نهاية الانقلاب الحوثي تقترب.. حدثان مفصليان من مارب وعدن وترتيبات حاسمة لقلب الطاولة على المليشيات    الأحزاب والمكونات السياسية بتعز تطالب بتسريع عملية التحرير واستعادة مؤسسات الدولة    لحظة إصابة سفينة "سيكلاديز" اليونانية في البحر الأحمر بطائرة مسيرة حوثية (فيديو)    شركة شحن حاويات تتحدى الحوثيين: توقع انتهاء أزمة البحر الأحمر رغم هجماتهم"    وزير المالية يصدر عدة قرارات تعيين لمدراء الإدارات المالية والحسابات بالمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي    الوزير الزعوري يهنئ العمال بعيدهم العالمي الأول من مايو    توجيهات واحصائية".. اكثر من 40 ألف إصابة بالسرطان في اليمن و7 محافظات الاكثر تضررا    بالفيديو.. عالم آثار مصري: لم نعثر على أي دليل علمي يشير إلى تواجد الأنبياء موسى وإبراهيم ويوسف في مصر    يوم تاريخي.. مصور يمني يفوز بالمركز الأول عالميا بجوائز الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية في برشلونة (شاهد اللقطة)    تشافي لا يريد جواو فيليكس    مركز الملك سلمان يمكن اقتصاديا 50 أسرة نازحة فقدت معيلها في الجوف    تفجير ات في مأرب لا تقتل ولا تجرح كما يحصل في الجنوب العربي يوميا    للزنداني 8 أبناء لم يستشهد أو يجرح أحد منهم في جبهات الجهاد التي أشعلها    عودة الكهرباء تدريجياً إلى مارب عقب ساعات من التوقف بسبب عمل تخريبي    برشلونة يستعيد التوازن ويتقدم للمركز الثاني بفوزه على فالنسيا برباعية    تراجع أسعار الذهب إلى 2320.54 دولار للأوقية    اختتام برنامج إعداد الخطة التشغيلية للقيادات الادارية في «كاك بنك»    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    هجوم جديد على سفينة قبالة جزيرة سقطرى اليمنية بالمحيط الهندي    رئيس جامعة إب يطالب الأكاديميين الدفع بأبنائهم إلى دورات طائفية ويهدد الرافضين    نابولي يصدّ محاولات برشلونة لضم كفاراتسخيليا    البكري يجتمع ب "اللجنة الوزارية" المكلفة بحل مشكلة أندية عدن واتحاد القدم    عقب العثور على الجثة .. شرطة حضرموت تكشف تفاصيل جريمة قتل بشعة بعد ضبط متهمين جدد .. وتحدد هوية الضحية (الاسم)    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    اتحاد كرة القدم يعلن عن إقامة معسكر داخلي للمنتخب الأول في سيئون    شاهد.. مقتل وإصابة أكثر من 20 شخصًا في حادث بشع بعمران .. الجثث ملقاة على الأرض والضحايا يصرخون (فيديو)    وزارة الداخلية تعلن ضبط متهم بمقاومة السلطات شرقي البلاد    يجب طردهم من ألمانيا إلى بلدانهم الإسلامية لإقامة دولة خلافتهم    ماذا لو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد قادة إسرائيل؟    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    بينها الكريمي.. بنوك رئيسية ترفض نقل مقراتها من صنعاء إلى عدن وتوجه ردًا حاسمًا للبنك المركزي (الأسماء)    قيادي حوثي يذبح زوجته بعد رفضها السماح لأطفاله بالذهاب للمراكز الصيفية في الجوف    استشهاد وإصابة أكثر من 100 فلسطيني بمجازر جديدة للاحتلال وسط غزة    انهيار كارثي للريال اليمني.. والعملات الأجنبية تكسر كل الحواجز وتصل إلى مستوى قياسي    ماذا يجري في الجامعات الأمريكية؟    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    تعليق على مقال زميلي "سعيد القروة" عن أحلاف قبائل شبوة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    البخيتي يتبرّع بعشرة ألف دولار لسداد أموال المساهمين في شركة الزناني (توثيق)    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    فشل العليمي في الجنوب يجعل ذهابه إلى مأرب الأنسب لتواجده    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    ريمة سَّكاب اليمن !    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما حققه الجيش في أبين يعود إلى صدقية الإرادة السياسية للرئيس هادي
الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية نبيل البكيري ل ( الجمهورية ) :
نشر في الجمهورية يوم 28 - 06 - 2012

قال الباحث في شئون الجماعات الإسلامية نبيل البكيري ان ما حققه الجيش من تقدم في أبين يعود بشكل رئيس إلى صدقية الإرادة السياسية الحالية للرئيس هادي في محاربة القاعدة
واوضح المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية في حوار مع (الجمهورية) : ان الصراعات بين الجماعات الإسلامية في اليمن يرجع إلى سوء التصور الذي تحمله كل جماعة عن الإسلام وسببها المصالح والسياسة..موكدا أن ليس هناك جماعة اسلامية تمارس السياسة بشكل واضح ودستوري سوى حزب الإصلاح إلا انه بحاجة للكثير من العمل والتحديثات في الأدبيات والآليات والوسائل..
