحكم القائمة على التعددية الثقافية. غير أن محاذر المخاطر التي تشي بها تلك الاحتمالات تعنينا أيضا بوصفنا عربا، بل تعني العرب كلهم، وإن اختلفت نظمهم السياسية وتشكيلاتهم الاجتماعية. فالمصالحة بين الوطنية اللبنانية والانتماء العربي، وقد كرسها ميثاق الوفاق الوطني، مثلها كمثل المصالحة بين الوطنيات في العالم العربي والعروبة، ضرورة، للتوفيق بين تطلعنا المشروع إلى السير في بناء الدولة وبناء الوطن، لا الساحة المفتوحة أو أرض المنازلة، وبين التزام قضايا العرب القومية وأولها مواجهة العدو الإسرائيلي. وإن اللبنانيين اختبروا النتائج المؤذية لكل تعثر في بناء الدولة أو تأجيل له، أيا كانت الذرائع، كما اختبروا مساوىء الانطواء والدعوة إلى الانكفاء، أياً كانت المبررات”. وقال: “من التحديات الإضافية المطروحة أمامنا كعرب، تحقيق المزاوجة بين ثقافة السلام والفكر النهضوي التنويري، والفكر المقاوم لكل احتلال أو ظلم أو ضيم أو تخلف، قاسمهم المشترك البحث عن العدالة وتوفير مستلزمات حقوق الإنسان. كما والمزاوجة بين سعينا الدؤوب لبلوغ الحداثة بمختلف أبعادها، وضرورات المحافظة على المبادىء والقيم الأخلاقية والروحية التي تميز هويتنا المشرقية وشخصيتنا الجماعية المطبوعة بالعزة والإباء”. وأكد ان “علينا العمل قبل كل شيء بعزة ورؤيوية وثبات، لتمكين أنفسنا كعرب، من رسم مستقبلنا بأنفسنا، عوض أن يفرض علينا المستقبل أو أن يرسم لنا من قبل الغير، وكذلك السعي الحثيث لتوفير الفرص والأطر المناسبة لكي نكون فاعلين ومؤثرين في حركة الحضارة الكونية، خصوصا وأنه لا تنقصنا لا الطاقات المادية ولا القدرات البشرية، ونحن نختزن، على الأرض العربية وفي دول الانتشار الواسعة العديد العديد من كبار المفكرين والعلماء والمبدعين”. وقال: “ليست الخصوصية نقيض الكونية ولم تكن يوما كذلك في تاريخ العرب ولا سيما في عصور ازدهارهم وفي محاولاتهم النهضوية. ولعل الكونية أقرب لأن تكون خصوصية بلا أسوار. وليست النهضة العربية الحديثة عملية تاريخية محدودة في الزمن والأهداف. صحيح أن البعض أسدل الستار عليها بمجرد ما اعتقد أن مطمحها الاستقلالي قد بلغ مآله. غير أنها استمرت مؤثرة بوصفها موقفا من العالم الحديث وقيمه ورؤية للكون تسعى لأن تجعل للعرب حضورا في العالم ولا ترضى أن يخرجوا إلى هامشه”. وأضاف: “لم ينقطع مسار النهضة خلال القرن العشرين ومطالع القرن الحالي، إلا أنه تعثر أو أعيق، بفعل معارضة جذرية ناتجة عن الحاجة المشروعة إلى توكيد الذات الحضارية في وجه سياسة القهر والإخضاع والاستتباع. وقد صرفتنا هذه الحاجة عن كل ما عداها. وبالرغم من مشروعيته في السياسة والمشاعر الدينية، فقد أخذ توكيد الذات بطريقه، ضرورة التطلع إلى المصالحة مع الحداثة، وتجاوز الحداثة المأزومة والتفاعل مع ثقافات العالم على نحو يجعل من القيم الكونية، أو المسماة كذلك، كونية بالفعل، أي عربية وإسلامية أيضا. ولكي تصبح كذلك، يترتب علينا أن نسهم فيها مع سوانا فلا ينحصر خيارنا بين الالتحاق بالغير والاقتداء به من دون تمييز أو تقييم وبين الانفصال عنه ورفض كل ما يأتينا منه جملة وتفصيلا”. وشدد على انه “يستدعي ذلك وضع الفوارق بين الشعوب والثقافات والأديان في نصابها عوض إجهاد النفس في تضخيمها، وهو ما يفعله، على الضفة المقابلة، دعاة النظرة الجوهرية إلى العرب والمسلمين. ويتطلب ذلك ألا ننظر إلى العالم وكأنه مجرد خطر داهم علينا أو كأننا لسنا منه بل في قطيعة معه. ويقتضي ذلك إخصاب الحياة السياسية والثقافية العربية بتجارب تبلورت