توترات وقطع طرق رئيسية في حضرموت    دبي تحتضن النزال العالمي المرتقب بين عثمان نورمحمدوف وبول هيوز في 3 أكتوبر المقبل    نهب البنك المركزي وأسعار الصرف بصنعاء وعدن وفضيحة "الإعاشات"    بوليفيا تفجر مفاجأة من العيار الثقيل وتقصي البرازيل عن المراكز الأولى    منتخب الناشئين يدخل مرحلته الأخيرة استعداداً لبطولة كأس الخليج    ضبط 86 متهماً بإعانة العدوان و7 مطلوبين للعدالة في الضالع    انتهاكات إسرائيل لسيادة الدول.. اغتيالات وغارات وتوغلات خرقت القانون الدولي    5 وفيات بصواعق رعدية    د. أسامة الأصبحي: التقرير الاستقصائي عن الانتهاكات الجسيمة بحق الأطفال المهمشين في اليمن رسالة للمجتمع الدولي بضرورة التحرك العاجل    استقالة العولقي وغموض الموقف.. أين الحقيقة    سالم ثابت العولقي بين التصحيح او الإستقالة    اليمن في مواجهة السعودية 4 عصرا    اعتراف صهيوني بتصنيع يمني متفوق للمسيرات    خشعة حضرموت ومكيل يافع مواقع عسكرية ستصيب الجنوب في مقتل    حزب الإصلاح.. إعلام الوهم بعد فضائح وهزائم الجبهات    مدير شركة مصافي عدن: الأسابيع القادمة ستدخل الوحدات الانتاجية للخدمة    عدن.. تشكيلات مسلحة تقتحم مستودعات تابعة لشركة النفط والأخيرة تهدد بالإضراب    مسؤول رقابي يتسأل عن حقيقة تعيين والد وزير الصحة رئيساً للمجلس الطبي الأعلى بصنعاء    الجاوي يدعو سلطة صنعاء لإطلاق سراح غازي الأحول    تسجيل هزتين أرضيتين غرب اليمن    تكتل قبائل بكيل: العدوان الإسرائيلي على الدوحة اعتداء سافر يمس الأمن القومي العربي    تصفيات اوروبا لكأس العالم: انكلترا تكتسح صربيا بخماسية    تصفيات أفريقيا المؤهلة لكأس العالم: كوت ديفوار تحافظ على الصدارة    مصر تقترب من التأهل إلى كأس العالم 2026    قطر: لم يتم إبلاغنا بالهجوم الإسرائيلي مُسبقًا ونحتفظ بحق الرد    قيادي في الانتقالي يستقيل من رئاسة مؤسسة هامة ويبين أسباب استقالته    مصر: إحالة بلوغر إلى المحاكمة بتُهمة غسيل الأموال    جامعة حكومية تبلغ طلاب قسم الأمن السيبراني بعدم قدرتها على توفير هيئة تدريس متخصصة    الرئيس المشاط يعزي في وفاة الشيخ شاجع درمان    بين جوع العمال وصمت النقابات.. حكاية الرواتب المؤجلة    أمين عام رابطة الجرحى بمأرب يتحدى الإعاقة ويحصل على الماجستير في الرياضيات    اليمن يودّع حلم التأهل إلى كأس آسيا بخسارة أمام فيتنام    الجراحُ الغائرة    اجتماع يناقش آثار إضراب المعلمين وآلية استقرار العملية التعليمية في شبام بحضرموت    إب.. السيول تغمر محلات تجارية ومنازل المواطنين في يريم وتخلف أضرارا واسعة    وداعاً بلبل المهرة وسفير الأغنية المهرية    دعوة يمنية لعودة اليهود من فلسطين إلى موطنهم الأصلي بلاد اليمن    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يزور مكتب الصحة بالمهرة ويطلع على الخدمات المقدمة للمواطنين    وقفة احتجاجية لطلاب جامعة العلوم والتكنولوجيا بعدن رفضا لرفع الرسوم الدراسية    لحج.. غموض يكتنف تصفية مصنع حكومي لإنتاج معجون الطماطم بعد بيع معداته ك"خردة"    الأرصاد يحذّر من أمطار غزيرة مصحوبة برياح وحبات البرد في عدة محافظات    تواصل فعاليات "متحف الذاكرة" بتعز لتوثيق معاناة الحصار وصمود أبناء المدينة    الاطلاع على تنفيذ عدد من مشاريع هيئة الزكاة في مديريات البيضاء    يا عزيزي كلهم لصوص    وفاة الفنان اليمني محمد مشعجل    خبير مالي يكشف عن نزاع بين البنك المركزي بعدن ووزارة المالية    الزبيدي يعطي الاهتمام لمصفاة عدن كركيزة هامة للاقتصاد الوطني    62 تغريدة صنعائية في حب "التي حوت كل فن": من يبغض صنعاء فإن له معيشةً ضنكًا*    روسيا تعلن عن لقاح جديد "جاهز للاستخدام" ضد السرطان    تعز.. حملة ميدانية لإغلاق شركات الأدوية المخالفة للتسعيرة الجديدة    طنين الأذن .. متى يستدعي القلق؟    بحشود ايمانية محمدية غير مسبوقة لم تتسع لها الساحات ..يمن الايمان والحكمة يبهر العالم بمشاهد التعظيم والمحبة والمدد والنصرة    وفيكم رسول الله    كتاب قواعد الملازم.. وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن " بول دريش جامعة أكسفورد" (12)    مرض الفشل الكلوي (20)    اكتشاف تأثير خطير لمرض السكري على القلب    للمعاندين: هل احتفل الصحابة بالمولد بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام    حلاوة المولد والافتراء على الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلسفة الهامش والكتابة بلغة الأساطير
(قمر في الظل)..