- كيف نشأت القاعدة في اليمن ؟؟
- هذه قصة طويلة قد يطول الحديث عنها ، كونها ستقودنا للتعريج على مرحلة تاريخية تمتد لثلاثة عقود، عاشتها اليمن والمجتمع الدولي ككل مع نشوء هذه الجماعة وتعاظمها ، وباعتقادي أن تاريخ القاعدة في اليمن يمتد لثلاث مراحل، تمددت خلالها هذه الفكرة الجهادية أو ما بات يُطلق عليها ب”القاعدة” ، التي تعود فكرة نشأتها في اليمن إلى فترة مبكرة سابقة لفترة تأسيس التنظيم بصيغته العالمية الحالية التي أعلن عنها في فبراير 1998م وهي فترة الجهاد الأفغاني، الذي كان الشيخ أسامة بن لادن أبرز قيادييه . ويعد الجهادي أبو مصعب السوري ، أبرز المنظرين الجهاديين، لتنظيم القاعدة، في مسألة اعتبار اليمن أنسب مكان للتنظيم، و أبو مصعب، أهم المقربين من زعيم التنظيم أسامة بن لادن، الذي كان لديه هو الأخر رؤية خاصة تجاه اليمن، فعمل أبو مصعب على تأصيلها دينيا و فكريا من خلال كتابه«مسؤولية اليمنيين تجاه مقدسات المسلمين وثرواتهم».
ومن خلال تتبع مراحل الاهتمام القاعدي باليمن يتضح لنا أنها تنقسم إلى ثلاث مراحل بداية الأولى قبل الوحدة ولكنها أُجلت إلى فترة ما بعد تحقيق الوحدة اليمنية حتى عام 1994م .وبسبب ظرف وتحضيرات الإعلان عن قيام الوحدة بين شطري اليمن حينها، ساهما في تأخير مبادرة الشيخ أسامه وخطته بالسعي نحو إعلان الجهاد في الجنوب اليمني التي كان يعد لها العدة ولم يبق إلا مرحلة التنفيذ .وتعد هذه المرحلة هامة بالنسبة للقاعدة التي كانت تبلور حينها فكرة كفرية دستور دولة الوحدة، وكفرية الدولة التي تعمل به ومن ثم وجوب مقاتلة هذه الدولة ورئيسها وهو ما يمكن تمييزه هنا بتحول المشروع الجهادي لدى بن لادن من إسقاط نظام جنوب اليمن الماركسي إلى مشروع الاستيلاء على اليمن الموحدة كلها بفعل هذا الدافع الشرعي لديهم الذي توفر من خلال كفرية هذه الحكومة من وجهة نظرهم.
أما المرحلة الثانية فهي تمتد من عام 1994م حتى 2006م وخلالها تم الإعلان عن تدشين مرحلة الجهاد العالمي تحت مسمى الجبهة الإسلامية العالمية لمقاتلة اليهود والصليبيين في فبراير 1998م وهي ما تعرف اليوم بالقاعدة والتي أعلن عنها من خلال إعلان انضمام جماعة الجهاد المصرية بقيادة الدكتور أيمن الظواهري، مع مجاميع الجهاديين تحت إمرة الشيخ أسامة بن لادن الذين تم إعدادهم بعد انتهاء الجهاد الأفغاني بانسحاب السوفيت من أفغانستان.
والمرحلة الثالثة - و هي المرحلة التي لا زالت مستمرة حتى الآن - والتي بدأت بإعلان اندماج تنظيمي القاعدة في كل من السعودية واليمن، في ديسمبر 2009م ، تحت مسمى “ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” والتي أُعلن فيها مبايعة، أبو بصير ناصر الوحيشي، أميرا للتنظيم وسعيد الشهري السعودي نائبا له، مع بروز شخصية الداعية الأمريكي من أصل يمني، أنور العولقي، الذي كان أبرز منظري القاعدة في هذه المرحلة.
وتٌعد هذه المرحلة من أخطر أطوار القاعدة التي حصل فيها تحولات عدة كان أبرزها قيام الثورة الشبابية الشعبية السلمية وسقوط نظام علي عبد الله صالح، و قيام القاعدة بالسيطرة على عدد من المدن الرئيسية في محافظة أبين، كزنجبار و جعار وغيرها، وإعلان القاعدة عن تسمية جديدة لها، وهي التي عُرفت بأنصار الشريعة، وهذه المرحلة هي التي لا زالت مستمرة حتى اللحظة.
- من هي الشخصيات القيادية اليمنية البارزة في القاعدة على المستوى اليمني أو العربي ؟؟
- هناك عدد من القياديين في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، كقائد التنظيم أبو بصير ناصر الوحيشي، وأبو هريرة الصنعاني، وقاسم الريمي، هذا على المستوى المحلي أما على المستوى الدولي، لم يعد هناك اليوم في هرم التنظيم الدولي للقاعدة قائد يمني بارز، بعد مقتل الشيخ أسامة بن لادن، ومقتل أنور العولقي، وكذا القائد الأبرز الذي قضى مؤخراً في غارة أمريكية فهد القصع، الذي كان يُعد أحد أبرز عشرة في قيادة التنظيم الدولي للقاعدة- موجود اسمه ضمن قائمة المطلوبين أمريكياً - حيث عرض الأمريكان ما يقارب خمسة ملايين دولار لمن يدلي بأي معلومة تقود لفهد القصع.
