الطيران الأمريكي يجدد قصف ميناء نفطي غرب اليمن    مسلحون يحاصرون مستشفى بصنعاء والشرطة تنشر دورياتها في محيط المستشفى ومداخله    سريع يعلن استهداف يافا بفلسطين المحتلة    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    قائد الاحتلال اليمني في سيئون.. قواتنا حررت حضرموت من الإرهاب    تراجع في كميات الهطول المطري والارصاد يحذر من الصواعق الرعدية وتدني الرؤية الافقية    باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    هزتان ارضيتان تضربان محافظة ذمار    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    الجنوب هو الخاسر منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    عنجهية العليمي آن لها ان توقف    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    غريم الشعب اليمني    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العدالة الانتقالية.. مواجهة الماضي للعبور إلى المستقبل
لمساعدة البلد في الانتقال من مرحلة الديكتاتورية والنزاعات المسلحة إلى التنمية والديمقراطية بشكل سلمي، يجب فتح ملفات الماضي ومناقشتها وإنهائها بشكل مرضي...

العدالة الانتقالية هي فلسفة ومنظومة من المبادئ، الهدف منها معالجة آثار النزاعات أو عهود الحكم القمعية، والتي انطوت على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ولذلك لمساعدة البلد في الانتقال من مرحلة الديكتاتورية أو النزاعات المسلحة بشكل مباشر وسلمي (غير عنيف) إلى التنمية والبناء والديمقراطية.
فما من شك أن كل وضع غير ديمقراطي واستبدادي ينتج عنه صور مختلفة من انتهاكات حقوق الإنسان، ولأنه لا يمكن التقدم للأمام وتحقيق أي انتقال ديمقراطي ما لم تتم معالجة ملفات الماضي فيما يتعلق بتلك الانتهاكات، يتم تطبيق العدالة الانتقالية.
وهي لا تقوم على الثأر والانتقام، ولكن الوصول إلى حل وسط بين الحاكم والمحكوم، بين مرتكب الانتهاكات وضحاياه، في محاولة لمراجعة ما تم، والخروج الاستراتيجي منه، لإعادة بناء وطن للمستقبل يتسع للجميع، قوامه احترام حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون.
وليست العدالة الانتقالية نوعًا “خاصًّا” من العدالة، إنّما مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الانتقال من النزاع أو قمع الدولة.
ومن خلال محاولة تحقيق المحاسبة والتعويض عن الضحايا، تقدّم العدالة الانتقالية اعترافاً بحقوق الضحايا وتشجّع الثقة بالعمل المدني وثقافة اللاعنف، وتقوّي سيادة القانون والديمقراطية.
ما هو هدف العدالة الانتقالية؟
تسعى العدالة الانتقالية إلى بلوغ العدالة الشاملة أثناء فترات الانتقال السياسي للمجتمعات والشعوب (مثل الانتقال من الحرب إلى السلم/ أو من الشمولية إلي الديمقراطية).
وتهدف العدالة الانتقالية إلى التعامل مع ميراث انتهاكات حقوق الإنسان بطرق ومناهج واسعة وشاملة تتضمن العدالة الجنائية، وعدالة جبر الضرر، والعدالة الاجتماعية والعدالة الاقتصادية وإصلاح المؤسسات التي كانت أو من الممكن أن تكون أداة للقمع وانتهاك حقوق الإنسان.
وترتكز على اعتقاد مفاده أن السياسة القضائية المسؤولة يجب أن تتوخى هدفاً مزدوجاً وهو: المحاسبة على جرائم الماضي، والردع العام لتجنب مثل هذا النوع من الجرائم في المستقبل.
كما لا تغفل الصفة الجماعية لبعض أشكال الانتهاكات مثل: عمليات الإبادة الجماعية والمذابح الجماعية والتطهير العرقي، وغيرها.
الأركان السياسية للعدالة الانتقالية:
- حقّ الضحايا أن يروا معاقبة كبار المرتكبين.
- معرفة الحقيقة كاملة.
- الحصول على تعويضات عادلة تجبر الضرر.
ولأنّ الانتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان لا تؤثر على الضحايا المباشرين وحسب، بل على المجتمع ككلّ، فمن واجب الدول أن تضمن، بالإضافة إلى الإيفاء بهذه الموجبات، وعدم تكرار تلك الانتهاكات، وبذلك واجب خاص يقضي بالنقطة الرابعة وهي:
- إصلاح المؤسّسات التي كان لها يد في هذه الانتهاكات أو كانت عاجزة عن تفاديها.
