ثمة خلط حادث في الدراسات المحدثة يكاد يمحو الفارق بين عناصر السرد وتقنيات السرد، والواقع أن العناصر السردية استقرت منذ سالف الزمان بوصفها مكونات قصصية جازت مرحلة الخلاف ،وقد كانت موزعة بين أنواع نثرية مختلفة.. فالزمان والمكان والحدث والحوار والسرد وغير ذلك هي ما نقصده بقولنا عناصر قصصية أو سردية ،ذلك لأن ضروب القص عامة تجعل من تلك العناصر مكونات فنية خالصة ،إذ الرواية والقصة والحكاية والقصة الشعرية تعتمد على هذه العناصر منفردة أو مجتمعة لتعبر عن ذاتها. أما موضوع التقنية في مسألة السرد فمختلفة جداً عن هذه العناصر ،ويمكن عد التقنية ضرباً من المهارة الفنية التي تسم كل نوع قصصي بسمات فارقة ،فالذي يميز عناصر السرد في الرواية من عناصره في القصة أو الحكاية هي التقنية السردية، والسؤال المهم ما المقصود بالتقنية السردية؟ اتضحت معالم التقنيات السردية مع ظهور كتاب جيرار جينيت، ولاسيما فيما اتصل بالثنائيات كثنائية القصة والخطاب والقصة والحكي ،وما نجم عن تلك المتقابلات من نظرات جديدة للزمن القصصي الذي يحكم أساساً بناء القصة عامة ،من خلال إيجاد مفاهيم مختلفة لأزمنة القص والتي تتوزع منطقياً بين مستويين: مستوى زمني خارجي وآخر داخلي ،والمقصود بالزمن الخارجي زمن الكاتب وزمن القارئ والزمن التاريخي، والزمن الداخلي: زمن القصة وزمن الكتابة وزمن القراءة. ومن المهم النظر إلى زمن القصة بوصفه زمن المادة الحكائية أو زمن الأحداث وعلاقته بالشخوص ،أي قبل أن تتحول القصة إلى شكل خطابي.. وثمة خلاف بين زمن القصة وزمن السرد يتمثل بالشكل الخطابي أصلاً ،بمعنى أن زمن السرد هو الذي يكسب القصة زمنيتها من خلال علاقة الراوي بالمروي له ،ويمتاز زمن السرد بالتراتب الخطي ،ومن ثم فهو لا يشترط التطابق مع ترتيب الأحداث التي تشكل المادة القصصية. إن أهم ما يتصل بالتقنيات السردية في الرواية المعاصرة تلك التي تنجم عما يسميه جينيت باللواحق ،كالارتداد والاسترجاع والاستذكار ،فهذه اللواحق في حقيقة الأمر تسهم في طي المسافات واختصار الأزمنة وملء الفجوات الناجمة عن عمل الكاتب، وفي الوقت نفسه تسهم في دفع السأم والملل عن القارئ، وتكسب العمل الروائي حيوية وتجدداً. واللواحق عند جينيت ثلاثة أنواع: لواحق داخلية ولواحق خارجية، ولواحق مزجية ،فاللواحق الداخلية تتمثل بالاسترجاع المتصل بالشخوص وبالأحداث ،الذي يتسق والزمن الروائي.. أما اللواحق الخارجية فتتمثل بالزيادات أو المعلومات التكميلية المساعدة على فهم الأحداث كالتمهيد للحدث أو وصفه أو غير ذلك.. في حين تتمثل اللواحق المزجية بالاستفادة من التقنيتين السابقتين. واللواحق بوصفها مكملات العمل الروائي تستدعي كما يشير جينيت السوابق، وهي مناورات سردية تتمثل بأحداث لاحقة يشير إليها المؤلف مسبقاً، وتقسم إلى قسمين: سوابق داخلية، وسوابق خارجية؛ فالداخلية ظاهرة سردية تتصل بصورة عارضة بالحدث الأساسي في الرواية ،أما الخارجية فهي إشارات مستقبلية تسهم في إبراز الحدث الأساسي في الرواية(1). وبعد ثمة سؤال نقدي متكرر فحواه: كيف يمن للكاتب القصصي العربي الإفادة من المنجز السردي التقني ،وفي الوقت نفسه يبقى مشدوداً إلى لغته وثقافته العربية ،بمعنى آخر ما المشترك وما الفريد في موضوع تقنيات السرد، ونحن لا نزال نعول على آراء جيرار جينيت وغير جينيت في هذا المجال؟ لقد قدم د. جميل حمداوي جملة من المقترحات بغية تعريب الفن الروائي المغاربي ،وحمله على النهوض بمقتضيات الأصالة، والإفادة مما عده تقنيات عربية أصيلة كتوظيف التراث توظيفاً إيجابياً والإفادة من الأشكال الحكائية العربية الموروثة ومن التخييل العجائبي والصوفي واستغلال الأنماط الدرامية الشعبية وغير ذلك.(2). والواقع أن تلك المقترحات من شأنها كما يشير السيد الباحث النهوض بفن روائي عربي ،غير أن الأهم من كل ذلك كما أرى التعبير عن خصوصية الثقافة العربية وضرورة وعي المشترك والفريد في مسألة الثقافي ،إذ المهم في هذه الناحية تحول الفن الروائي العربي إلى فن يخدم تطلعات المواطن العربي ويعبر عن مشيئته ويفيد من مقدرات اللغة العربية وإمكاناتها السردية الواسعة سواء أكانت نابعة من التراث أم من الواقع. الهوامش 1 - للتوسع ينظر فيما كتبته نعيمة فرطاس (نظام السرد في رواية الولي للطاهر وطار) موقع ضفاف الإبداع -صحيفة إلكترونية منشورة على شبكة المعلومات. 2 - السرد الروائي المغربي بين التجنيس والتأصيل التراثي د. جميل حمداوي -صحيفة إلكترونية منشورة على شبكة المعلومات.