- اين تتمركز جماعات القاعدة في اليمن ؟؟وما حجمها مقارنة ببقية الدول ؟؟ وهل كان لها تواجد في الجنوب من قبل ذلك ؟؟
- طبعا ..القاعدة تنظيم شبكي عنقودي، وليس هرمياً، وهو ما يسهل له عملية التمدد والانتشار في أكثر من مكان ومنطقة، فمثل ما تتواجد في المناطق النائية خارج سلطة الدولة تتواجد أيضا في المدن الرئيسية على شكل خلايا وأفراد، يمارسون نشاطهم الحياتي بشكل طبيعي، و لا يعرفهم أحد، إلا بعد تنفيذ احد منهم لعملية ما ضد هدف ما، لكن ما طرأ مؤخراً في مسألة تواجد القاعدة، فأعتقد أن ما حدث تزامناً مع أحداث الثورة السلمية التي عاشتها اليمن طوال العام الماضي وحتى الآن، من تمكن هذه الجماعة من السيطرة على مناطق ومدن كما في حالة مدينتي زنجبار وجعار في محافظة أبين ، وهذا ما جعل أفراد وخلايا التنظيم في مختلف الأماكن بالتوافد على مناطق القتال الدائرة بين القاعدة والقوات اليمنية واللجان الشعبية هناك، فضلا عن وجود مجاميع جديدة أنظمت لهذه الجماعة التي أصبحت تسمى بأنصار الشريعة والتي بدأت تتموضع وفقاً لإستراتيجية جديدةً غير معمول بها لدى القاعدة، و تتمثل بالسيطرة على الأرض، وممارسة دور إداري لهذه المناطق كمناطق محررة، يجب أن تحكم وتدار من قبل هذا الجماعة.
- هل توضح لنا ما يعني ان الجماعة ظهرت جليا خلال الإحداث السابقة تحت مسمى جديد هو أنصار الشريعة ؟؟
- ظهور الجماعة تحت مسمى جديد كأنصار الشريعة، لا شك أن في ذلك تكتيك من قبل هذه الجماعة ، أولاً الظهور باسم جديد مختلف عن القاعدة التي أصبح اسمها يثير كثير من اللغط، عدا عن الجانب السلبي في هذا المسمى لدى المتلقي المحلي، فحاولوا الظهور باسم أخر جديد، فكان “أنصار الشريعة” لديهم مناسباً ، والأمر الأخر، أن هذه التسمية هي تسمية تثير عواطف البسطاء من الناس، الذين يرون أنه مادامت هذه الجماعة تدعوا للنصرة الشريعة فيجب عدم مقاومتها، كونها تناصر شريعة الله ودينه. والبعد الأخر في هذه التسمية يعود للتطورات الحاصلة في المشهد السياسي اليمني عموماً والقتالي لهذه الجماعة خصوصاً، كسيطرتها على مساحات من الأرض بعد انسحاب الوحدات الأمنية والعسكرية مع بداية العام الماضي ،وهو ما أدى إلى وقاع جديد أمام هذه الجماعة القليل رجالها و المعقد تنظيمها، مما حتم وجود مسمى جديد ليكون إطاراً يسهم في ضم الأعداد الجديدة غير المختبرة تنظيماً وعسكرياً وأمنياً، وهذا ما أعتقد أنه كان دافعاً رئيسياً وراء بروز هذه التسمية الجديدة بأنصار الشريعة.
- يرى محللون ومراقبون أن مايسمى باأنصار الشريعة ينتهجون أساليب مختلفة عن الأساليب التقليدية والمعروفة لتنظيم القاعدة.. ما تفسيرك لذلك ؟؟
- صحيح.. لا شك أن إستراتيجية جديدة طرأت في ممارسات ما عُرف بأنصار الشريعة، والمتمثلة بالسيطرة على الأرض، ومحاولة التموضع فيها، ككيان إداري حاكم، وهو ما لم يكن معروف لدى القاعدة، في ممارساتها و أساليبها العسكرية والقتالية ، حيث كانت تقتصر أنشطتها القتالية على ضرب الأهداف، التي تريد ضربها وخاصة تلك التي تتعلق بمصالح الغرب وفي المنطقة الأمريكية تحديدا، كتفجير المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول” قبالة شواطىء عدن في أكتوبر 2000م ، وكذا ناقلة النفط الفرنسية لانبرج وضرب الشركات والسفارات وتطور الأمر بعد ذلك إلى ضرب أهداف يمنية عسكرية، ولم يتعد الأمر محاولة السيطرة والتحكم بمناطق جغرافية كما هو الحال الآن، وهذا ينبأ بشيء جديد في استراتيجية هذه الجماعة، لا يخفى على المراقبين.
- ترى من يقوم بتمويل القاعدة في اليمن ؟؟؟
- مسألة التمويل بالنسبة للقاعدة كنت ولا زلت أقول أنها لا زالت سر خفي، لا يعلمها إلا الراسخون في الاستخبارات أو قياديو القاعدة أنفسهم، لكن التطورات اللاحقة التي طرأت على موضوع القاعدة و مسألة تمددها و انتشارها وإعادة التموضع هنا أو هناك ، وخاصة عقب التورط الأمريكي في الحرب على العراق، وتحول الأمر إلى ما يشبه لعبة شطرنج، يتنافسها أكثر من لاعب رئيسي، بدأت تتضح بعض خيوط التمويل، إلى حد ما، وخاصة مع ظهور حالات اختراق و توظيف لأنشطة هذه الجماعة هنا أو هناك، وأعتقد أن ما حدث مؤخراً في اليمن منذ بداية الثورة و سقوط معظم مناطق ومدن محافظة أبين في يد هذه الجماعة أو المحسوبين عليها، اتضح جلياً أن ثمةً جهات مستفيدة تورطت في مسألة إمداد هذه الجماعة بالسلاح، و مكنوا تلك المجاميع من السيطرة على مواقع ومعسكرات ومرافق أمنية تحوي الكثير من الأسلحة والمعدات الثقيلة، والتي كان آخرها ما حدث قبل أربعة أشهر تقريبا في منطقة دوفس بين أبين وعدن، حيث باغت مسلحون موقعا أمنياً وتمكنوا من السيطرة على كل معداته التي من ضمنها دبابات ومدافع ثقيلة وراجمات صواريخ.
