محافظ الحديدة يزور روضة الشهداء بمربع المدينة    لقاءات الرياض.. محاولات إنعاش في واقع يزداد اختناقاً    من دارفور إلى لندن: خيوط الحرب السودانية تمتد إلى مصانع السلاح البريطانية    وقفة قبلية مسلحة في عمران وفاءً لتضحيات الشهداء    بمشاركة اليمن.. اتحاد كأس الخليج يحدد الثلاثاء المقبل موعدا لقرعة بطولة المنتخبات الأولمبية    مصر.. حكم قضائي بحبس "ميدو" نجم الزمالك ومنتخب مصر السابق    رئيس نادي التلال: "مرحلة تصحيح شاملة لإعادة هيبة العميد.. والقادم أفضل بإذن الله"    الصحافي.. حينما تتحول السلطة الرابعة إلى شريحة مسحوقة!    نابولي يهزم ليتشي ويعزز صدارته للدوري الإيطالي    أمين العاصمة يتفقد سير العمل بمشروعي صرف صحي في مديريتي الوحدة ومعين    إشهار برامج الدكتوراه لتسعة برامج أكاديمية طبية بجامعة 21 سبتمبر    إسرائيل تنتهك اتفاق غزة بقصف مكثف يقتل 91 فلسطينيا بينهم 35 طفلا    توقعات بموجة برد خلال الأيام القادمة.. وكتلة باردة جافة تسيطر على البلاد    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يبحث مع وزير الخدمة المدنية أوضاع الوظائف والتسويات بمحافظة لحج    الأجهزة الأمنية تطيح بمتهم متخصص في نشل جوالات النساء بمديرية المنصورة    فضيحة.. الاحهزة الامنية بتعز ترفض تامين محطة عصيفرة للكهرباء    البنك المركزي يحذر من المشاركة في أي إجراءات حوثية للتصرف في العقارات المملوكة للبنوك    مدير المواصفات يطلع على جناح الهيئة في معرض منتجات اليمن    منفذ الوديعة.. والإيرادات المفقودة    مدفعية العدو السعودي تستهدف القرى الحدودية في صعدة    أستاذ قانون دولي: أساتذة الجامعة في الجنوب براتب "جائع"    وقفة.. اللجنة الإعلامية لكرة القدم إلى أين؟    تعز.. توجيهات بتفعيل إلزامية التعليم الأساسي ومعاقبة أولياء الأمور المخالفين    غزة: 983 حالة وفاة بسبب منع السفر للعلاج خارج القطاع    4 قطع أثرية يمنية نادرة بمزاد أمريكي في نوفمبر القادم    المرشدي: إصلاح حضرموت مثل نموذجاً مميزاً في الشراكة ورافعة اجتماعية وثقافية مؤثرة    تسجيل 27 عملية قتل واختطاف في المناطق المحتلة    إصابة "صعبة العلاج" تكبح 50% من قدرات لامين جمال في الملعب    القوى الكبرى تصنع الأزمات لتملك القرار.. والحل في اليمن هو فك الارتباط السلمي    الإخوان وحلف القبائل.. خطر يهدد وحدة القرار الأمني في حضرموت    فضيحة جديدة لمعمر الإرياني: 12 مليون دولار لموقع إلكتروني!    منظمة أمريكية: يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولية تفشي الكوليرا في اليمن    18 قتيلاً في غرق مركب مهاجرين قبالة ليبيا    اكتشاف أثري في ذمار يسلط الضوء على الإدارة الهندسية المتقدمة للمياه    جزائية صعدة تصدر احكاما بقضايا مخدرات وتواجد غير مشروع باليمن    الجاوي: الحكم بالقوة والإكراه يجعل السقوط مفاجئاً    تعيين أمين عام للسياسي الاعلى بصنعاء واخر لمجلس الوزراء بعدن    افتتاح رصيف جديد لاستقبال السفن التجارية غرب اليمن    المقالح يصف سلطة صنعاء بسلطة الأهل وعيال العم المعزولة عن الشعب    قراءة تحليلية لنص "مراهقة" ل"أحمد سيف حاشد"    كأس المانيا: ضربات الترجيح تمنح بوروسيا دورتموند بطاقة التأهل على حساب اينتراخت