حيث إن الانتهاكات الجسيمة التي لم تُعالج ستؤدي إلى انقسامات اجتماعية، وستولّد غياب الثقة بين المجموعات وفي مؤسّسات الدولة، فضلاً عن عرقلة الأمن والأهداف الإنمائية أو إبطاء تحقيقهما.
كما أنّه سيطرح تساؤلات بشأن الالتزام بسيادة القانون، وقد يؤول هذا التساهل في نهاية المطاف إلى حلقة مفرغة من العنف في أشكال شتى، وكما يبدو جليًّا في معظم الدول حيث تُرتكَب انتهاكات لحقوق الإنسان، تأبى مطالب العدالة أن “تتلاشى”.
متى نشأت العدالة الانتقالية؟
كان الظهور الأول لما نعرفه اليوم بالعدالة الانتقالية في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)عند فتح مكة عندما خاطب أهلها بقوله: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) بعد أن فتحها بجيش جرار أراد المسلمون من خلاله إثبات انتصار الحق على الباطل، وحدد حينها رسول الله قائمة بكبار أعداء الإسلام، والذي أمر بقتلهم ولو وجدوا معلقين على أستار الكعبة.
وفي العصر الحديث كانت التجربة الأولى للعدالة الانتقالية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ومحاكمات نورمبرغ والقضاء على النازية، وقد توطد مفهوم العدالة الانتقالية فيما بعد وأخذت الشكل الأكثر نضوجاً الذي نريد العمل به اليوم وذلك بفضل:
محاكمات حقوق الإنسان في اليونان في أواسط السبعينيات، والمتابعات ضد الحكم العسكري في الأرجنتين، وجهود تقصي الحقائق في أمريكا الجنوبية؛ فقد ساهمت لجان الحقيقة في تشيلي 1990 والأرجنتين 1983 في ترسيخ معنى العدالة الانتقالية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.
كذلك ما يعتقد أنه ساهم في ترسيخ مفهوم العدالة الانتقالية فتح ملفات وكالة الأمن الداخلي السابق في ألمانيا، وكذلك منع منتهكي حقوق الإنسان السابقين من الوصول إلى مناصب في السلطة من خلال ما عرف بعمليات التطهير في تشيكوسلوفاكيا 1991.
وكان للجنة الحقيقة والمصالحة التي أنشأتها جنوب أفريقيا عام 1995 دور كبير ومهم في دفع مجتمعات أخرى لتبني فكرة العدالة الانتقالية.
وأخيراً، تكللت كل تلك الجهود في مجال العدالة الانتقالية، بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية التي تعتبر قمة التطور في نضال البشرية ضد امتهان كرامة الإنسان وحقوقه.
ومن خلال التجارب السابقة نستخلص العناصر السياسية الشاملة للعدالة الانتقالية:
ليست مختلف العناصر المكوَّنة لسياسة العدالة الانتقالية عبارة عن أجزاء في لائحة عشوائية، إنّما منظومة متكاملة من الإجراءات تتصل الواحدة بالأخرى عمليًّا ونظريًّا.
وأبرز هذه العناصر الأساسية هي:
أولاً: الملاحقات القضائية، لاسيّما تلك التي تطال المرتكبين الذين يُعتَبَرون أكثر من يتحمّل المسؤولية.
حيث أنه لاتزال المحاكمات مطلباً رئيسياً للضحايا، ومتى تمّت بأساليب تعكس حاجات الضحايا وتوقّعاتهم أمكنها أن تضطلع بدور حيويّ في إعادة كرامتهم وتحقيق العدالة وإنهاء النزعة العنيفة لديهم بالانتقام، وغالباً ما تركّز استراتيجيات الملاحقة الفاعلة الخاصّة بالجرائم الواسعة النطاق على المخططين للجرائم ومنظمّيها، أكثر منه على ذوي المراكز الأقلّ شأناً أو مسؤولية.
والملاحقة القضائية على الجرائم الدولية قد تُحدِث أثراً أكبر متى تمّت متابعتها محلياً، ضمن المجتمع الذي ارتُكِبَت فيه الجرائم. إلا أنّ المجتمعات الخارجة من نزاع معيّن أو التي تمرّ بمرحلة انتقالية كالتي تمر بها اليمن، قد تفتقر إلى الإرادة السياسية للملاحقة على هذه الجرائم، وقد تعجز الأنظمة القانونية أمام حالة مماثلة، وقد تكون التسويات السياسية أو اتفاقات نقل السلطة هي العائق أمام تقديم مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية إلى العدالة.
