سلسلة مقالات وجدانية للكاتبة والخبيرة في التنمية البشرية المدربة الدولية عائشة الصلاحي عن مؤلفها النوعي الصادر حديثاً (فارس النور)، من إصدارات مجلة نجاح المتخصصة في التنمية البشرية والعلوم الإدارية. من مرتقى إلى مرتقى تتابعت خطواتنا معك في رحلة المضاء التي بشرنا بها في (ومضة المنطلق) وفتحنا أوسع أبوابها في (انفلاق الحجر) وعرفنا سر المتعة فيها في صيدنا ل (لآلئ المحن).. كثيراً ما نتساءل: يا تُرى إلى أين تراك وصلت؟ حتماً إلى خطوات أبعد بكثير من ذلك المكان حيث بدأنا فيه رحلتنا معك.. لعلك أصبحت أكثر حيوية وبشاشة.. أو لعلك قد رسمت خط حياتك.. وقد تكون تقدمت أكثر وأعددت خطة زمنية وعملية لمشروعك الخاص.. أو تراك أصبحت تخطو أول خطواتك العملية لتحقيق حلمك الكبير.. أينما كنت فنحن سعيدون بكل ما وصلت إليه وثق بأنك قادر على المزيد الفريد.. وفي أسطرنا التالية سنُهديك سراً مهماً من أسرار التألق.. ونريدك أن تعي كلامنا جيداً ولا تكن كذلك المتعلم الصغير الذي استغرق وقتاً طويلاً من حياته ليفهم كلمات مربيه الثمينة التي خطها تعليقاً على إنجاز تلميذه.. فقد كان المتعلم الناشئ فرحاً جداً بإنجازه الذي رآه لا يُقارن بالنسبة لسنه الصغير وتوقع أن يكون تعليق مربيه وأستاذه صفحة من المدح والثناء والتشجيع لكنه تفاجأ بهذه الكلمات القليلة: (لكم أستشعر بالدفء حين أسمع همسك الطامح إلى المعالي.. وفقك الله وألهمك مكامن طاقتك وقدراتك وأسرارها). وحين عبر لأستاذه عن جهله للمغزى الحقيقي لهذه الكلمات.. تبسم المربي بحنان وقد ترقرقت عيناه بنظرة حكمة عميقة قائلاً بصوت: (لقد أهديتك سر القمة التي تنشد فاجتهد بني..) لم يزد المربي الصدوق كلمة واحدة على الرغم من سيل التساؤلات التي امتلأت بها عينا صغيره الحائر.. وكانت الأيام خير شارح لصاحبنا عن ذلك السر، ففي كفاحه المستبسل للتميز اكتشف أنه بدأ يتوه وتتبعثر خطواته المتحمسة وسط أحلامه الغزيرة ومواهبه المتعددة.. الكثير من الحماسة والعديد من الأماني القوية وشعلة متوهجة من المواهب المتنوعة.. إلا أن كل هذا لم يسرع به – كما كان يظن – إلى ما إذا.. تساءل كثيراً عن سبب تلك العثرة التي راحت تلاحقه من فترة إلى أخرى في مسيرته. ولأن السنين أنسته – بأستار أحداثها – تلك الأسطر المهداة من مربيه.. فقد تأخر الجواب الشافي لتساؤلاته إلى أن جاء ذلك الوقت الذي قرأ فيه عن ذلك الشاب اليافع الممتلئ بالحيوية والنشاط.. المفتول العضلات، الصارم العزم الذي مضى إلى الغابة وهو مصمم على قطع أكبر شجرة سيصادفها وحين وجد بغيته رفع فأسه الحادة وبدأ يقطع جذع الشجرة الضخمة التي تهاوت بعد وقت قياسي.. لكم أثلج صدره هذا الإنجاز المميز فعاد لبيته عازماً على أن يقطع شجرة أكبر في اليوم التالي. وكانت المفاجأة في اليوم التالي.. إذ أنه استغرق وقتاً أطول وجهداً أكبر في قطع شجرة تقارب سابقتها في الحجم مع أنه من المفترض أن تكون أسهل عليه.. لم يدقق في البحث عن السبب.. في اليوم الثالث كان الأمر بالغاً في الإحباط والحيرة حين بلغ الجهد به أيما مبلغ ولم يستطع أن ينجز حتى النصف من قطع شجرة أصغر بكثير من سابقتيها مع أنه قد بدأ في عمله منذ وقت ليس بالقصير. وبينما هو جالس يلتقط أنفاسه المتسارعة ويجفف عرقه.. مرّ عليه شيخ تبدو عليه الحكمة.. وما إن ألقى عليه الشيخ السلام حتى أدرك من رده أنه مستاء جداً وحين سأله عما يضايقه، أجابه الشاب في حيرة بأنه من المفترض أن يزيد قوة كل يوم ولكن العكس هو الحاصل وشرح له ما حدث معه.. تبسم الشيخ بذكاء وألقى نظرة فاحصة على فأس الشاب الملقى على الأرض وما أن تحسسه بأصابعه حتى أدرك السبب.. فرد بهدوء: يا بني قبل أن تجتهد في قطع الشجر.. اجتهد أولاً في شحذ فأسك. ها هنا عند هذه الكلمات المضيئة من القصة أدرك الناشئ المتعثر المعنى العميق للقصة ولمعت في ذاكرته المتوقدة كلمات مربيه القديمة.. نعم الآن أدرك ذلك السر الثمين.. فهل فهمته أنت؟؟ لقد نبه المربي الأمين تلميذه لأهمية تحديد أبرز قدراته ومواهبه.. ووجهه لتطويرها وصقلها واستغلال أسرارها كما يجب لتحقيق أهدافه التي ينشدها.. الموهبة هي وسيلتك الأمضى لتحديد اتجاه بوصلة حياتك ولتحقيق هدفك الاستراتيجي كما الفأس الحادة هي الوسيلة الأنجع لقطع الأشجار.. شحذ الفأس هام عند القطع وإلا خسرنا الكثير من الجهد والوقت في الضربات غير المركزة وغير المؤثرة.. وكذلك فإن تطوير الموهبة هام جداً بل استراتيجي للنجاح. تنبه ففي (درب الشهب) شددنا على يديك لتحديد المسار والهدف الذي سيكون مشروع حياتك.. وهنا نعزم عليك أن تقوم بتحديد الموهبة الأكثر ارتباطاً بهدفك وأن تشرع فوراً في شحذها وصقلها حتى تتحول إلى مهارة بارعة بل احتراف متميز.. تأكد أن وراء كل إنجاز عظيم مهارة واحتراف متألق. والآن بادر وقم بتحديد الموهبة الأحب والأكثر ارتباطاً بروحك وبمشروع حياتك.. هناك الكثير من المواهب والقدرات لديك.. احصرها ثم حدد الأحب والأكثر ارتباطاً.. حسناً.. الآن حدد المعايير الأعلى للاحتراف في هذه الموهبة لتتحول إلى مهارة متميزة.. استعن ببعض الكتب أو بالمتخصصين إن تعسر عليك الأمر، لكن لا بد أن تكون لك إضافتك الخاصة في هذه المعايير فلا بد من بصمة روحك وطموحك. تبقى الآمال حسرة حين لا نبادر إلى وضعها في الفعل الجاد.. لهذا سارع إلى التعلم والتدرب والممارسة المنظمة المرشدة غير المتوقفة على كل مرحلة تنجزها.. إن لم تجده لا تيأس واستمر في البحث عنه إلى جانب تطويرك الذاتي لنفسك، فمعظم العظماء كانوا من صنع جدهم واجتهادهم بعد فضل الله عليهم. ثم إنه لا بد أن توجد لك قدوات يلهمونك الدافعية ويلهبونك حماسة في إتقان هذه المهارة أكثر فأكثر.. قد تكون قدوات من غابر الأيام ماتوا ولكنهم أحياء في الذاكرة بإبداعهم واحترافهم، وقد يكونون معاصرين لك بعيدين عنك أو قريبين.. كلها قدوات وكلها مؤثرة حتى وإن كان هناك فارق في الدوافع والمعتقدات، فأنت تبحث عن المهارة التي تنشد وتترك ما لا ينفعك مع ضرورة إلمامك بشيء منه للتعلم والتنافس. تذكر كل ما أوصيناك به في رسائلنا السابقة فهو مهم في رحلتك للاحتراف، ولهذا تأخرت وصيتنا هذه حتى نطمئن إلى استعدادك لهذه الرحلة.. المهارة هي الخط الفاصل بين الجد والهزل في مسيرتك للنجاح.. وهي المؤشر الفصل بين الهواية والاحتراف.. فالمهارة هي التي تحدد مرتبة الريادة في ساحة التنافس والسباق.. لا بد أن تدرك أن شرط الإبداع هو التركيز في ما تجيد، والتكريس للجهد في اتجاه محدد، فالبخار والغاز مثلاً لا يمكن أن يحركا شيئاً حتى يتم حصرهما وتوجيههما، بل لا يمكن أن يتحول شلال من الماء الهادر إلى نور وطاقة، وإن تكن حتى شلالات نياجرا نفسها وهي الأعظم في العالم، حتى يُحصر في نفق مؤدي لما نريد. معنى صغير لكنه عميق وطويل بطول رحلتك الأكيدة النجاح إلى القمة.. ابدأ الآن.. ولا تتردد، فإن كل ابن آدم لا يخلو رأسه من حكمة أو موهبة. مباركةٌ خطواتك الواعية الثابتة للاحتراف.