أحد الطلاب الدارسين في إحدى الجامعات الكولومبية حضر مع أستاذ إحدى المحاضرات في مادة الرياضيات وكان أسلوبه محبطاً للغاية ومنفراً إلى حد جعل الطلاب يشعرون بأنفسهم عالة على المفكرين الذين سدت الأبواب عند اكتشافاتهم, وأغلقت في وجوه من هم سواهم, بحيث ما وصلوا إليه هو غاية ما وصلت إليه البشرية بحجة أن ليس بالإمكان إبداع مما كان, وأنه لا جديد تحت الشمس.. كان الكلام مزعجاً بالنسبة للطالب الذي نتحدث عنه ما حدا به إلى أن ينام في تلك المحاضرة التي لم ترق له, فغط في نوم عميق هناك عند مؤخرة القاعة حتى لا ينتبه إليه الأستاذ، ولم يشعر بنفسه إلا على وقع أقدام الطلاب تتدافع نحو بوابة الخروج, ونظر إلى السبورة فوجد أن الدكتور قد كتب عليها مسألتين فنقلهما بسرعة وخرج من القاعة, وعندما رجع إلى البيت بدأ يفكر في حل المسألتين. لقد كانتا صعبتي المراس, ومعقدتين جداً تجعلان من ينظر إليهما من أول وهلة يظن جازماً ألا حلا لهما في فك شفراتهما، وعبثاً من سيحاول ذلك, لكن هذا الطالب أبداً ما كانت تدور في ذهنه مثل هذه الأفكار السلبية التي أصبحت اليوم سبب تعاستنا نحن العرب حين رهنا أنفسنا عند تلك الحدود الفاصلة التي وصل لها غيرنا, فذهب إلى مكتبة الجامعة وأخذ المراجع اللازمة. وبعد أربعة أيام استطاع أن يحل المسألة الأولى وهو ناقم على الدكتور الذي أعطاهم هذا الواجب الصعب!!. وفي محاضرة الرياضيات اللاحقة استغرب أن الدكتور لم يطلب منهم الواجب.. فذهب إليه وقال له: يا دكتور لقد استغرقت في حل المسألة الأولى أربعة أيام وحللتها في أربع أوراق!!. تعجّب الدكتور وقال للطالب: ولكني لم أعطكم أي واجب!!. والمسألتان اللتان كتبتهما على السبورة هما أمثلة كتبتها للطلاب للمسائل التي عجز العلم عن حلهما!!. إن هذه القناعة السلبية جعلت الكثيرين من العلماء لا يفكرون حتى في محاولة حل هذه المسألة, ولو كان هذا الطالب مستيقظاً وسمع شرح الدكتور لما فكر في حل المسألة!. فلرب نوم نافع.. وليس معنى ذلك أننا ندعو إلى النوم, وبالمناسبة مازالت هذه المسألة بورقاتها الأربع معروضة في تلك الجامعة, يقيناً لا يستطيع أحد أن يشكك في قدرة هذا الطالب الذي تحمّل كل صعب من أجل الوصول إلى مبتغاه, وقد كان له ما أراد, وغدا نجاحه مبهراً حتى عند أولئك الذين توقفوا عاجزين أمام هذه المسائل التي أعيتهم لكسلهم وتسليمهم لما قاله الأوائل, وهو عين الخطأ الذي جعل هذا الطالب يتجاوزه بتفكيره الإيجابي الذي قاده إلى النجاح. أما عن العوامل التي قادته إلى هذا النجاح فباعتقادي أنها تتمثل في عدة أمور أوضحها للقارىء بهذه الدراسة التي أجرتها جامعة بيل الأمريكية حول عدد الطلاب الذين لديهم أهداف واضحة قد كتبوها, ورسموا خططاً لإنجاحها, وجدت الدراسة أن 3 % من طلاب السنة الأخيرة في الجامعة قد فعلوا ذلك, وبعد عشرين سنة توبعت الدراسة بالاتصال بأولئك الطلاب ال3 % للنظر في وضعهم المالي والاجتماعي, فوجد أن هؤلاء ال3 % الذين كتبوا أهدافهم يحصلون مالياً على ما يعادل ال97 % الآخرين. وهنا نتوقف لنقول: إن الله سبحانه وتعالى عندما خلقنا بيّن لنا أن أجل كل واحد منا محدد, وأنه لن يخلد في هذه الدنيا أحد, وأنه لن يرجع إلى الدنيا بعد الموت أحد, فالوقت هو أثمن شيء في حياتنا, وما لم نستغل هذا الوقت الاستغلال الأمثل فإنه سيمضي ولن ينتظرنا حتى نفاجأ بالرحيل من هذه الدار, ولن يتأتى لنا شيء من ذلك ما لم يكن لدينا تفكير إيجابي بناء, نعيش به وعليه وفيه, والناجحون في هذه الحياة يعلمون حق العلم هذه المعادلة, ويعيشونها لحظة بلحظة, لذلك يخططون لحياتهم وينجزون دائماً. الناجحون في هذه الحياة يخططون لأنفسهم والمحيط الذي يعيشون فيه, وللمؤسسات التي يعملون فيها, وفي كل عام يعلمون ماذا يريدون إنجازه, ويخططون لأنفسهم (ما الذي أريد أن أنجزه هذا العام وكم من المال يريدون جمعه لهذا العام وماهي أولويات إنفاقه وصرف، وما هي العيوب التي يريدون التخلص منها, وكم مقدار الثقافة التي سيحصلون عليها.. وهكذا). أما الفاشلون في هذه الحياة, فيتركون كل شيء للأيام تعبث بهم, ويريدون من السماء أن تمطر ذهباً أو فضة.. ولكن الحقيقة القرآنية الثابتة تقول: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الرعد11). فهل نغير من أنفسنا من خلال تفكيرنا الذي يحتاج منا إلى أن نغير نمطه الذي عشش في قلوبنا وعقولنا بروتينه الممل والاعتيادي, أتمنى ذلك لنفسي أولاً ولإخواني القراء ثانياً.