هذا ما يتعلق بمسألة التمويل في الحصول على السلاح مؤخراً، أما مسألة التمويل الرئيسية للتنظيم وأنشطته لا زالت غير واضحة حتى اللحظة.
- البعض يقول بان من قام بإنشاء هذا التنظيم في اليمن هوالنظام السابق ..ما قولك ؟؟
- هذا كلام غير دقيق وغيرموضوعي بالنسبة لمسألة نشأة التنظيم منذ البداية ، صحيح “صالح” استفاد من تسيهله لمهمة التنظيم في اليمن، لكنه لم ينشئه قطعاً، بيد أنه حاول الاستفادة والتوظيف لهذه الورقة الأمنية، وكانت أول استفادة واستخدام لهذه الجماعة في ما حصل في حرب صيف 1994م، حينما تم جر هذه الجماعة وتوجيهها للقتال ضد الحزب الاشتراكي اليمني، الذي كان بنظر مؤسس التنظيم أسامة بن لادن يمثل عدواً استراتيجياً له، وكان يروى عنه قوله وترديده لمقولة “ لا نجوت إن نجا الحزب الاشتراكي اليمني” في نهاية ثمانينات القرن الماضي، في تلك المرحلة التي يُعتقد على نحو واسع أنها مرحلة البداية لتأسيس هذه الجماعة التي لم تُعرف بالقاعدة إلا مؤخراً إبان الاحتلال الأمريكي لافغانسان في 2001م.
وأما في اليمن، فبعد قيام الوحدة في مايو 1990م ، التي تمت بقيادة حزبي المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي ، تطورت مسألة الشراكة إلى خصام ونزاع بين الطرفين، تطور إلى حرب دامية في صيف 1994م، وكان حينها هناك مجاميع كبيرة ممن عادوا من أفغانستان، يمنين وعرب ممن أطلق عليهم بالأفغان العرب، واستقبلتهم اليمن حينها كمقيمين بعد أن امتنعت دولهم من استقبالهم، بضغوط غربية، ومن أيدلوجية العداء للاشتراكية من قبل هؤلاء المجاهدين تم استمالتهم واستخدامهم في تلك الحرب، لصالح قوات النظام السابق حينها، وبعد انتهاء الحرب تم استقطاب عدد من قيادتهم كطارق الفضلي وجمال النهدي وغيرهم واستوعبوا في أجهزة الدولة والحزب الحاكم، وبقت مسألة التوظيف لهذه الجماعة قائمة، كفزاعة أمنية في وجه المجتمع الدولي، لإدرار الدعم السياسي والعسكري والشرعي للنظام ، الذي إتكاء بشكل كبير على شماعة حرب الإرهاب كثيراً.
- هناك مصادر تقول بأن عناصر خارجية صومالية قاتلت مع «انصار الشريعة » وتم القبض عليهم ؟؟هل هذا صحيح ؟؟وماذا يعني ذلك ؟؟
- لا غرابة في مثل هذه المعلومات كون الأمر يتعلق بتنظيم عالمي يجند شبابه من كل أقطار العالم، بفضل ثورة التقنيات الاتصالية والمعلوماتية، كالانترانت وقنواتها التواصلية كالفيس بوك والتوتير والمواقع المختلفة التي تروج لأفكار مثل هذه الجماعة، ولا يعني وجود مقاتلي أجانب سوى أن التنظيم لا زال قادراً على الحشد والتجنيد من أي مكان في العالم، ولكن يظل المكان المفضل لديه هو ما بات يُعرف بإستراتيجية القاعدة بمناطق الفوضى، التي تحدثت عنها إستراتيجية إدارة التوحش.
- اختطاف نائب القنصل السعودي في عدن وإعلان القاعدة « انصار الشريعة » مسؤوليتها عن ذلك وفرض شروط على ذلك ...إلى ما كانت تصبو القاعدة في هذا التصرف ؟؟
- هي ربما من العمليات التي تندرج في عرف القاعدة، بعمليات جلب وتحسين مصادر الدعم المالي للقاعدة ، كالتي تتبعها القاعدة في مناطق شمال أفريقيا، حيث يتم اختطاف شخصيات هامة لتطالب من خلالها بالفدية مقابل إطلاق سراح هذا المختطف أو ذاك، وإن كانت القاعدة حتى الآن لم تطلب شيئاً مقابل إطلاق سراح هذا الدبلوماسي السعودي؟!!
أما ما أرجحه أنا في هذه العملية، فأعتقد أنها تأتي في سياق الحرب الدائمة بين القاعدة وسلطات المملكة العربية السعودية، حيث تأتي كتصفية حسابات ما بين الجانبين أو شيء من هذا القبيل، وتبقى المعلومات المؤكدة حول هذا الموضوع وخلفياته رهينة تطورات الموضوع في الأسابيع والأشهر القادمة.
-في ظل هذه الأحداث التي شهدتها أبين من مواجهات بين ما يسمى بأنصار الشريعة والجيش اليمني ... إلى أين تسير الأمور في أبين؟؟...
- أعتقد أن ما حققه الجيش من تقدم في أبين يعود بشكل رئيس إلى صدقية الإرادة السياسية الحالية للرئيس هادي في محاربة القاعدة، على عكس ما كان حاصل من قبل في ظل نظام صالح الذي كان يستخدم هذه الجماعات كشماعة أو كورقة أمنية وسياسية للعب بها من وقت لأخر لتحقيق مصالح خاصة به وبأسرته.