في أماكن أخرى من العالم، وبمراجعة ما خبرناه نحن في مراحل سابقة. ولا يغير ذلك شيئا في حاجتنا إلى استجماع قوانا لمواجهة إسرائيل وقوى السيطرة والتسلط، والتصدي لآفات بنانا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. بل لعله يؤمن بعض الشروط الضرورية له. وهو يوجه أنظارنا وطاقاتنا نحو اليقظة وتمكين ذواتنا الثقافية. وهو دأب مؤسستكم، التي أدعو لها بحسن المثابرة ودوام النجاح”. بعد ذلك، تحدث الامير الفيصل، شاكرا باسم أعضاء مؤسسة الفكر العربي ومنسوبيها “لبنان العروبة، على احتضانه هذه المؤسسة منذ قيامها وتقديمه كل العون لفعالياتها، وخصوصا تلك التي انتظمت على أرضه طوال سنواتها العشر”. وقال: “صممت المؤسسة على عقد مؤتمرها السنوي اليوم في دولة المقر لبنان، تضامنا مع هذا البلد العزيز على قلوب العرب جميعا، وحرصا على تخطيه الظرف الراهن، وتكريس وحدته الوطنية، بانخراط أطيافه كافة تحت لواء شجرة الأرز. كما يسعدني أن أرحب بضيوف المؤتمر الأفاضل، مقدرا حرصهم على التواصل مع المؤسسة وبذلهم خلاصة تجاربهم الثرية لمؤتمرها. وحيا المفكرين والمسؤولين والمهمومين بقيام الشراكة العربية، في حركة العالم التقدمية”. . وأعلن الامير الفيصل “ان هذا المؤتمر يتبنى في دورته (التاسعة) موضوعا بالغ الأهمية، عن الدور الحيوي الواجب والمستحق لأمتنا العربية، في خطط العالم نحو المستقبل، على مرجعية دورها السابق في مسيرة الحضارة الإنسانية وثراء حاضرها بالفرص والإمكانات التي تؤهلها مجددا لدور فاعل في صناعة هذه الحضارة، باعتبار أن الحضارة الإنسانية واحدة، تتناوب الأمم أدوار التأثر والتأثير في صناعتها والتعاطي مع مخرجاتها إرسالا واستقبالا في ما بينها. ونظرا لتعاظم هذا التناوب وتسارعه، بفعل الثورة الهائلة في تقنيات الاتصالات والمواصلات، فقد حرص المؤتمر على أن يجمع في ساحته بين أصحاب المبادرات وصانعي القرار والأكاديميين والمثقفين في المحيطين العربي والعالمي”. وقال: “المأمول من مؤتمركم الموقر أن يتوصل إلى اكتشاف الأساليب الحديثة والفاعلة التي تحفز الوعي بدور العرب الحضاري، وتطلق قدراتهم الآنية لصناعة المستقبل، بالبناء على الإرهاصات النهضوية التي تلوح الآن بالأفق العربي في أكثر من مكان. وهذه الإرهاصات تدركها العين المنصفة في الكثير من مبادرات الأعمال وتحديث الأفكار والتقنيات والوسائط التي تأخذ دورها في صنع الحضارة بالإبداع والتلاحم الاجتماعي وروح المبادرة واستمرار التعليم القائم على أسباب العصر وآلياته. وهكذا يحدونا الأمل في إحياء تشكيل يجمع بين هذه المقدرات التنموية، في كل الوطن العربي، نجابه به تحديات الضعف والشتات، ونعزز من خلاله توظيف هذه المقدرات، في خدمة مشروع أمتنا الحضاري”. وأشار الى ان “مؤسسة الفكر العربي إذ تواكب الاهتمام العربي والإسلامي، بالحوار بين الثقافات والأديان، الذي تبناه وأطلق شعلته خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، تؤمن بحكمة الانفتاح على ثقافات العالم، وتسعى لتعزيز الحوار الموضوعي معها، والبناء على المشتركات وما أكثرها، وإقامة الشراكات التي تحقق النفع للجميع. ولا شك أننا نسعى بذلك إلى أن تسود ثقافة العمل من أجل أن يسود السلام ، القائم على العدل والتكافؤ والتعاون، في ربوع المعمورة بديلا عن الصراع والتناحر، الذي يهدر الطاقات الإنسانية، ويهدد السلم العالمي”. وأعلن انه “في هذا العام، حيث تحتفل مؤسسة الفكر العربي بمرور عشر سنوات على قيامها، كان لها حضور في أكثر من مناسبة، وكانت بيروت أكثر