تجدهم على قارعة الطرق..يحتضنون برودة الصعيد وحرارته.. ولا يبالون بضربات الشمس أو أمطارها.. فقط يمضون. نراهم دائماً.. ونشاهدهم على الدوام أنى اتجهنا.. غير إننا لا نصغي لمعاناتهم.. يرقبون تقلبنا في نعمائنا الزائلة ويغضون الطرف حزناً ألا يجدوا الكفاف منا في سد رمقهم المنهك بعد مشوار عمل يقضون نهارهم المضني فيه. الأولى بأمثالهم أن تحتضنهم فرش بيوتهم أو مقاعد مدارسهم بدلاً من ضرب الأرض في ابتغاء فضل الرزق الذي لم يستطع آباؤهم وذووهم توفيره لهم، ليظلوا في حالتهم هذه يكدهم الجوع والنصب من أجل فتات لا يسمن ولا يغني من جوع. إنهم أطفالنا.. أطفال هجروا مدارسهم لعسر حال أسرهم.. بل لقد هجروا بيوتهم فلا يرونها إلا عندما يأتي المساء مجهدين من كثرة (المرمطة) في الشوارع سعياً وراء الكفاف، وأحيانًا مجهدين من أصناف الأذى والعنف والاعتداء على طفولتهم الطرية، وبعضهم قد لا يجد في آخر الليل سوى أرصفة الشوارع.. أطفال تدفع بهم الأحوال المعيشية القاسية لأن يكونوا مواضبين في الأسواق منذ الصباح الباكر وحتى الليل لبيع هو أقرب للتسول منه للتجارة، لكن الإجهاد قد ينقض عليهم بغتةً فيرمي بهم على أي جنب لينالوا قسطاً من الراحة، غير آبهين ببضاعتهم الصغيرة ورأس مالهم الغض الذي ربما يتعرض للانتهاك والسلب والاغتصاب. أولئك هم أبناؤنا وإخواننا.. فيهم الفتيات القصر والأطفال الحالمون بحياة أفضل وهم يرمقون أقرانهم في الأسواق الكبرى يتمرغون بنعيم أهاليهم وهم يكتفون فقط بالنظر ويتمنون لو أن ذويهم قادرون على توفير ما عجزوا عنه. فلمثل هؤلاء يتوجب توجيه العون ومد أيادي الخير وإدخال السرور على قلوبهم الغضة وقلوب أهاليهم وانتشالهم من مستنقعات العنف والاعتداء والانتهاك، فهم يتواجدون في كل مكان وأمام ناظرينا فلا يستوجب الأمر هاتفاً أو رقم جوال للتواصل معهم.. إنهم بجانبنا.