كلما تعافى رائداً من رواد الفن اليمني الأصيل ، تناهى الى مسامعنا خبر عن تدهور الحالة الصحية لفنان آخر،تسلسل اخباري مزعج جدا كونها تفجعنا بصحة عمالقة واقعنا الفني الذي يُحسب صياغة وجدان الناس وتهذيب ارواح متذوقي الفن اليمني الأصيل في الداخل والخارج ... فمن اخبار تدهور صحة ايوب طارش ومحمد مرشد ناجي وكرامه مرسال وآخرين يصارعون امراضهم بصمت الى أن تأتي المنح العلاجية من قبل الدولة لعلاجهم بالخارج ،يأتي خبر تدهور صحة الفنان اليمني المهاجر ابو بكر سالم بلفقيه ،وسفره للعلاج الى المانيا دون مناشدات للدولة بتخصيص منحة علاجية له في الخارج كما هو حال زملائه في الداخل،ومع ذلك نقول لأبو بكر : كم كنت وحدك يا بلفقيه ؟؟ ... هنا لا نملك شئياً لنقدمه لهذه القامة الباسقة في دنيا الفن،و لا ينتظر منا العملاق أبوبكر سالم بلفقية سوى الدعاء له بالشفاء بعدما اجريت له قبل ايام عملية القلب المفتوح في ألمانيا ،وكما صدح بصوته الشجي ،نرفع أكف الضراعة و نبتهل لله طلب السلامة لروحه من تبعات عمليات القلب المفتوح على صحته واستمرار عطائه الفني .. ورغم مسافات البعد وحواجزه بيننا ومهجر بلبل اليمن الطروب،سنظل دوما نحتفل بأفراحنا وجراحتنا الخاصة والعامة ولو أن نار بعده عن وطنه وأحبابه في مراتع طفولتك في تريم بحضرموت وثغر شبابه في عدن تفقد القدرة على عناية القرب به ،لكنه اقرب منا الى امه اليمن الذي يشد رحاله اليها في كل عام ،لهذا يظل الأمل بالله كبيراً جدا في تعافيه وتجاوز بلدنا هذه المرحلة المخيفة ... انه ابوبكر مطرب جيلنا بلا منازع ،وسيظل مسيطرا على افئدة الاجيال القادمة بجلال فنه وغزارة اغانيه وتعدد الوانها لحنا واداءً ،تتجدد علاقته الروحية بفنه المتجدد وجمهوره المتزايد بطريقة تلقائية نظرا لما قدمه للفن الغنائي بشكل عام معتمدا على مخزون فني ،مكنه من نحت اسمه ومدرسته الغنائية في وعي الناس في اليمن والخليج والمغرب العربي .. وحده وبجدارة ربان حضرمي له ارتباطاته الروحية الوطيدة بالبحر والجبل والصحراء ،ابحر ابو اصيل في بحر الفن بمهارة ،ويحلق في سماء النجومية بوعي الفنان الممتلئ من الداخل ،لهذا ذاع صيته قبل نصف قرن كفنان يمني استثنائي بداية من تريم وعدن ،ولا يزال يمتع جمهوره العريض برائعاته الغنائية دونما تراجع ... ويُحسب للفنان أبوبكر سالم بلفقيه حفظ جزء كبير من تراثنا الفني من الضياع والسرقات ،وبرع في التجديد في اغانٍ تراثية كثيرة ،وبجهود فردية وبمعاونة فرقه الفنية المتعاقبة ،يمكن القول بأن هذا الفنان الاستثنائي انجز لليمن بنكاً فنيا ( صوتي،مرئي) من التجديد في تراثنا الغنائي المهدد بالاندثار والسرقات ... لهذا وغيره يتصدر ابوبكر قائمة الخالدين في تأريخ اليمن والخليج ،بل ويُعد المدوزن الأول للدان الحضرمي وواجهة الفن اليمني المتغلغل جذوره في عمق تراثنا الفني المشرق ،وهو في نظر الناس العاديين والوسط الفني والثقافي العربي مدرسة فنية بحد ذاته .. قلوبنا معك يا صوتنا الهادر بالحب والحياة منذ انطلاقته بمنتصف القرن الفائت وحد اليوم في مسيرة فنية زاخرة بالعطاء ،وطيلة هذه الفترة عاش الاستثنائي بلفقيه لفنه وأدبه الغنائي «كما لم تغريه بهارج الغربة وتفضيلاتها من نسيان يمنيته والتنكر لأصله وكلنا يذكر رائعته “أمي اليمن “ ،وكما عهدنا اعتزازه بوطنه ،وهذا الاعتزاز حصنه من الذوبان مع الهويات المستعجلة والطارئة في حياة المشاهير ... ولأني واحد ممن يتذوقون فن ابوبكر سالم بقديمه وجديدة بذات الشغف ،ما من يوم يمر عليّ دونما تسلل كالعاشق الى مجلد خاص بفنه لأطرب روحي ،ولغوايتي بهذا التسلل اليومي الى ارشيف الفن اليمني الاصيل أجدني مرتبطاً بفن هذا العملاق الذي ينتمني لماضينا العريق ويسبقنا الى مستقبلنا المنشود ...