لكن ما أعتقد أنه يجب أن يتوفر إلى جانب هذه الحلول الأمنية والعسكرية وبأسرع وقت ممكن، هو أن يكون هنالك مقاربة تنموية إقتصادية عاجلة، عدا عن المقاربة السياسية تالياً، في هذه المناطق وغيرها من أرجاء اليمن، كون المقاربة الأمنية المجردة سريعاً ما تنتهي بفشل ذريع وكبير، وكونها ترتكز على المحور الأمني العسكري وتنسى أن الناس قد يصبرون على كل شيء إلا ضرورات حياتهم سيخرجون يقاتلون من أجلها، ومن أجل توفرها، أو توفر مصادر تمويلها وهذا ما كان يدفعهم دائما للانخراط تحت أي راية أو شعار، المهم هو أن يحقق مصالحه الملحة والعاجلة.
والشكل الآخر هنا هو ما بات يُعرف بالقضية الجنوبية، هذه القضية الخطيرة التي ينبغي أن يسارع الرئيس هادي إلى حلحلة تعقيداتها الأولية من خلال المطالب الحقوقية والخدماتية الضرورية، ويلحقها بعد ذلك الحلول السياسية الأخرى التي يجب أن يجمع حولها الجميع .
- كيف تقيم التعامل الأمريكي مع التوسع في عمليات القاعدة في اليمن؟
- الولايات المتحدة الأمريكية هي المستفيد الوحيد بعد نظام صالح من مسألة القاعدة في اليمن وتمددها وتوسعها الوهمي، كون أثبتت الأحداث الأخيرة في اليمن، أن الأمريكان لا يهمهم شيء سوى ضمان سلامة مصالحهم و بقاء هيمنتهم على هذه الرقعة الجغرافية المسمى اليمن، ووجود فزاعة القاعدة يوفر لهم مثل هذا التواجد والسيطرة على ا ممرات الطاقة العالمية الأكثر خطراً و يمر خلالها ما يقارب 70 % من النفط المصدر غرباً إلى أوروبا وأمريكاً وشرقاً إلى الصين وجنوب آسيا.
وما يعزز مثل هذه الحقيقة التي بت شبه مقتنع بها أنا كمراقب للوضع، هو أن الأمريكان فشلواً فشلاً ذريعاَ في مقارباتهم الأمنية والعسكرية في حربهم ضد الإرهاب ، و يدركون ذلك ويخبرهم به يومياً دراسات وتقارير مراكز الأبحاث والدراسات، إلا أنهم مستمرون في غيرهم القديم ، وإلا لو كانوا جادين فعلاً لحاولوا تغيير إستراتيجيتهم تلك بإستراتيجية جديدةً عززتها بل و أثبتتها ما بات يعرف بثورات الربيع العربي، وهي إستراتيجية المقاربة السياسية والتنموية لمشاكل مجتمعاتنا العربية المحبطة لعقود تحت سلطة القمع والظلم جراء الأنظمة الاستبدادية والشمولية المدعومة غربياً وأمريكياً تحديداً، وهو ما أفرز مثل هذه الظواهر الشاذة و العنفية في طرحها وتوجهاتها كردة فعل طبيعية على نوعية السياسة الأمريكية تجاه المنطقة والعالم العربي ككل.
أعتقد هنا أيضا،أن الظرف بات أكثر مناسبةً في ظل ثورات الربيع العربي الذي جاءت لكنس كل مخلفات الماضي القريب من ظلم واستبداد وعنف، و يريد أن يحل بدلها العدل والحرية والكرامة والسلام ، ولن تتحقق هذه المعاني إلا بقيام أنظمة حكم ديمقراطية حقيقية، تفرزها إرادة هذه الشعوب الثائرة الحرة وليس دوائر المخابرات ومراكز قوى العهد البائد التي تحاول إعادة نسخ ذاتها كمراكز قوى للعهد الجديد تحت أي مظلة أو شعار.
فما لم يتم الانتباه لهذه الإشكاليات، من احترام إرادة الشعوب الثائرة، و تغيير القوى الغربية لنظرتها للشعوب العربية، من نظرة العبد والتابع إلى نظر الند والشريك، الذي تقتضي شراكته الاحترام المتبادل و المصالح المشتركة، فأعتقد أن مصداقية الغرب ستكون على المحك، هذا عدا عن انعكاسات مثل هذه العلاقات السيئة على صورة الغرب الغنية عن مزيد من التشويه.
- هناك جماعات أو فصائل إسلامية عدة في اليمن من سلفيين إلى إخوان و حوثيين وكونك متخصص في شئون هذه الجماعات ..كيف ترى اتجاهات هذه الجماعات في تعاملاتها ومواقفها مع القاعدة ؟.
- تختلف نظرة هذه الجماعات للقاعدة من واحدة إلى أخرى، هذا عدى عن أن كل فصيل هو غير متجانس من الداخل، كالسلفيين مثلا هناك أكثر من فصيل وتيار فيه، وكل له موقفه الخاص به، وإن كان التيار العام والغالب في السلفيين هو يرى عدم جواز ما تقوم به القاعدة من أعمال تخريبية، وهذا الفصيل يتمثل بما بات يعرف بالسلفيية التنظيمية كجماعة الحكمة وإلى حد ما بعض مشايخ جماعة الإحسان، مع بعض التحفظات على موقف بعض أطراف هذه الجماعة الأخيرة ، فكرياً في موضوع العنف والإرهاب، حيث لا تدينه ولا تشجعه.
الفصيل الآخر هو فصيل الجماعات التقليدية وهو فصيل يندرج تحته عدد من المراكز السلفية كدار حديث دماج ومركز مأرب لأبي الحسن وإن كان هذه أقرب في وجهة نظره من فصيل الحكمة بخصوص القاعدة، ومركز معبر و حبيش والأفيوش في محافظة لحج، وهذا الأخير كان له موقف واضح وصريح في قتال القاعدة.