فرانكفورت    توتر في منتخب إسبانيا.. ثنائي برشلونة يلغي متابعة كارفاخال بعد أحداث الكلاسيكو    انطلاق ملتقى "RT Doc" للأفلام الوثائقية بالقاهرة    رئيس هيئة الاستثمار يطلع على سير عمل مصنع شفاكو للصناعات الدوائية    النفط يتراجع مع ترقب زيادة إنتاج (أوبك)    نائب وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين والقطاع الخاص خلال اليوم المفتوح    الأسعار بين غياب الرقابة وطمع التجار    فلسفة السؤال    قراءة تحليلية لنص "ولادة مترعة بالخيبة" ل"احمد سيف حاشد"    ثاني حادثة خلال أقل من شهر.. وفاة امرأة نتيجة خطأ طبي في محافظة إب    وداعا أبا اهشم    مرض الفشل الكلوي (25)    عن ظاهرة الكذب الجماعي في وسائل التواصل الاجتماعي    عندما تتحول الأغنية جريمة.. كيف قضى روفلات القومية على أحلام عدن؟    الأوقاف تحدد 30 رجب أخر موعد للتسجيل في موسم الحج للعام 1447ه    فلاحين بسطاء في سجون الحقد الأعمى    الآن حصحص الحق    أبشرك يا سالم .. الحال ماهو بسالم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدخل إلى مفهوم الإيقاع الداخلي للشعر
نشر في الجمهورية يوم 02 - 12 - 2011

ربما كانت إشكالية الإيقاع من أكثر إشكاليات الحداثة الشعرية بروزاً في القرن العشرين. حتى إن آراء مرموقة لم تزل، إلى الآن، لا تفهم من هذه الحداثة سوى كونها نقلة موسيقية حصلت من شعر البحور إلى شعر التفعيلة. وهي غالباً ما لا تميِّز – هذه الآراء – بينهما وبين الشعر الحر أو قصيدة النثر – فما بالك بالمتحدث عن مفهوم الكتابة إجمالاً؟!
هذه الإشكالية المستمرة تنسحب، للأسف، وبشكل أكثر تعقيداً، على مفهوم “الإيقاع الداخلي”، حتى يكاد المرء يتوهم أن هذا الإيقاع ما هو إلا مصطلح وافد لا علاقة للُّغة العربية به؛ فما على النقَّاد بهذه اللغة من ضير، بالتالي، إذا ما شحذوا الهِمَمَ لاستيراد مفاهيم اللغات الأخرى، الفرنسية والإنكليزية، كما جرت العادة، للاستعانة بها في إيضاح هذا المفهوم – وكأن ما نُقِل عن النقَّاد الفرنسيين أو الإنكليزيين قد أوضحه حقاً!.
أبدي هذا الكلام الذي يدعو للارتياب، لا لكي أوضح هذا المصطلح وحسب، وإنما لأعيد قراءة ما تمَّ قولُه، ولأستقرئ إلى أيِّ شيء يمكن أن يفضي بنا، تاركاً تناول مفهوم الإيقاع مجرداً – حسب ما أرى – لمناسبة أخرى، ولأستعرض أنواعه المتداولة في كتابات النقَّاد، بما يتطلَّبه المجال هنا، ما دام يشكِّل مدخلاً، وإنْ بسيط، لاستكشاف بنيته الداخلية.
الإيقاع باعتباره بنية نظمية
مع أن العرب ميزوا بين “الإيقاع” و”النظم” منذ البداية – البداية التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي – إلا أن ثمة من يرى أن الإيقاع ليس شيئاً آخر سوى نظم التفعيلات في البيت الواحد؛ أو، إذا ما شاء المرء أن يكون إيقاعُه حراً، الانتقال من نظم الأبيات والبحور إلى شعر التفعيلة، بما يتيح له حرية أوسع في حركة تنظيم التفعيلات – الشيء الذي لم يعد يجهله مهتمٌ بالشعر.
غير أن بعض ممثلي هذا النوع، اتِّكاءً على ما قرؤوه من إمكانيات أخرى للنظم في اللغات الأخرى، ولاسيما المذكورتين، اعتبروا أن الإيقاع يمكن أن يأتي على ثلاثة مستويات نوعية:
1. المستوى الأول: يعتمد الإيقاع فيه على نظام المقاطع؛ ويدعى بالإيقاع الكمِّي.