وأحياناً حتى الأنظمة القانونية المتطوّرة التي تعالج الجرائم العادية بشكل أساسي قد تفتقر إلى القدرة على معالجة هذه الجرائم بفعالية والقانون اليمني مثال على هذا، ليس كونه قانوناًَ متطوراً ولكن لأنه عاجز عن معالجة آثار الجرائم المرتكبة والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في مرحلة صعبة كالتي تمر بها اليمن في الوقت الراهن، وقد تستوجب هذه المشاكل المساعدة الدولية التي ترتكز على الممارسات الفضلى من أماكن أخرى مثلاً بتشكيل محاكم “مختلطة” تضمّ شخصيّات فاعلة، دولية ومحلية، في مجال العدالة.
وقد أُنشئت مثل هذه المحاكم في سييراليون، وكوسوفو، والبوسنة، وتيمور الشرقية، وكمبوديا، وهذا صعب التحقيق إلى حدٍ كبير في اليمن.
ولذلك قد تصل الأمور في هذه الحالة للجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، حيث تعمل هذه المحكمة على التحقيق مع الأفراد المسؤولين عن الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضدّ الإنسانية، وتعمل على محاكمتهم في الظروف التي تكون الدول فيها غير راغبة أو غير قادرة على القيام بذلك.
ثانياً: جبر الضرر، الذي تعترف الحكومات عبره بالأضرار المتكبَّدة وتتّخذ خطوات لمعالجتها. وغالباً ما تتضمّن هذه المبادرات عناصر مادية (كالتعويضات المالية النقدية أو الخدمات الصحيّة أو توفير أدنى وسائل الحياة الكريمة لذوي الضحايا الذين فقدوا عائلهم على سبيل المثال) فضلاً عن نواحٍ رمزية (كالاعتذار العلني أو إحياء يوم الذكرى).
تأخذ الدول على عاتقها واجباً قانونياً بالاعتراف بالانتهاكات الواسعة النطاق أو المنتظمة لحقوق الإنسان وبمعالجتها في الحالات التي كانت الدولة هي المتسبب بتلك الانتهاكات أو أنها لم تحاول جاهدةً تفاديها.
وتهدف مبادرات جبر الضرر إلى معالجة الأضرار الناتجة عن تلك الانتهاكات، فتكون على شكل تعويض عن الخسائر و(ما فات الضحايا من كسب وما لحقهم من خسائر)، ما يساعد على تخطّي بعض تبعات الانتهاكات.
ويمكن أيضاً أن تكون موجّهة نحو المستقبل بالعمل على إعادة تأهيل الضحايا وتأمين حياة أفضل لهم، وجبر الضرر المعنوي الناتج عن الانتهاكات بحقهم.
إنّ التعويضات التي تنتج عن مشاورات جادة وهادفة مع الضحايا لهي الطريقة الأنجح والأنجع في تحقيق الأهداف السامية للعدالة الانتقالية، كما يمكن المساهمة بتعزيز فعالية هذه التعويضات من خلال ربطها بأشكال أخرى من الاعتراف، والعدالة، وضمانات عدم التكرار، بحسب ما توصي به المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن الحق في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات.
ثالثاً: إصلاح المؤسسات أو ما يطلق عليه في اليمن (هيكلة الجيش ووحدات الأمن وثورة المؤسسات)، ويشمل مؤسسات الدولة القمعية على غرار القوى المسلّحة، والشرطة وأجهزة الدولة الاستخباراتية والمحاكم، وأي مؤسسة حكومية أو غير حكومية أخرى كانت أو من الممكن أن تكون وسيلة لقمع الحقوق والحريات، وذلك لتفكيك آلية الانتهاكات البنيوية، وتفادي تكرار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان أو الإفلات من العقاب، من خلال الوسائل المناسبة.
وغالباً ما تكون المؤسسات العامة مثل: (الشرطة والقوات المسلحة والقضاء) أدوات للقمع والانتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان، وحين يحدث الانتقال نحو الحكم الديمقراطي يصبح إصلاح هذه المؤسسات أساسياً وضرورياً.
إنّ إصلاح المؤسسات هو العملية التي تتمّ بموجبها إعادة الهيكلة؛ بحيث تصبح مؤسسات وطنية محايدة تحترم حقوق الإنسان وتحافظ على سيادة القانون، وتخضع لمحاسبة الناخبين.