وأما بالنسبة لحزب التجمع اليمني للإصلاح ، فاعتقد أن موقفه واضح وجلي في موضوع القاعدة وهو الموقف المستنكر والمدين والرافض لمثل هذه الأفكار المتطرفة التي لا طائل من ورائها سوى الخراب والدمار، والفوضى وعدم الاستقرار، وهذا موقف قديم وثابت للإصلاح بخصوص العنف والإرهاب.
أما جماعة الحوثيين، فهي جماعة مذهبية تقول أنها إحيائية في إطار المذهب الزيدي ، وموقفها من القاعدة نابع من الاختلاف الفكري والعقائدي بين الطرفين فكريا و طائفياً ً مع القاعدة لكنهما يلتقيان سوياً في ممارسةً العنف، والوقوع فيه وإن اختلف المبرر عند الحوثيين، عما هو كائن لدى القاعدة لكن النتيجة واحدة، هي الدمار والخراب والفوضى.
- بالنسبة لجماعة الحوثي، كيف تصنف طبيعة هذه الجماعة وهل تنضوي في إطار ما يسمى بالجماعات الإسلامية ؟
- لا شك أنها تنضوي في إطار الجماعات الإسلاميوية، برغم من انطلاقها من تفسير أُسري خاص للإسلام، وأما عن طبيعتها فهي لا شك جماعة مذهبية طائفية عنصرية، بحسب كل أدبياتها التي تستند فيها إلى تاريخها السلطوي الذي قام على أساس التمايز العرقي الذي أدعاه ونادى به أئمتها على امتداد تاريخهم الطويل منذ قدوم الإمام الهادي يحيي بن الحسين الرسي إلى صعدة اليمن في 282 هجرية وحتى أخر أئمتهم محمد البدر الذي أنهت ثورة ال26 من سبتمبر 1962م حكم أبيه وأسرته.
و الحوثيون يقولون أنهم جماعة إحيائية زيدية، أي تنتمي إلى المذهب الزيدي، وهي تدعو أنصارها للعودة إلى ماضي أبائهم وأجدادهم وهنا مكن خطر هذه الجماعة اليوم ، كونها تبني عقيدتها على نظرية سياسية استبدادية ، متمثلة بإدعاء الحق الإلهي في الحكم، وهو ما يعبرون عنه زيدياً بالإمامة والبطنيين، ولهذه الإشكالية تاريخ طويل من الأحزان والدماء والاقتتال والفرقة في اليمن يمتد إلى ما يقارب 1200 عام.
- كيف نشأت هذه الجماعة «الحوثية » ولماذا بالذات في صعدة ؟؟
- نشأت الحوثية، كجماعة أصولية مذهبية ، و هي ربما النسخة شبه النهائية، لما يُعرف ب«الإحيائية الزيدية» التي مرت بعدة مراحل، فتمثلت في الثمانينات بمرحلة تيار الشباب الذي أسسه العلامة صلاح فليتة، ومرحلة التسعينيات، والتي تمثلت وتزامنت في ذات الوقت مع حزب الحق، ومنتدى الشباب المؤمن الذي أسسه المفكر محمد سالم عزان ومجموعة من زملائه.
ويميز الباحثون في الظاهرة الحوثية، بين مرحلتين ، مرحلة المؤسس حسين بدر الدين الحوثي، ومرحلة خلفه في قيادة الحركة، أخوه الأصغر، عبد الملك الحوثي، حيث يلاحظ أن المرحلة الأولى، كان فيها تفكير الجماعة و خطابها ، أقرب إلى المخيال المذهبي المؤدلج، مما أوقع الجماعة في مواجهات عدة مع الدولة.
أما المرحلة الثانية، وهي مرحلة ظهرت فيها الحركة أقرب إلى الجماعة الحركية السياسية، تمارس السياسة ببرجماتية عالية، وإن ظل خطابها لأنصارها منكفئ على تاريخ مذهبي عنصري سلالي، يحتكر الدين والحكم، وهذا ما كشفته مؤخراً وثيقتهم الفكرية والثقافية، التي أماطت اللثام عن كثير من حقائق هذه الجماعة وتناقضها الكبير فيما ترفعه من خطاب سياسي حداثوي وممارسات عنصرية مذهبية فاضحة.
وهذا ما يدركه الكثير من المراقبين لهذه الجماعة حيث ترفع مطالب سياسية حداثوية كالديمقراطية والدولة المدنية والتعددية السياسية، فيما هذه العناوين لا تستقيم مطلقاً مع مطالب وثيقتهم الفكرية والثقافية، كون هذه الشعارات المطلبية تتناقض مع مبدأ الإمامة السياسية والأفضلية العرقية التي يرتكز عليها مذهبهم الفقهي، الذي احتكر فهم الدين وتفسيره والحكم و أهله في جنس معين من البشر، من يطلقون على أنفسهم بأهل البيت، وحرمهما على غيرهم من المسلمين قاطبةً.
-وكيف تصف تحركات جماعة الحوثي من الناحية السياسية ؟؟
- سياسياَ اثبت الحوثيون قدراً كبيراً من البرجماتية السياسية التي تفتقر إليها مثيلاتها من الجماعات الدينية، و أعتقد أنهم سياسياً أفضل بكثير من القاعدة أو الجماعات السلفية الأخرى ، كون ذلك عائدُ بشكل أساسي إلى الخلفية التاريخية الحاكمة التي يستلهمونها، فضلا عن المتغير الجديد في المعادلة، بدخول قوىٍ إقليمية على الخط ، ساهمت في تأهيلهم سياسياً بشكل كبير، وزودتهم بالمال والإعلام، فيما الجماعات الأخرى، تعاني من تشوش منظومة الأفكار السياسية لديها بل يكاد انعدامها، فيتصرف الحوثيون كأصحاب حكم مسلوب يسعون لاستعادته، فيما الآخرون، بعضهم يرى السياسة رجساً من عمل الشيطان، والبعض الأخر يراها أقرب إلى الكهانة أو لعبة يانصيب، قد يفوز فيها أو يخسر.