2. المستوى الثاني: وهو الإيقاع الكيفي، كون الإيقاع يقوم على النَّبْر في الجُمَل، وربما في الكلمة الواحدة.
3. مستوى التنغيم: ويعتمد على أصوات الجُمَل، من صعود وانحدار وما شابه.
ما كان ثمة حاجة للتوسع في هذه الأنواع، لأنها تتعلق بما نسميه “الإيقاع الخارجي” للقصيدة، لولا أن التذكير أن النوع الأول هو المعتمَد في الإيقاع العربي، وأن هذا لا يمنع أو لا يلغي حضورَ النوعين الآخرين كمستوى متضمَّن في النوع الأول، بما يعني أن اعتمادهما، وحدهما، قد يُخرِج الإيقاع من مستوى النظم الخليلي وتطوراته إلى مستوى الشعر الحر (بما يُربِك، ربما، أطروحة كمال أبو ديب)؛ إضافة إلى أن هذا التذكير ينبغي أن يوضح أن المدى الزمني الذي يلتزم به نظام المقاطع هو من بنية الموسيقى الخارجية للشعر، ولا علاقة له بالإيقاع الداخلي، كما يتوهَّم بعض النقاد.
الإيقاع باعتباره بنية بلاغية
في الواقع يعتمد معظم النقَّاد هذا المستوى للدلالة على الإيقاع الداخلي. وربما هذا ما جعل د. نعيم اليافي يعتبر أن الوزن أساسه الكلمة، بينما الإيقاع أساسه الجملة أو الوحدة. وإذا كان من المسلَّم به أن اعتبار اليافي صحيح، فإن اعتبار هذا المستوى، وحده، بمثابة الإيقاع الداخلي للشعر مطلقاً قد لا يكون دقيقاً لسببين:
1. الأول: اتفاق معظم النقَّاد على أن الإيقاع شيء من طبيعة اللغة عامة؛ فهو خاصية نثرية وشعرية عامة.
2. الثاني: أن هذا المستوى يتضمن مستويين متمايزين أيضاً هما:
أ‌. المستوى الصوتي: كالجناس والتكرارات بشكل عام.
ب‌. المستوى الدلالي: كالطباق والتقديم والتأخير النحوي وما إلى ذلك.
وهذا، على ما أعتقد، كافٍ لرفض مقولة البلاغيين التقليدية التي تعتبر أن الإيقاع الداخلي هو الموسيقى المهموسة، أو المعتمدة على التجانس بين الحروف في الكلمة، أو الانسجام بين الكلمات في الجملة – ليس لأن ما توقَّف عنده النقاد القدامى من عيوب يروق لي الآن، وإنما لأن التنافر، في حدِّ ذاته، صار خاصية إيقاعية قد تكون جميلة إذا ما كانت تلبِّي ضرورة شعرية، كما هي الحال في الكثير من إبداعات الشعر الحديث.
الإيقاع باعتباره بنية دلالية
من الضروري الاستدراك، بدايةً، أن إفراد بنية دلالية للإيقاع قد لا يعني، بأية حال من الأحوال، أن المستويين السابقين خاليان من الدلالة – وإلا تحوَّل الكلام فيهما إلى لغو –، بل إن إيراد بعض الأصوات المبهمة، أو البدائية، يفضي، بدوره، إلى دلالة غالباً ما تشبه الدلالة الموسيقية المحضة.
وهذا يعني أن القصيدة الخالية من الوزن، أو من البلاغة، لن يتبقى لها من سمة إيقاعية سوى الدلالة. وهذه السمة تتحدَّد بالتوصيفات الإيقاعية في النوعين السابقين، إنما لكي تدل، ليس على علاقات صوتية، أو بلاغية، بل على علاقات دلالية، مثل العقدة والحل، أو التقابلات والتضادَّات، وما ينتج عنها من توازيات أو حلول جدلية.
لكن هذا الاستنتاج قد يبدو منطقياً أكثر مما يدلُّ تماماً على واقع إيقاع القصيدة التي هي نثرية بالضرورة؛ إذ علينا أن نتذكر أن الكلمات، مهما كان تركيبها، هي منظومة، ويصدر عنها صوت.