ويمكن أن يتضمّن إصلاح المؤسسات العديد من التدابير المرتبطة بالعدالة، مثل:
- أهلية الموظفين: النظر في خلفية الموظّفين؛ من خلال تولية قيادة تلك المؤسسات لشخصيات وطنية يتم اختيارها بناء على الكفاءة والخبرة والمؤهلات أو الأقدمية والتخلّص في هذا المجال من المسؤولين الاستغلاليين والانتهازيين الذين تم تعيينهم بناء على المحسوبية والفساد الذي كان قائماً قبل عملية التغيير أو بمعنى آخر معاقبتهم.
‌- الإصلاح البنيوي: (إعادة الدمج والهيكلة)؛ بغية تعزيز النزاهة والشرعية، وإنهاء الانقسامات الموجودة في المؤسسات العسكرية والأمنية؛ لنزع فتيل أي نزاع قادم لا قدر الله، ويأتي الإصلاح المؤسسي لتلك الوحدات من خلال ضمان المحاسبة وبناء نظام مالي خاضع للرقابة الشعبية والتنفيذية، وفي ذات الوقت يعزز الاستقلالية وتأمين التمثيل المتوازن لكل قطاعات المجتمع، كي لا يتم استغلالها في المستقبل من قبل شخص أو حزب أو العائلة التي تمسك بالسلطة.
‌- الإشراف والمراقبة: إنشاء هيئات الإشراف ذات الظهور العلني ضمن مؤسسات الدولة لضمان المحاسبة أمام الحكومة المدنية.
‌ - الإصلاح القانوني والدستوري: إصلاح أو إنشاء أنظمة قانونية جديدة، مثل: اعتماد تعديلات دستورية أو معاهدات دولية لحقوق الإنسان؛ لضمان حماية حقوق الإنسان وتشجيعها، وإصلاح مخلفات المرحلة الديكتاتورية لإعادة دمج كل فئات المجتمع التي تم تهميشها طيلة الثلاثة العقود الماضية وما سبقها.
‌- نزع السلاح، وإعادة الدمج: حلّ الفعاليات المسلّحة (مثل المليشيات المسلّحة) التي تم إنشاؤها خارج القانون ومؤسسات الدولة ونزع السلاح منها، وتوفير الوسائل المناسبة التي تأخذ بالعدالة، والتي يمكن للمقاتلين السابقين من خلالها إعادة الانضمام إلى المجتمع المدني أو من خلال توزيعهم على الوحدات العسكرية والأمنية.
‌- التربية: إقامة برامج تدريب للمسؤولين والموظفين العامين حول معايير حقوق الإنسان القابلة للتطبيق والقانون الإنساني الدولي.
رابعاً: لجان الحقيقة، أو أي وسائل أخرى تضطلع بعملية التحقيق في أنماط الانتهاكات المنتظمة والتبليغ عنها، وللتوصية بإجراء تعديلات قانونية أو دستورية وللمساعدة على فهم الأسباب الكامنة وراء الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.
حيث إنه يحقّ للمجتمعات والأفراد معرفة الحقيقة بشأن الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان عقب نزاع مسلّح أو ممارسات القمع.
وينص القانون الدولي صراحةً بحقّ الضحايا والناجين في معرفة ظروف الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان بحقّهم، وهويّة المسؤول عنها.
عمل لجان الحقيقة:
تقوّم الأنظمة القمعية عن عمد، ولتشريع وجودها أو عودتها من جديد للحكم، بإعادة كتابة التاريخ وتنكر ارتكاب الانتهاكات، فيسهم البحث عن الحقيقة في وضع سجلّ تاريخي لتلافي هذا النوع من التلاعب، ويمكن لذلك مساعدة الضحايا على طوي الصفحة عبر الاطّلاع أكثر على الأحداث التي عانوا منها، من مثل: مصير الأفراد المفقودين، أو سبب تعرّض بعض الأشخاص للانتهاكات، وتضمن مثل هذه الإجراءات في ضمان عدم عودة تلك الممارسات وتكوين ثقافة جمعية لدى الشعب بمكافحة نشأة أنظمة قد تكرس عودة تلك الانتهاكات ولو بصورٍ أخرى.
وتتّخذ مبادرات البحث عن الحقيقة أشكالاً عديدة بما في ذلك حرية الحصول على المعلومات، ورفع السريّة عن المحفوظات الرسمية، والتحقيقات في مصير المفقودين وتأسيس لجان تحقيق غير قضائية (شعبية)، بما في ذلك لجان الحقيقة.