المواقع احتضانا لمناسباتها. ففي مطلع العام، جاءت جامعة الدول العربية أولى المحطات، للمشاركة في الاجتماع التمهيدي للقمة العربية الثقافية، التي طرحت فكرتها المؤسسة أواخر العام الماضي من بيروت،التي استضافت المؤتمر التحضيري لها، الذي نظمته المؤسسة تحت مظلة الجامعة العربية، منتصف العام الحالي. وفي سبيلها لإنقاذ اللغة العربية من حالة الكساد والانكسار التي تعانيها، شهدت شوارع هذه العاصمة وساحاتها، تظاهرة كبرى ومهرجانا حافلا لهذا الغرض”. وقال: “في إطار اهتمامها بتطوير التعليم العربي، حيث نظمت له خمسة ملتقيات سنوية، ومشروعا تطبيقيا للتعليم الرقمي، وقبل أيام وقعت المؤسسة، مذكرة تفاهم لمشروع شبكة التطوير التربوي العربي مع مكتب اليونسكو الاقليمي، لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، كما سيتم اليوم - إن شاءالله - التوقيع على عقد المرحلة الثانية من مشروع التطوير، المستند إلى المدرسة في البلاد العربية “تمام 2”، مع الجامعة الأميركية في بيروت، بعد نجاح المشروع في مرحلته الأولى. كما دفعت المؤسسة في الوقت ذاته بتقريرها السنوي الثالث، عن واقع التنمية الثقافية في الوطن العربي، الذي حظيت إصداراته باهتمام كبير على الساحة العربية”. هذا وكان قد تحدث الأمين العام للمؤتمر عبد المنعم فقال: “نحييكم ونرحب بكم في الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر السنوي العام لمؤسسة الفكر العربي “فكر 9” والذي تحتضنه بيروت الفصيحة المثقفة، والمثقفة المبدعة حتى في قلقها.. بيروت التي أنابت عنا جميعا وهي تفكر وتتساءل وتبحث عن تصالح عبقري بين العروبة والتنوع الإنساني الخلاق، فلم يزدها هذا التنوع إلا تشبثا بعروبتها... ولم تزدها العروبة إلا انفتاحا على إنسانيتها”. وأضاف: “منذ بدأت مؤسسة الفكر العربي انطلاقتها في بيروت ونحن نكتشف كل يوم كم كانت بيروت سخية في احتضانها لكل مبادراتنا ومشروعاتنا كما أشار صاحب السمو رئيس المؤسسة في كلمته في حفل إطلاق التقرير العربي الثالث للتنمية الثقافية. في هذا المؤتمر، كما في العديد من مبادراتنا ومشروعاتنا نشغل بأسئلة المعرفة والثقافة... والثقافة مهما سعينا لاختزالها في تعريف ما، تظل حاضرة في السياسة والاقتصاد، وفي كل مجالات النشاط الإنساني. لا ندعي تقديم إجابة، لكن لا نكف عن طرح الأسئلة. ندرك أن دورنا، كما قال سمو رئيس المؤسسة أكثر من مرة، هو أن نهيئ الزمان والمكان لأصحاب الرؤى والأفكار، فنستمع في هذا المؤتمر إلى نخبة من صناع القرار ورموز القطاع الخاص والمجتمع الأهلي والمفكرين والخبراء في مناقشات مطولة ليومية حول أسئلة الحاضر العربي، وتحديات المستقبل”. حضر الجلسة الافتتاحية رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وزير الثقافة القطري حمد الكواري، رئيس الدورة الحالية لوزراء الثقافة العرب وزير خارجية سلطنة عمان يوسف بن علوي، الوزراء جان اوغاسبيان، عدنان السيد حسين، منى عفيش وعلي عبد الله، السفراء السعودية علي عسيري، سوريا علي عبد الكريم علي، سلطنة عمان محمد خليل الجزمي، مصر أحمد البديوي، تونس محمد سمير عبدالله، الإمارات رحمه الزعابي، النواب: نعمة طعمه، عاطف مجدلاني، عمار حوري، خالد زهرمان، احمد فتفت، رياض رحال، بهية الحريري وقاسم عبدالعزيز، مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو، الأمين العام ل«مؤسسة الفكر العربي» سليمان عبد المنعم، إضافة الى أعضاء مجلس امناء «مؤسسة الفكر العربي» ومديرين عامين وممثلين لمؤسسات فكرية وإعلامية وثقافية.