لا أعتقد أن من محددات النجاح الحقيقي للشخصية أن تكون مثيرة للجدل في جانبها الإنساني، لكن لا يختلف اثنان على أن صابر الشاب المسلم الهندي كان أحد أكثر العقول عبقرية خلال القرن الحالي. حيث ساهم هذا الشاب في تغيير نظرتنا للإبداع، وقدم في حياته للجيل الحالي أروع إنجاز علمي كبير عبر اقتناعه بأن ما هو ممكن لي هو ممكن لغيري مع التأكيد على إن الكثير من الناس تجهز لنفسها الأعذار كي تقولها اذا فشلت. من ضمن هذه الأعذار: الجو الذي نشأت به والتربية التي تربوها، و البلد من أفقر ما يمكن والجهل فيها يفوق الاحتمال.. وإنهم يقتلون العلم ويذبحون المبدعين، وغيرها. ولا شك إن البيئة تؤثر.. إلا إنها لا تحدد، مصيرنا في الحياة.. وحتى لو اعتبرنا صحة هذا الأمر بنسبة تفوق ال 80 في المائة مثلاً، إذن فهناك نسبة ضئيلة تترك لك مساحة كافية لانفرادية التحرك.. وذاتية التصرف.. فقط ابحث عن هذه المساحة.. ستجدها وتحرك فيها.. ثم.. مبروك.. لقد أصبحت احد الناجحين في هذه الحياة! وقصة الشاب صابر ليست قصة رجل واجه صعاباً رهيبة وظروفاً في قمة الصعوبة، لا.. بل محور القصة يدور حول أن هذا الرجل نجح نجاحاً عالمياً مبهراً.. ونجح نجاحاً كبيراً وأصبح عظيم الثراء، رغم إنه نشأ في بيئة هي الفقر بعينه، ودولة كانت من أكثر الدول فقراً وبؤساً وجهلاً.. ليثبت إن النجاح لا يحتاج لتربة مناسبة ومثالية لينمو فيها بل كل ما يحتاجه وضوح الهدف.. وإصرار عليه.. و عقل جيد مبتكر يعرف ما يفعله.. فقط! تماماً كما هو الحال مع صابر باتيا مخترع أكبر وأضخم بريد الكتروني في العالم وهو بريد الهوت ميل، فهو المخترع الهندي الذي اخترع لنا الهوت ميل، نعم لا تتعجبون فالمخترع ليس امريكياً بل هو هندي. البريد الساخن (hotmail) هوتميل هو أكثر ما يستخدم من أنواع البريد حول العالم وهو تابع لشركة ميكروسوفت الأمريكية وهو ضمن بيئة ويندوز التشغيلية وخلف هذا البريد الساخن قصة نجاح شخصية تستحق أن نذكرها، ففي عام 1988 قدم صابر إلى أمريكا للدراسة في جامعة ستنافورد وقد تخرج بامتياز مما أهله للعمل لدى إحدى شركات الانترنت مبرمجاً وهناك تعرف على شاب تخرج من نفس الجامعة يدعى: جاك سميث، وقد تناقشا كثيراً في كيفية تأسيس شركتهما للحاق بركب الانترنت وكانت مناقشاتهما تلك تتم ضمن الدائرة المغلقة الخاصة بالشركة التي يعملان بها وحين اكتشفهما رئيسهما المباشر حذرهما من استعمال خدمة الشركة في المناقشات الخاصة عندها فكر (صابر) بابتكار برنامج يوفر لكل إنسان بريده الخاص وهكذا عمل سراً على اختراع البريد الساخن وأخرجه للجماهير عام 1996 وبسرعة انتشر البرنامج بين مستخدمي الانترنت لأنه وفر لهم أربع ميزات لا يمكن منافستها. والمميزات كما هي معروفة أن هذا البريد مجاني وكذلك فردي و سري بالإضافة إلى أنه من الممكن استعماله من أي مكان بالعالم، وحين تجاوز عدد المشتركين في أول عام العشرة ملايين بدأ يثير غيرة ( بيل جيتس) رئيس شركة ميكروسوفت وأغنى رجل في العالم حينها وهكذا قررت ميكروسوفت شراء البريد الساخن وضمه إلى بيئة الويندوز التشغيلية، وفي خريف 1997 عرض على صابر مبلغ 50 مليون دولار غير إن صابر كان يعرف أهمية البرنامج والخدمة التي يقدمها فطلب 500 مليون دولار وبعد مفاوضات مرهقة استمرت حتى العام التالي وافق