نشر في الجمهورية يوم 28 - 12 - 2012

لست أدري أية ثقافة تراكمية شاسعة وأية إجراءات وآليات نقدية متنوعة مكنت الناقد الشاب /علوان الجيلاني ومنحته طاقة الآلهة الأسطورية نقدياً ومعرفياً للاقتراب من عوالم شتى مختلفة التراكيب والمؤدى لمبدعين كثر على اختلاف مشاربهم وأجناسهم الكتابية المتنوعة؟. لعل الإجابة عن هذا السؤال تكمن في مقدار إخلاص الناقد للمعرفة وتعلقه بها وتماهيه معها علاوة على ذلك سعة ثقافته وبصيرته الثاقبة المرهفة ووضوح رؤيته وعمقها واتساع مداها وامتدادها في اتجاهات شتى قد أسلمته قياد القراءة النقدية وخبرة الغوص في أعماق عوالم نماذجه المختارة مادة للكتاب ( قمر ...في الظل ) والقارئ المنصف لهذا الكتاب الرائد في موضوعه سيجد قدرة استنطاق مؤلفه للشاعر والناقد والمؤرخ والتربوي والمفكر وبما يتوافق مع خطوط النقد المعروفة ومقولاته النقدية الكبرى وبما لا يتعارض مع طبيعة رؤيته النقدية الحديثة ومحدداتها المنهجية.
فلسفة الهامش :
اشتغل علوان الجيلاني في كتابه ( قمر ..في الظل ) وفق محمولات فكرة فلسفية حديثة مفادها الاعتناء بالهامش ، وفلسفة الهامش هذه تقوم في أساس مواضعاتها الثقافية وأسئلتها المعرفية ومنطلقاتها الفكرية على أساس حقيقة لا مناص عنها، فالهامش فلسفة والهامشي يصبح مع الوقت مركز الحدث و سوف تتعاظم هذه الفلسفة الهامشية شيئاً فشيئاً على هامش المركز الذي عمل دائماً على تجاهلها ورفضها وعزلها وتهميشها، ولكنها وككل الحركات الهامشيّة ستقاوم ضغط المركز ووفق هذه المقاربة سيعطى الهامش قيمة وحيوية تفضي إلى إعادة ترتيب العالم وتتعامل مع الهامش ياعتباره متنا والمتن باعتباره هامشا ،بمعنى أن الناقد والمتأمل للعالم وفق اشتراطاتها هذه الفلسفة الحديثة سيقف في زوايا جديدة ينظر منها للعالم تختلف عن الزوايا التي كان يقف عليها النقد التقليدي وينظر من خلالها العالم والأشياء.
وهذا الاستغال النقدي الحديث مهم للغاية في إجراءاته المتبعة ونتائجه التي يتوصل إليها لأن عرباته المعرفية والفكرية ستقل القارئ والمتلقي معاً إلى جزر مغمورة لم يصلها الضوء بعد ، ولأن هذا الاشتغال الحديث يستدعي كذلك استخدام إجراءات ووسائط قرائية حديثة تعين القارئ على استغوار أعماق النصوص حال تشبثه بالإجراءات المتبعة من تفكيك وتحليل وتأويل متعدد المستوى القرائي والنصي ، الأمر الذي جعل النقاد التقليديين يحجمون ويبتعدون عن عوالم هذا الاشتغال النقدي ، الذي يعد ضمن اشتغالات نقد ما بعد الحداثة وبما يتواءم مع جوهر فلسفته واشتراطاته ومحدداته النقدية.