وبحسب المركز الدولي للعدالة الانتقالية فإن “لجان الحقيقة المستقلّة والفاعلة، أصبحت بفضل ارتكازها على الأصول من أميركا اللاتينية جزءاً أساسياً من جهود العدالة الانتقالية عبر العالم، ومنذ بداية 2011، تمّ إنشاء حوالي 40 لجنة حقيقة رسميّة للنظر في الانتهاكات السابقة والتبليغ عنها”.
وتعتمد لجان الحقيقة عدداً من خطوات التحقيق مثل: حماية الأدلّة، وجمع المحفوظات، ومقابلة الضحايا والشخصيات الفاعلة السياسية الرئيسية، والوصول إلى معلومات الدولة ونشرها، وإصدار التقارير والتوصيات.
وفي بعض الأحيان، تنجح المبادرات غير الرسمية، أو المحلية أو الخاصّة بحالات معيّنة في تحفيز جهود محلية أكثر شمولًا، كما ويمهّد البحث عن الحقيقة الطريق لنهج عدالة انتقالية أخرى، مثل: فحص الأهلية والملاحقة القضائية والتعويضات.
وللأسف، البعض يعتبر فتح ملفات الماضي أمراً لا جدوى منه، فكل الأطراف أخطأت، وكلها متمسكة بما قامت به من انتهاكات أو أخطاء، وبالتالي فإن فتح هذا الملف لن يخرج بنا إلى نتيجة سوى المزيد من التعقيد على “حد قولهم”.
لكن في الواقع، من الأفضل للحكام والشعب على حد سواء، فتح هذه الملفات ومناقشتها وإنهائها بشكل مرضٍ على المستوى الداخلي، سواء عبر عقد لجان حقيقة داخلية أو مبادرات مصالحة وطنية أو حتى إجراء محاكمات وتحقيقات داخل الوطن.
إن الأركان الخمسة السياسية للعدالة الانتقالية التي تطرقنا إليها ليست قائمة مغلقة ولكنها الرئيسية، حيث أضافت دول مختلفة تدابير أخرى؛ فتخليد الذكرى – مثلاً - والجهود العديدة للحفاظ على ذكرى الضحايا من خلال: إنشاء متاحف، وإقامة نصب تذكارية وغيرها من المبادرات الرمزية مثل: إعادة تسمية الأماكن العامة، وغيرها، قد باتت جزءاً مهماً من العدالة الانتقالية في معظم أنحاء العالم.
ومن الطبيعي أن تحتاج مبادئ العدالة الانتقالية بغية تحقيق نتائجها بالشكل الأنسب إلى إشاعة ثقافة التسامح والتعايش ودعمها من قبل جميع الفعاليات، الرسمية وغير الرسمية، كالإعلامية والحقوقية والسياسة والفكرية، حتى لا تمتد الأفعال الانتقامية إلى الفاعلين المباشرين للانتهاكات، بعد إنزال العقوبة المناسبة ضد كبار المسؤولين عن تلك الجرائم.
تساؤل مهم..
ما الجدوى التي ستعود على أي مجتمع يمر بمرحلة انتقالية أو تحولية في أن يواجه الماضي؟ وما أثر ذلك في إرساء السلام وتعزيز التحول الديمقراطي في المستقبل؟.
هناك الكثير من الدوافع التي تحتم ضرورة مواجهة الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان، بشفافية وعلى هدي من مبادئ العدالة الانتقالية:
- منع أعمال الثأر والانتقام.
- طي صفحة الماضي، بمعنى: الانصراف عن الشكوى من انتهاكات الماضي إلى تعزيز مستقبل الديمقراطية وتقويتها؛ وذلك لاعتبار أن الديمقراطية لا يمكن أن تقوم على أكاذيب، وأن مواجهة الماضي يمكن أن تؤدي إلى ديمقراطية أكثر قوة، وذلك من خلال إرساء مبدأ المحاسبة، ومكافحة ثقافة الإفلات من العقاب.
- الواجب الأخلاقي في مواجهة الحقيقة، بمعنى: الاعتراف بانتهاكات بحق الضحايا من جانب الجاني، وتقبل الضحايا للانتهاكات التي وقعت في حقهم؛ لأن النسيان هنا يعتبر شكلاً من أشكال إعادة الإحساس بالظلم والإهانة لدى الضحايا، وبالتالي فإن أسلم الحلول وأقلها ضرراً هو فتح جراح الماضي بشفافية من خلال أشكال عديدة من بينها لجان الحقيقة، ومبادرات المصالحة الوطنية.
