وقفت أمام المرآة.. لكن ليس لنظرة خاطفة.. ليس لتعديل نقابها.. أو تسريحة شعرها.. وقفت هذه المرة لتتأمل ملامح وجهها.. وضعت يدها عليه.. أخذت تدقق في ملامحه.. عينيها.. خديها .. أنفها.. تفاصيله الدقيقة.. ابتسامتها.. ”ما الذي يجعل هذا الوجه جميلاً؟ إنه ككل الوجوه فلماذا ينسبون إليه الجمال؟“.. قامتها.. بشرتها البيضاء.. نبست بحدة: “بمقاييسهم قد أكون جميلة وربما كانت زميلتي على حق.. الروح.. لأن الروح تنعكس على الملامح. لكن كيف لهم أن يروا روحي وجل تركيزهم على الملامح“. تمنت لو تتغير مقاييس الجمال لديهم لو تتغير ملامحها.. تساءلت وأظافرها تجوب مساحة وجهها: ”ماذا لو غيرتها؟! لن أبدو كما يرونني الآن“.. أخذ ذلك الشريط يمر أمام ناظريها.. منذ طفولتها.. بضحكتها الهادئة.. ظفيرتيها الصغيرتين.. فستانها الأزرق ..كانت جميلة العائلة.. لا تستطيع نسيان كلمات والدتها المؤنبة.. منعها لها من اللعب في الشارع, رددت وقد تشبثت أظافرها ببشرة وجهها“ يومها لم أكن أعلم لماذا“.. كطفلة وحيدة عاشت رغم وجود أشقائها وشقيقاتها.. وكذا أقربائها.. دُفنت بين أسوار الوحدة.. لطالما دققت خالتها في نوعية ملابسها إذا ما كان خالها موجوداً.. أما أعمامها فليس من المسموح مقابلتها لهم – رغم أنها لم تتجاوز مرحلة الطفولة.. كبرت قليلاً.. صار وجودها مع والدتها في المناسبات الاجتماعية تارة ممنوعاً وتارة أخرى ضرورياً وكأنها سلعة للعرض.. وقتها ليس للبيع بل للمفاخرة.. كانت تصر على الرفض فقد غرقت تماماً في الوحدة.. لا وقت لديها لهكذا مناسبات.. وإذا ما توفر فالقراءة بنظرها أولى.. أما دراستها ففي المرتبة الأولى.. حتى في المدرسة تقربت إليها الطالبات والمدرسات لكن لنفس السبب.. “كانت هذه الابتسامة.. هذه.. تخفي الكثير لكنها كانت صادقة.. كنت المبتسمة.. فهل مازلت؟“. كبرت وقد تعودت على الوحدة وأدركت سبب وحدتها.. توقف ذلك الشريط عند هذه النقطة.. ها هي الآن وحدها.. وحدها فقط في زيارة للمدينة التي يقطن بها أقرباؤها.. لتمضي وقت راحة بعيداً عن ضوضاء مدينتها.. أصبحت الآن لمن يعرفونها شبه مثالية.. مؤدبة.. متفوقة.. تمتمت بحرقة “وجميلة.. جميلة.. هذا أهم ما يفكرون به..” ولم تتجاوز العشرينيات.. هي الآن في هذه الغرفة وحيدة لأن شقيقها يفضل قضاء وقته في “المقيل” أما هي .. فلن تفكر بزيارة خالتها .. فخالتها صارت غيرتها أكبر حتى بعد أن صارت أماً.. أردفت: “وقد صرت شابة !!أما الخال العزيز فلن أدنو من منزله “ فلطالما رتبت جدتها زواجاً داخل الأسرة ولطالما رفض الأبناء وتردد الآباء.. مازالت ترفض فكرة الزواج أصلاً لأنها تدرك أن من يضعون القرابين أمام أسرتها هدفهم واحد.. سطحي لا يذهب أبعد من القشور ..استطردت: “ولن أخدعهم وأبيعهم شيئاً ستنتهي مدة صلاحيته في أية لحظة “غرزت أظافرها أكثر قائلة: “ربما هذه اللحظة؟!“ أحكمت قبضة كفها على وجهها.. كادت تمزق قطعة الجبن الأبيض كما كانت تدعوه صديقتها.. ثم.. تراخت يدها مخلفة أثراً خفيفاً.. التفتت إلى درج ملابسها ..نظرت إليه معلقاً كما هو.. ركضت إليه.. أمسكت به.. ارتدته.. همست بفرح: ”نقابي وجلبابي.. أخيراً سأخرج.. وسأمشي دون أن يعاملني أي أحد بأي اعتبارات أخرى“. تناولت كتابها وقررت التجول.