ولعل تصدر الناقد الجيلاني لقراءة نماذجه وفق هذا الاشتراط الحداثي هو ما ميزه وجعله مغايراً ومختلفاً ، وأعطى كتابه هذا (قمر..في الظل ) هذا التميز والفرادة.
الكتابة بلغة الأساطير:
هل تشكل اللغة عند الناقد هاجساً في كتابة مشروعه النقدي؟ هل اللغة النقدية تساير الإبداع أم تظل منفصلة وتكتفي بجفاف المصطلح؟ هل اللغة الشعرية في النقد لغة ملتبسة ومضللة للمتلقي؟ أسئلة قد تبدو مهمة للناقد الذي يتعامل مع اللغة برؤيا تتسع لرصد هذه الإشكاليات في كتابة النص النقدي.
لعل أهم الإشكاليات التي تنطوي عليها هذه القضية هي إشكالية العلاقة بين منتج المقاربة النقدية ومتلقيها ‘'إذ كثيرًا ما تتسع الفجوات بين الناقد وقارئه، إما اعتدادًا منه بأنه ينشئ نصاً علمياً له لغته الخاصة، ولن يتواصل معها بالضرورة إلا من امتلك الحد الأدنى من لغة العلم ومفاهيمه، وإما عمدًا منه بتلبس لباس العلمية وتكلف ما يدل عليها، فيكون اصطناع العلمية والتمظهر بها هدفًا في ذاته ، وإما لأنه يعتقد أن النص النقدي لا بد أن يُلبس بلباس اللغة الجمالية التي قد تزين واجهة النص، فتستر بعض البقع المهترئة فيه، أو تقوم بدور تعويض النص عن الأفكار التي تعوزه، كما يقول جوته: «نلجأ إلى الكلمات حين تعوزنا الأفكار» أو أنه يعتقد أن النص النقدي هو نص إبداعي بمعنى ما ، وإن كان ينبغي الاحتراز في معنى هذه العبارة، إذ ليس القول إنه نص إبداعي آخر إلا من زاوية كونه ليس دائمًا مجرد تفسير أو تعليق على النص الإبداعي فحسب وهذا ماجعل الجيلاني يمزج لغة الخطاب النقدي بالتوظيف الأسطوري وأهمية الأسطورة تنبع من حضورها في الثقافة الجمعية، ومن كونها تمثل انعكاساً للاشعور الجمعي مما يجعل استدعاءها، يستدعي معها فضاءها التخييلي والوجداني ودلالتها الرمزية الموحية فعند كتابة الجيلاني عن نوافذ جحاف يوظف أسطورة بنات الجرجون وهن اللواتي يحولن المعاني المجردة إلى أشياء ملموسة المخاوف تصبح تماثيل حجرية وكذلك السعادة والألم وبنات الجرجون كالمبدع تماما فهو يحول الكلام العادي إلى جواهر ولآلىء ثمينة ، وهن كذلك مثل أعلى لكل النقاد. فهم لا يستطيعون أن يدرسوا شيئا إلا إذا تحول في أيديهم إلى شيء يعرفون ماهيته وخصائصه ...
وبنات الجورجون هن اللاتي وضعن أسس النقد الأدبي .. فإذا لم تتحول الكائنات الحية إلى جثث، إلى أشياء يسهل تشريحها وتحليلها، فلا علماً ولا نقدا أدبيا... ولأن قيمة توظيف الأسطورة أو توظيف رموزها وشخصياتها لا تتمثل، في بعدها الدلالي الذي تنطوي عليه، وإنما تتجاوزه إلى البعد الجمالي المتأتي من حضورها في اللاشعور الجمعي، ومن الكثافة والتوتر الدرامي اللذين تمتلكهما، والفضاء التخييلي الذي تستدعيه معها وهذا ما نلمسه عند توظيف الجيلاني انبعاث (برمثيوس)عند مقاربته للنهر الظامئ /أيوب طارش ، وبرمثيوس هو الرجل الذي تنهش النسور قلبه ، ثم ينبت له قلب جديد لتجيء النسور وتنهشه من جديد وهذا التوظيف المحدد أراده الجيلاني هكذا مبتسرا عن باقي الأسطورة بقصد خدمة رؤيته وإلا فإن برمثيوس حين سرق شعلة المعرفة من عند زيوس كبير الآلهة ليعطيها للبشر. كان بروميثيوس إلهاً كذلك، لكنه ارتأى أن المعرفة لا يصح أن تبقى لدى الآلهة فقط، و لم يكن أبداً مؤيداً لزيوس في عزلته عن البشر واحتقاره لهم. و بالرغم من تحذيرات زيوس له بأن المعرفة المقدسة لا تصلح للبشر ، فقد خدعه بروميثيوس و أعطى للبشر - الساكنين في الكهف المظلم آنذاك - ما قد يفتح لهم مجال الألوهية.