صابر على بيع البرنامج ب 400 مليون دولار على شرط أن يتم تعيينه كخبير في شركة ميكروسوفت واليوم وصل مستخدمو البريد الساخن إلى 90 مليون شخص وينتسب إليه يومياً ما يقارب 3000 مستخدم حول العالم. أما صابر فلم يتوقف عن عمله كمبرمج بل ومن آخر ابتكاراته برنامج يدعى (آرزو) يوفر بيئة آمنه للمتسوقين عبر الانترنت وقد أصبح من الثراء والشهرة بحيث استضافه رئيس أمريكا السابق بيل كلينتون والرئيس شيراك ورئيس الوزراء الهندي بيهاري فاجباني، وما يزيد من الاعجاب بشخصية صابر إنه ما إن استلم ثروته حتى بنى العديد من المعاهد في بلاده وساعد كثيراً من الطلاب المحرومين على إكمال تعليمهم (حتى قيل إن ثروته انخفضت بسرعه الى 100 مليون دولار). إن قصة نجاح صابر مميزة تستحق الدراسة والثناء والتأثر بها كما إنه نموذج وفاء كبير جداً لبلاده، وكل ذلك بفضل الله وبفضل تأمله في الحكمة القائلة إن الحياة تجربة تستحق المحاولة فلا تيأس، ونخلص من قصة هذا المبتكر الرائع إلى عدة أمور محددة نجمل من خلالها وصفة للنجاح الذي يبحث عنه البعض تحت الشمس خلافاً لمن رضخوا لمقولة لا جديد تحت الشمس وهذه الأمور تتمثل في الآتي:- - المثابرة كنز لا يقدر بثمن: فلا يوجد عباقرة بالفطرة بل يوجد مجتهدون يسعون لتحقيق ما يؤمنون به لأنفسهم ولمن حولهم، ولا يفشل حقاً إلا أولئك الذين يكفون عن المحاولة! وتذكر أنك إن أردت أن تبحث عن الفرص فابحث عنها وسط الصعوبات! - اتبع فضولك: فلا تمنع نفسك من السؤال ولا تتوقف عنه. - المعرفة تأتي من الخبرة: فالمعرفة ليست مجرد مجموعة من المعلومات التي يمكن لأي منا الحصول عليها دون أي جهد يذكر، بل المعرفة الحقيقية هي العمل باجتهاد لاكتساب الخبرات. وبنفس المعنى له كلمة معبرة جداً يقول فيها إن التعليم هو كل ما يتبقى في عقولنا بعد أن ننسى كل ما أخذناه في المدرسة! - تعلم قواعد اللعبة أولاً: فنحن بمجرد أن ندرك حدود إمكانياتنا تكون الخطوة التالية هي السعي لتخطي هذه الحدود، فلا يستطيع تحقيق المستحيل إلا أولئك الذين يؤمنون بما يراه الآخرون غير معقول! - ابحث عن البساطة: فأي أحمق يستطيع أن يجعل الأمور تبدو أكبر وأكثر تعقيداً، لكنها تحتاج للمسة من عبقري لتبدو أبسط! - الخيال أكثر أهمية: لأن الخيال هو الدافع الذي يحفزنا لنطور أنفسنا بالابتكار والتجديد. - ارتكب الأخطاء: فالطريقة الوحيدة لعدم ارتكاب الأخطاء هي عدم القيام بأي أشياء جديدة! - ابحث عن القيمة: وفي ذلك يقول أينشتاين: «لا تكافح من أجل النجاح، بل كافح من أجل القيمة». - لا تتوقع نتائج مختلفة: فلا يمكننا حل المشاكل المستعصية إذا ظللنا نفكر بنفس العقلية التي أوجدت تلك المشاكل، ولأينشتاين وجهة نظر غريبة بعض الشيء في حل المشاكل فيقول: “إذا كان لدي ساعة لحل مشكلة سأقضي 55 دقيقة للتفكير في المشكلة، و5 دقائق للتفكير في حلها!” وهنا لا بد أن نهمس في أذن من يريد الإبداع في حياته ونقول له: أن تكون وسط بيئة تعتبر – نظرياً – غير قادرة على الإطلاق أن تعطي اي شيء لا شخصا ناجحا فقط: هذا لا يعني انك لن تنجح! وكثيرين هم من يقولون لك إن البذرة لن تنبت إلا في جو مناسب وتربة جيدة مناسبة وإلا لن تعطي نباتاً، فقل لهم حينها إنك كثيراً ما شاهدت العشب ينمو في الشوارع مخترقاً أسفلت الطريق! [email protected]