و مع ذلك وقع الحوثيون في أخطاء ومغالطات سياسية كبيرة، من قبيل الحروب التي يشنونها على بعض المناطق في محافظة حجة وقبلها في الجوف وعمران، فيما يعلنون أنهم لا يقاتلون أحداً هنالك وأن ما يتم هناك هو فقط دفاعهم عن أنفسهم، فيما كل الشواهد والحقائق تظهر أنهم مهاجمون لتلك المناطق ومحاصرون لها، ويأتون من مناطق بعيدة كمحافظة صعده التي يسيطرون عليها، فيما أهل تلك المناطق هم من يقومون بالدفاع عن أنفسهم ومناطقهم، ومثل هذا التناقض يزيد من قتامة صورة هذه الجماعة المشوهة كثيراً.
توجهت بعض التيارات الإسلامية السلفية مؤخراً لتأسيس أحزاب سياسية ماذا يعني ذلك ؟
لا شك أن مقدار الهزة السياسية والفكرية والثقافية التي أحدثتها ثورات الربيع العربي، كان لها دوراً كبيراً في ذلك، و ما نلاحظه من قبل بعض الجماعات السلفية و توجهها نحو السياسة التي كانت محرمة عند البعض منهم إلى عهد قريب، هو انعكاس لذلك الأثر الكبير الذي أفرز مثل هذا المتغير السياسي الذي فاجأ الجميع بما حققه “السلفيون” في الانتخابات البرلمانية المصرية كأهم ثاني تيار بعد الإخوان المسلمون الذي يمتد عمرهم التنظيمي لأكثر من سبعين عاماً.
واعتقد أن دخول هذه الجماعات إلى حلبة العمل السياسي هو تطور إيجابي كبير في فكر هذه الجماعات، سيساهم بشكل كبير في تنمية المجتمع سياسياً وثقافياً، وسيرفد المشهد اليمني بمتغير سياسي جديد، عدا عن أهمية ذلك في ترسيخ قيم الحرية والعدالة و المساواة لدى هذه الشريحة الكبير من المجتمع، التي كانت معزولة عن هموم المجتمع و مشاكله و أوجاعه.
وتأتي أهمية كل هذا العمل، لكون دمج وتشجيع مثل هذه الجماعات الدينية في ممارسة السياسة، يهذب كثيراً من الأفكار المتطرفة والضيقة، ويسهم أيضا في نبذ فكرة العنف و يجرمها كون السياسة هي القبول بالأخر والتنافس معه في البرامج والرؤى والتصورات، والصندوق والانتخاب هو من يصعد هذا أو يقصي ذلك، و ليس قوة السلاح و العنف من يصنع المنتصر والمنهزم.
ما أسباب تحالفات الإسلاميين في اليمن مع قوى واتجاهات متناقضة معها إيديولوجياً كاليساريين مثلاً، وفي ذات الوقت نرى صراعات ساخنة بين الإسلاميين أنفسهم كالإصلاحيين و الحوثيين أو الحوثيين والسلفيين؟.
ستبقى تجربة تحالف إسلاميي الإصلاح مع يساريي الاشتراكي وقوميي الناصري و البعث، و غيرهم من القوى السياسية ، واحدة من أهم وأبرز التجارب السياسية والثقافية في العالم العربي على مدى العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين.
أما عن أسباب مثل هذا التحالف، فلا يخفى على أحد، مقدار الصراع الذي احتدم بين فرقاء الافكار في هذه الأحزاب التي صب صارعها في صالح تكريس نظام أسري استبدادي استفاد من ذلك الصراع في بناء وتقوية نظامه وسلطته، فيما منافسيه السياسيين يقتتلون فيما بينهم حول أشياء لا طائل منها قد عفى عليها الزمن، والمستفيد الوحيد منها هو الاستبداد الحاكم وتقوية ذاته بفعل هذا التشرذم لدى منافسيه.
وعندما اكتشف الفرقاء السياسيين، مألات ذلك الصراع، أدركوا مدى خطورة ذلك الفعل على مسار العمل السياسي الديمقراطي في اليمن، واحتمالية العودة إلى نقطة الصفر، وهي إلغاء التعددية السياسية والخيار الديمقراطي الذي جاءت به الوحدة اليمنية ، ورحم الله الأستاذ و المناضل الوحدوي الكبير جار الله عمر، الذي أسهمت أفكاره بشكل كبير في ترتيب المعادلة السياسية اليمنية، في تلك المرحلة والتي حققت نجاحاً كبيراً حتى اللحظة.
ولا شك أن أدبيات ذلك التحالف بين أحزاب المشترك الذي توصلوا إليها بعد مرارة التجربة السياسية التي خاضوها، ووصلوا لنتيجة واحدة جميعهم، وهي أن صراع الأيدلوجيات، في مجتمعاتنا لا يخدم سوى الاستبدال بكل صوره وأشكاله ، فيما الناس بحاجة إلى دولة ونظام يرعى مصالحهم وحقوقهم وكرامتهم، ولا يعنيهم صراع الديوك الأيدلوجية في شيء سوى أنه يزيد من معاناتهم وبؤسهم الذي طال أمده، ومن ثم كان حتماً أن يقف هذا العبث.