حين أضاءت النار المقدسة الكهف المظلم، تفجّر الإبداع لدى البشر! و بدا أنهم قد يصيرون هم ايضاً آلهةً أو ما شابه. عندها، اشتد غضب زيوس - كبير الآلهة - على بروميثيوس و على البشر؛ فقرر أن يعاقب الجميع!
عوقب بروميثيوس - الإله الطيب - بأن عُلِّق على جبل القوقاز عارياً، بينما النسر الإلهي يأكل كبده. و حتى يدوم عقابه للأبد، فقد أمر زيوس بأن يُخلق له كبدٌ جديد كلما فنى واحد… بعد اتضاح الرؤيا لهذه الأسطورة نلاحظ أنها في عمقها تخدم فكرة الهامش المقصي المستبعد من الحضور لأسباب كثيرة ذاتية واجتماعية وثقافية وسياسية وهكذا تحمّل الجيلاني كما تحمل_ من قبله_ بروميثيوس ثمن محبته للبشر وانحيازه للمغمورين والمهمشين!.
ومن هنا تأتي مسايرة اللغة النقدية للإبداع،عند الجيلاني ولكنها المسايرة التي لا تصل إلى حد الذوبان الكامل في مكونات الإبداع الذي تضيع معه الكثير من الحدود الفاصلة بين لغة الإبداع ولغة النقد وهذا ما نجده عند الاقتراب من مقاربته النقدية لاشتغالات الشاعر عبد الرحمن بكيرة وعند هذه المقاربة بالتحديد يبلغ الاشتغال النقدي ذروته حينما يسعى إلى التأصيل لمفردة (التشطير) وتلاقي معنى المفردة المعجمي والبلاغي ومدى تعالقها بمصطلحات بلاغية أخرى كالمعارضات والنقائض والمطارحات والإجازات ومناقشة ذلك على ضوء المناهج النصية والتناص والتماثل النصي عند جيرار جينت«1» وهو ما يمكن تسميته ب(التعالق النصي) الذي عبره يحاول النص تمثل واستيعاب نصوص سابقة عليه زمنياً , وتحويلها إلى مكون ضمني في بنيته النصية , لتصبح عنصراً أساسياً في بنائه الفسيفيسائي المتمازج ؛ فإذا كان النص بنية دلالية تُنتج ضمن بنية أوسع من السياقات النصية المنتجة وعند هذا المستوى يوظف الناقد في ثنايا مقاربته أسطورة أوديب.... وملخص هذه الأسطورة بأن العراف قال لملك طيبة آنذاك بأنه سيقُتل بيد ابنه ، وفي ذلك الوقت كانت زوجته ( جوكاست ) حاملا فلما ولدت اوديب أمر الملك بأن تدق مسامير في أقدام الوليد ويرمى فوق الجبل ولهذا السبب جاء اسمه أوديب . وهكذا دقت المسامير ورمي فوق الجبل فوجد الرعاة ذلك الطفل على تلك الحالة فأخذوه إلى ملك ( كورنثيا ) الذي تولى تربيته كما يُربى الأمراء ، ولما كبر أوديب أراد أن يعرف موطنه ومولده ولكن العراف لم ينصحه بذلك أي العودة إلى بلاده وقال له إن هناك خطراً ينتظرك وستقتل أباك وتتزوج أمك ولم يأبه أوديب بذلك وقرر أن يغادر كورنثيا ويذهب إلى طيبة موطنه الأصلي ، وفي الطريق صادف رجلا تشاجر معه واشتدت المشاجرة حتى قتله ، ولكنه لم يعرف أنه قتل أباه . ذهب أوديب إلى طيبة وفي ذلك الوقت كان ( ألسفينكس ) ذلك الحيوان الذي له رأس امرأة وجسم أسد وجناحا طائر يقسو على أهالي طيبة ويعذبهم اشد العذاب . وإن الآلهة أرسلت ( ألسفينكس) إلى طيبة ليسأل الناس ألغازاً ومن لم يحل تلك الألغاز يقتله دفع هذ ا الوضع (كربون ) خليفة الملك (لايوس) أن يعلن للناس بأن كل من يخلّص البلد من محنتها التي يسببها لها هذا المخلوق الشرير سيتولى العرش ويتزوج أرملة الملك (لييوس ) الملكة الجميلة (جوكاستا) ، وعندما دخل اوديب المدينة قابله ( ألسفينكس) و ألقى عليه ذلك اللغز الذي يتضمن : ( ما هو الحيوان الذي يمشي على أربعة صباحاً ، وعلى اثنين ظهرا ، وعلى ثلاثة مساء؟ ) أجاب ادويب على هذا السؤال وذلك بقوله انه الإنسان ، أي عندما يكون طفلا يحبو على أربعة وعندما يكبر يمشي على اثنين ، وعندما يشيخ يستعين بالعصا أي انه يمشي على ثلاثة . هناك روايتان إحداهما تقول عندما سمع سيفينكس هذا الجواب انتحر ، وأخرى تقول إن أوديب قتله . ونتيجة لذلك صار ملكا على طيبة وتزوج الملكة دون أن يعرف بأنها أمه وأنجب منها طفلة واحدة ، عندها جاء العراف وأبلغه بالحقيقة المرة فعندما عرفت زوجته التي هي أمه الحقيقة شنقت نفسها ، أما اوديب فقد فقع عينيه وغادر طيبة مع ابنته التي ولدتها أمه وهام ليعيش بقية حياته في البؤس.
وعند استقراء الدلالة من الاشتغال النقدي وما توحي إليه الأسطورة من دلالات ألا يتقترب صنيع المبدع حال_ تعالقه النصي_ بما أقدم عليه بطل الأسطورة حين قتل أباه وتزوج بأمه وهل الأب هنا إلا معادل موضوعي للنصوص السابقة وهل الأم إلا معادل موضوعي للنص الجديد.
أما عند ولوجه عوالم الفنان “هاشم علي “ فلا بد من التركيز على متضادات ومفارقات لا يملك قدرة تأملية لاستيعابها أو استخلاص أفكار غير آنية منها، لأن أي لوحة من أعماله رحلة خاصة ذات حمولة جمالية خاصة، و كل لوحة هي تجسيد شعوري لا تدنسه شوائب الروح أو انكسارات المرحلة التي ينتمي إليها الفنان وهو ما دفع الجيلاني لاستجلاء أجواء أسطورة بجماليون والعازف الأعمى ولهذا التوظيف دلالته فإذا كان بجماليون أصابه أمر لم يكن يخطر بباله فقد أحب تمثاله حبا شديدا وأصبح لا يقدر على فراقه لحظة واحدة ، يقضي معه ساعات الليل الطويلة يقبله ويدغدغ يديه ووجهه كان يفعل كل ذلك وهو يتخيل انه امامه امرأة حقيقية وليس تمثال وهذا ما يتراسل دلاليا مع شغف هاشم علي بفنه وتعلقه بأجواء الفن التشكيلي ...
وهكذا استمر الجيلاني في عرض خطابه النقدي المتعاضد برؤيته النقدية الحديثة والتوظيفات الأسطورية وبما يعكسه هذا التعاضدي العضوي من دلالات تخدم فكرة الناقد التي بنى عليها فكرة كتابه ، والكتاب في مجمل طروحاته النقدية لا يخرج عن هذا الاشتغال الناضج وبهندسة تكاميلة تؤكد على إبداع خالص وثقافة واسعة قل مثيلها ، وبما يخدم إظهار العديد من القيم المغمورة والمقموعة التي صحبت إقصاء الأعلام الذين أتى الجيلاني على ذكرهم في كتابه (قمر في الظل)
ولكن هذا لا يمنع أن أستدرك على الناقد استبعاده تجارب الإبداع النسائي فالأنثى هي دلالة الهامش ذاته فلماذا لم يتطرق الناقد الجيلاني لتجارب بعضهن ولاسيما الناضجة منها وهذه الملاحظة لا تقلل من أهمية الكتاب وريادته في هذا الباب فقد بذل الناقد علوان الجيلاني جهدا رائعا فوق المنتظر منه وثقتي أن المأمول منه أكبر في الأيام القادمة وحتى ذلك الحين أتمنى له تحليقا أعلى وأستغواراً أعمق للعالم ونصوصه الثرية.
ويكفي من البيان ما يدهش العصافير.
(1) جيرار جينيت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.