- تجنب تكرار نفس الفظائع في المستقبل، بمعنى: أن تكون عملية التذكر ونبش الجراح والمحاسبة هي عنصر ردع وتخويف لمن تسوّل له نفسه بارتكاب انتهاكات مماثلة في المستقبل.
آليات إسقاط مبادئ العدالة الانتقالية على الحالة اليمنية:
- إلغاء العمل بأي قانون أو قرار أو اتفاقيات تنص على منح حصانات أو ضمانات من الملاحقة القضائية لكبار المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية، واستصدار قانون للعدالة الانتقالية يأخذ بكل المبادئ الدولية والإنسانية.
- تحريك الدعاوى القضائية ضد كل من خطط أو دبّر لارتكاب انتهاكات واسعة للحقوق والحريات.
- إصدار قرار سياسي بتعويض كل من طالتهم جرائم الإنسانية أو الانتهاكات الحقوقية تعويضاً مرضياً يزيل آثار الظلم عنهم، على أن تتحمل الحكومة نفقات علاج الجرحى والتأهيل النفسي للمعتقلين، ورعاية أسر الشهداء بما فيهم ضحايا السنوات الماضية منذ العام 1994م، وحتى يتم إنزال قانون العدالة الانتقالية إلى حيز التنفيذ.
- إصدار قرار سياسي بتأميم جميع الأراضي والممتلكات العامة والخاصة، والتي تم وضع اليد عليها بالقوة من قبل المتنفذين من أركان النظام السابق لمصلحة أبناء المحافظات الواقعة فيها.
- إعادة تأهيل المبعدين قسرياً من الوظيفة العامة لأسباب سياسية أو المتعلقة بالرأي أو الانتماء السياسي وإعادة توزيعهم في الوظائف بحسب درجاتهم الوظيفية ورتبهم العسكرية أسوة بزملائهم، وتعويضهم عن فترة الانقطاع وصرف مستحقاتهم على وجه السرعة.
- اعتبار يوم الثامن عشر من شهر مارس يوماً وطنياً للحرية، على أن تسمى المدارس والشوارع والحدائق والمستشفيات بأسماء رمزية تخلد ذكرى شهداء الثورة الشبابية الشعبية، وتكرس الاعتراف بتضحياتهم في بناء اليمن الجديد.
- إعادة إعمار المدن والأحياء والمباني المنكوبة بفعل أعمال الحرب والقتال في تلك المناطق، وتعويض المتضررين عن المرحلة الماضية.
- عزل القيادات العسكرية والأمنية، والتي ثبت تورطهم في أعمال قتل المتظاهرين وتقديمهم للقضاء.
- إعادة توزيع الوحدات العسكرية على امتداد خارطة العمق الاستراتيجي لليمن براً وبحراً، وبما يضمن إخراج المعسكرات من المدن.
- تولية قيادة الوحدات العسكرية لشخصيات وطنية على أساس الكفاءة والخبرة والأقدمية.
- إعادة دمج الوحدات العسكرية وإنهاء حالة الانقسام في الجيش والأمن.
- نزع سلاح المليشيات خارج إطار الدولة والقانون واعتماد النضال السلمي والحوار غير المشروط وسيلة لأخذ الحقوق والمطالب.
- تشكيل لجان تقصي الحقائق مكونة من السلطة القضائية ومنظمات المجتمع المدني والإعلاميين.
- إصدار قانون حق الحصول على المعلومات، بما يتناسب مع المعايير الدولية، وبما تقتضيه حرية الرأي ويعزز مبدأ الشفافية.
- فتح الملفات السرية الخاصة بالأجهزة القمعية والاحتفاظ بها لدى تقصي الحقائق لنشر محتوياتها، وبما يتيح معرفة الحقيقة من قبل ضحايا الانتهاكات.
- منع مرتكبي الانتهاكات من تولي أية وظيفة عامة، والحجر على أرصدتهم المالية في الداخل والخارج.
- تشكيل لجنة تحضيرية للحوار الوطني تضم كل فصائل وشرائح المجتمع اليمني والقوى السياسية، وعلى وجه الخصوص تلك التي لا تعتبر طرفاً في المبادرة الخليجية.
ومن المؤكد أن معالجة آثار المرحلة السابقة محلياً أفضل ألف مرة من أن يضطرنا أطراف التسوية السياسية في اليمن (المبادرة الخليجية) إلى اللجوء لقوى خارجية أو الاحتماء بالمحكمة الجنائية الدولية ضدهم وضد كل من ارتكب الانتهاكات بحق المدنيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.