ومن بين ثنايا هذا الوضع المزري والعبثي ، الذي عاشته اليمن ما بعد حرب صيف 1994م، التقط بعض مفكري السياسة في اليمن، هذه الحقيقة وسعوا لتطويرها والعمل عليها ، حيث أن ما ينفع الناس هو الذي يجب أن نمضي نحوه، وترك كل ما يضرهم ويطيل معاناتهم.
ولا شك أن سؤ الفهم ذاك، الذي وقع فيه السياسيون حينها، كان نابع من رؤية قاصرة و ضيقة لمفهوم الإنسان والدين والدولة ، وغاب عن إدراكهم ربما أن كل ذلك من الدين والدولة والايدولوجيا والحزب والجماعة، كلها وسائل وآليات هدفها الأول والأخير هو خدمة هذا الإنسان وتحقيق رفاهيته وأمنه واستقراره.
أما بالنسبة للصراعات بين هذه الجماعات الإسلامية فهو راجع بشكل كبير إلى سوء التصور الذي تحمله كل جماعة عن الإسلام أولا ، ورؤيتها أن “تدينها” هو الإسلام ثانياً ، و الأخطر من ذلك كله، أن كل جماعة تسعى إلى أن تجعل من نفسها هي الناطقة باسم الله والإسلام، وأن كل ما يخالفها إنما يخالف الله والإسلام أيضا، وهذه كارثة ومصيبة كبرى، تعاني منها مجتمعاتنا الدينية ، أفراداً وجماعات، وخلف هذا كله إذا ما نقبنا سنكتشف، أنها المصالح والسياسة ولا شيء غيرها.
- ما هو تقييمك العام لأسلوب أداء ما يعرف ب (الإسلام السياسي) حزب الإصلاح أنموذجاً في اليمن؟
- أعتقد أن توصيف “الإسلام بالسياسي” ليس دقيقاً أولاً، كون هذا المصطلح جاء محملاً بمدلولات غير منهجية في التوصيف لهذه الجماعات والحركات الإسلامية، وأما ما يتعلق بتقييم أداء هذه الجماعات سياسياً في اليمن ، فليس هناك من جماعة تمارس السياسة بشكل واضح ودستوري سوى حزب الإصلاح، و أعتقد أنه قدم تجربة ونموذجاً سياسياً جيداً حتى الآن، محاكمة لواقعه السياسي والاجتماعي والثقافي، هذا على الصعيد العام، وأما على الصعيد الخاص فذلك يحتاج منا أن نفرد صفحات طويلة للحديث عنه في هذا الجانب.
ولكن ما لا يسعنا إغفاله في هذه العجالة لتقييم أداء هذا الحزب، هو أنه ينقصه الكثير من الممارسات المؤسسية و في مستويات مختلفة، وأعتقد أن العمل التنظيمي بهذا الشكل والقالب الجامد على صورة ونمط واحد منذ أكثر من خمسة عقود، لا يتناسب ومتطلبات هذه المرحلة جملة وتفصلاً.
و أعتقد أيضا أن الإصلاح كحزب بحاجة للكثير من العمل والتحديثات في الأدبيات والآليات والوسائل، التي يسير وفقها الحزب كون حجم التطورات السياسية والفكرية والثقافية والذهنية والتكنولوجيا باتت أكبر من الإحاطة بها و بتحولاتها المتسارعة، وهو ما يؤدي في حالة بقاء الوضع في الحزب على ما هو عليه، إلى اتساع الفجوة بين أجيال الحزب القديمة والجديدة، ووجود مثل هذه الفجوة، يعني أن إعاقة عملية و تحديثية كبيرة لم ولن يستطع الحزب تجاوزها، وهو ما يشكل تحدي كبير أمام تماسك الحزب وبقائه بقوته و شكله الحالي.
إن أهم شيء يواجهه الإصلاح كأكبر حزب سياسي تنظيماً وانتشاراً على الساحة اليمنية هو صراع الأجيال والتباينات الثقافية والانطباعية أيضا التي يحملها كل جيل عن الأخر، هذا عدا عن أن الحزب يعاني من مرض نقصان الديمقراطية العضال الذي بات يهدد مفاصل الحزب، بالتكلس والجمود، والشيخوخة المبكرة، في حزب يمثل نسبة الشباب فيه أكثر من 60 %.
عدا عن ذلك، يمتلك الحزب قاعدة تكنوقراط واسعة، من حاملي الشهادات العلياء، المتخصصين والخبراء في مختلف المجالات والتفرعات العلمية والإدارية و الهندسية والطبية و الزراعية و السياسية والثقافية، مما يجعله في المرتبة الأولى من بين الأحزاب اليمنية التي تمتلك مثل هذه الخبرات والمؤهلات، التي يجب الاستفادة منها كل في تخصصه ومكانه.
وأعتقد أن هذه المرحلة بالذات من تاريخ اليمن والحزب والحياة السياسية برمتها ، هي بمثابة المرحلة الذهبية والفرصة الأخيرة تقريباً، التي ينبغي أن لا تفوت على قيادة هذا الحزب الكبير الاستفادة منها، وإعادة النظر في كثير من الأمور والسياسات واللوائح والممارسات ، التي طبقت فيما مضى من السنوات، وأصبحت الآن بحاجة ملحة للتقويم والتأمل ، بالدراسة والبحث والمراجعة، بعد كل هذا الوقت الذي مضى في ممارسة تلك السياسات التي ربما حققت بعض النجاح حينا ولكنها فشلت في أحايين كثيرة، عدا عن عدم جدوى الاستمرار فيها حالياً، ومن ثم حتمية اتخاذ الإجراءات العلمية المناسبة لحلها ، كحتمية طبيعية ومنطقية وعلمية وسياسية برجماتية أيضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.