لا يجادل أحد في أن حاجتنا اليوم للمسئولية حاجة ملحة لا تتحمل التأخير أو التأجيل، بل إن حاجتنا تعظم مع ما يمر به بلدنا من منعطفات وأحداث مفصلية بالغة الحساسية والتعقيد، ولا نبالغ إذا قلنا إن حاجتنا للمسؤولية اليوم إزاء ما يمر به الوطن أشد من حاجتنا للماء والهواء والغذاء. ودعوتنا للمسئولية نداء يجب أن نستحضر معه مواطن التخلف، وأودية الضياع التي تهنا في دهاليزها، حتى لم نعد نبصر طريقنا. كنا وما زلنا وسنبقى نستبشر بالثورة التي صنعت كثيراً من وعي المواطن اليمني، وعدلت كثيراً من سلوكياته، وجعلت منه شخصاً آخر في تفكيره ونظرته لكثير من الأمور المطروحة على طاولة الحوار اليوم، وهل يشك أحد أننا عندما تشتد الأزمات أكثر ما نكون بحاجة لوجود الرجال الحقيقيين، لأننا في مثل هذه الحالة التي تقع فيها كثير من الهموم على عاتق الوطن نحتاج إلى تثبيت وجل الناس إن الرجل المسئول كما تقرر الأوطان التي نهضت هو عماد وروح النهضة، ومحور الإصلاح، أعدَّ ما شئت من معامل السلاح والذخيرة، فلن تقتل الأسلحة إلا بالرجل المحارب، وضع ما شئت من مناهج للتعليم والتربية فلن يقوم المنهج إلا بالرجل الذي يقوم بتدريسه، وأنشئ ما شئت من لجان فلن تنجز مشروعاً إذا حُرمتَ الرجل المسئول والغيور على وطنه!! ذلك ما يقوله الواقع الذي لا ريب فيه. إن رجلاً واحداً صاحب مسئولية قد يساوي مائة، ورجلاً قد يوازي ألفاً، ورجلاً قد يزن شعباً بأسره، وقد قيل: رجل ذو همة يحيي أمة. واليوم لا أبالغ إذا قلت إن المسئولية يحب أن تكون مطلبا يسعى للتجمل بخصائصها أصحاب الهمم، ويسمو بمعانيها الجادون، وهي صفة أساسية، فالناس إذا فقدوا أخلاق المسئولية صاروا وصرنا غثاءً كغثاء السيل، وخاصة عندما تُغمر خصائص المسئولية بجناية الرجال أنفسهم حين تتفكك المجتمعات.. ونريد أن نركز في الختام على مسألة مهمة مفادها أن في الإنسان صفة جامعة لكل صفات المسئولية، من اعتداد بالنفس واحترام لها وشعور عميق بأداء الواجب مهما كلفه من نصب وحماية لما في ذمته من بلاد منتسب إليها حببت له وبذل الجهد في ترقيتها والدفاع عنها والاعتزاز بها وأبى الضيم لنفسه ولها. هي صفة يمكن تحقيقها مهما اختلفت وظيفة الإنسان في الحياة، فالوزير الرجل - كما يقال - من عدّ كرسيه تكليفاً لا تشريفاً، ورآه وسيلة للخدمة لا وسيلة للجاه، أول ما يفكر بقومه وآخر ما يفكر بنفسه، يظل في كرسيه ما ظل محافظاً على حقوق أمته. لن يتربوا إلا في ظلال المسئوليات الراسخة، والفضائل الثابتة، والمعايير الأصيلة، والتقاليد المرعية، والحقوق المكفولة.. أما في ظلام التبعية المقيته، والتمدد المذهبي على حساب وطنية الشعوب وهويتها، فلن توجد مسئولية صحيحة، كما لا ينمو الغرس إذا حرم الماء والهواء والضياء. إهداء إلى التي جعلت عيني لرؤيتها سواحلا تتمنى عودة السفن إلى التي أودعتني في ربابتها لحنا يجدد شوق الريح للسكن إلى اليمن أناجيها فتذرفني على خدود الليالي دمعة الشجن