الإيقاع باعتباره بنية مرئية
ربما يكون توزيع الكلام، في القصيدة الخليلية، إلى شطرين هو نتيجة حتمية لطبيعة الأوزان التي تَنْظِمُه؛ مما يجعل القول في تقصُّد هذا التشطير، كحاجة إيقاعية مرئية، أقرب إلى التلفيق منه إلى طبيعة الأشياء. ومع ذلك، يمكن – بل هو من واقع الحال – أن يُعتبَر ذلك، ولا سيما بالمقارنة مع الأجناس الأدبية المعروفة، إحدى السمات العفوية للإيقاع المرئي.
في العصر الحديث، ومع تطور إيقاعات الشعر وتنامي العلاقات بين الأجناس الأدبية والفنية، بدأ الشعر يستفيد من أشكال الإبداعات الأخرى، بما فيها الرموز والعلامات الرياضية والهندسية، ليظهر نوع جديد من الإيقاع.
وباختصار، يمكن القول إن الإيقاع المرئي اعتمد بدايةً على ترك فراغات بيضاء في الأبيات والسطور؛ ثم انتقل إلى استخدام الرموز والعلامات العلمية، وخاصة الأشكال الهندسية؛ ليتجلَّى، فيما بعد، في تشكيل رسوم فنية، ليس من الخطوط، وإنما من كلمات القصيدة ذاتها.
الآن صار من الواضح أن أياً من الأنواع الأربعة لا يمكن أن يقوم، منفرداً، بالإيقاع الداخلي للقصيدة. ربما تعوَّدنا، تبسيطاً للأشياء، على اعتبار الإيقاع البلاغي، والإيقاع الدلالي، وربما المرئي، أحد أشكال الإيقاع الداخلي الممكنة؛ لكن هذا ينبغي ألا يذهب بنا إلى أكثر من ذلك. فالناقدة يُمنى العيد، على الرغم من اعتمادها الإيقاع البلاغي كمقدمة للدخول في مفهوم الإيقاع الداخلي للقصيدة، إلا أنها حين وصلت إلى تحديد هذا المفهوم انتقلت إلى بداية ثانية جديرة بالتنويه حقاً.
قد لا يكون ما توصلت إليه يمنى العيد محدَّداً بهذا الوضوح الذي يمكن أن نتحدث من خلاله عن الإيقاع الخارجي مثلاً؛ ولكنها، على الأقل، ألمحت إلى طبيعة البنية التي يقوم بها، أو عليها، الإيقاعُ الداخلي، وبخاصة حين ركَّزت على اعتباره نتيجة لحركة مكوِّنات النص بكلِّيته، أو بتعبير آخر، نتيجة لكيفية العلاقات القائمة بين هذه المكوِّنات.
الإيقاع الداخلي، إذن، هو بنية جوهرية (إذا صح التعبير) للنص – أيِّ نص – وليس خاصاً بقصيدة النثر وحدها، كما يظن بعض النقَّاد. وإذا كان من البدهي، لكي نستطيع أن نصل إلى هذا الجوهر، أن نقرأ أشكاله البنيوية (وقد ذكرت أربعة منها)، إلا أن هذه القراءة هي مجرد وسيلة، وقد لا تكون مقنعة دائماً. لذلك قد يكون لطبيعة الجنس الأدبي دورٌ رئيسي في تحديد ملامح الإيقاع الداخلي لهذا الجنس، أو لأيِّ نصٍّ من نصوصه. وربما قد لا يكون الإيقاع الداخلي شيئاً آخر سوى هذه الطبيعة ذاتها – الشيء الذي يحتاج إلى فرصة أخرى لدراسته وللتأكيد عليه!
بعض المراجع
- أبو ديب، كمال، في البنية الإيقاعية للشعر العربي (دار العلم للملايين، بيروت 1974).
- البحراوي، سيد، الإيقاع في شعر السياب (نوارة للترجمة والنشر، مصر 1996).
- العيد، يمنى، في معرفة النص (دار الآفاق الجديدة، بيروت 1983).
- المهدي، صالح، إيقاعات الموسيقى العربية وأشكالها (بيت الحكمة، قرطاج 1990).
- اليافي، نعيم، الشعر العربي الحديث (وزارة الثقافة، دمشق 1981).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.