مثّل دخول شباب الثورة في الحوار الوطني وتعاطيهم مع التطورات السياسية لمسار الثورة تحدياً من نوع خاص، فبعد أن كانت التحديات والعقبات واضحة والجميع يرتصون معاً تحت قصف النيران وهم متمسكون بالسلمية كخيار استراتيجي ومصيري كونها السلاح الذي استطاع ان يواجه آلة الدمار والقتل في بلد تشكل معايير القوة والسلاح والدمار المدخل للسلطة والسياسة والنفوذ وتُنحى فيه جانباً قيم الحرية والمساواة والمواطنة وأتت كلمة الشعب لتحطم كل تلك الأساطير. ثم أتت التطورات السياسية لتبدأ التباينات داخل النسيج الثوري وتختلف الرؤى والحسابات والمواقف لكل طرف وأصبح أمام شباب الثورة المستقلين منهم أو الحزبيين تحدٍ كبير تمثل في تبني موقف محدد من الحوار وربما كان العبء على المستقلين اكبر هنا كونهم يمثلون مؤشراً مهماً لتوجهات قطاعات عريضة لا تشتبك مع العمل السياسي بشكل مباشر ولكنها عندما شاركت في الثورة بدافع الثقة بهؤلاء الشباب وأنهم خرجوا ليعبروا عن مطالبهم العادلة ويجب عليهم أن يكونوا انعكاساً صادقاً لنبض هذا الشارع. ولإدراك شباب الثورة حجم المسؤولية الوطنية الملقاة عليهم بعد أن نجحت ثورة الشعب الشبابية والسلمية في كسر الجود وحلحلة الوضع وفرض حتمية التغيير على الجميع ان خطورة وصعوبة الأوضاع تحتم علهم الرجوع إلى المبادئ الأساسية التي كانت مصدر قوتهم وأن نجاح الثورة لن يكون إلا بسلميتها وليس بشيء آخر كان قبول الشباب للحوار كونه قيمة إنسانية ومبدأً أخلاقياً ويشكل إطاراً للنضال لتحقيق الثورة وبسقف مفتوح ضمن ضوابط وأطر ومحددات وضمانات تضمن نجاح هذا الحوار وأن يكون حواراً حقيقياً وليس مجرد إطار لتمرير قناعات ومشاريع مسبقة او ساحة للتقاسم بين مراكز النفوذ القديمة والقوى التقليدية بعيداً عن ان يكون صوت الشعب. وكنا ندرك أن الحوار عندما أتى سيكون بين أطراف مختلفة ومتناقضة وبين أطراف وقفت أمام بعضها على شفير صراع أهلي يأكل الاخضر واليابس ويقضي على البنية الاساسية المدمرة أصلاً، ولكن لنجاح الحوار يجب أن يكون على مبدأ القبول بالآخر , هذا القبول الذي يأتي منسجماً مع مبادئ الثورة التي لم تقم ضد اي طرف من شركاء الوطن الواحد ولكن ضد عصابات الاستبداد والنهب والفساد، وإن الثورة لم تقم فقط من اجل أولئك الذين وقفوا معها فقط ولكن أيضا من اجل أولئك الذين وقفوا ضد مصالحهم وتم استخدامهم لصالح مشروع الطغيان فهولاء وقع عليهم ظلم مضاعف ويجب أن يكونوا موجودين في الحوار كأي مكون آخر للشعب اليمني ولكن ذلك لا يتفق مع إدخال عناصر ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وجرائم اغتيال تحت مسمى أطراف سياسية. وقدم الشباب عدة رؤى ومحددات لضمان نجاح الحوار الوطني وعندما وجد الشباب أن هناك رغبة دولية ومحلية لإتمام الحوار بشكله الموجود رغم كل الاعتراضات ولذلك حدد الشباب لأنفسهم خطاً أساسياً وهو أن يكون ممثلهم الحقيقي في الحوار هم شهداء جمعة الكرامة وشهداء الثورة السلمية وشهداء الوطن في جنوبه وشماله خلال تاريخ نضاله المستمر وذلك بأن يكون تحقيق أهداف ثورتهم للوصول إلى الدولة هو المخرج الأساسي للحوار، وكذلك عدم التنازل عن حقهم في العدالة وإدانة القتلة ولذلك فإن مشاركتنا في المؤتمر لن تكون كشهود زور ولكن لاستكمال الطريق الذي فتحته دماء الشهداء والجرحى للوصول إلى الدولة والعدالة. إن قبولنا بالحوار كقيمة إنسانية ومسار حضاري وآلية مقبولة تعتمد على التوافق والشراكة ونبذ الصراع والنزاع لصالح التفاعل الايجابي بين أبناء الوطن الواحد للتخلص من سلبيات المرحلة السابقة والانتقال إلى يمن جديد من خلال بناء الدولة التي تؤمن بالحقوق المتساوية. وإيماناً منا بأن الحرية حق مقدس لا يستطيع احد أن يمنعه أو يؤجله, وشباب اليمن في سعيهم للتمتع بهذا الحق مثل أقرانهم بكل الأرض العربية إنما يعبرون عن إرادة هذا الشعب اليمني والتي هي مصدر الدستور والقانون لأن الشعب هو من يعطي الشرعية. واستكمالاً لهذا الطريق وجب علينا أن نؤكد على عدد من المحددات والأطر الهامة أبرزها ما يلي: 1 - يجب على كل الأطراف المشاركة أن تدرك وجوداً فاعلاً لا يمكن تجاهله في خارطة التأثير على مستقبل اليمن لأول مرة وهو صوت الشعب الذي خرج صادحاً بكلمة لا أمام الظلم والطغيان والفساد وتحمل في سبيل هذا، ولهذا سيظل عامل الإرادة الشعبية الذي قدر البعض أنه استكان هو الضامن الحقيقي لتنفيذ مخرجات هذا الحوار. 2 - إن الوصول إلى التوافق الحقيقي حول الشكل الأمثل لبنية الدولة يجب أن يكون من خلال التعبير عن الإرادة الحقيقية لابناء هذا الشعب صاحب السلطة الحقيقي وأساس شرعية الدولة, وترجمة ذلك في دستور يقره الشعب اليمني مع حماية هذا الدستور من التعطيل والتلاعب خدمة لأطراف معينة. 3 - إن وجود ضمانات حقيقية لمبادئ الحكم الرشيد ومنع الطغيان وضوابط منع عودة الاستبداد وتضمينها دستوريا وقانونياً هو الأساس الذي يمكن أن يبنى عليه السلم الأهلي والاستقرار على أرضية سليمة. 4 - أن التعامل مع قضايا البعد الوطني كالعدالة الانتقالية والمصالحة يجب أن يكون بمسؤولية عالية تضمن إحقاق الحقوق وترسيخ مفهوم العدالة بما يضمن عدم تكرار هذه الجرائم مستقبلا وعدم الارتهان لإرهاب السلاح وفرض الواقع وهنا يبرز تحدٍ حقيقي للوقوف في صف الحقوق المشروعة للشعب والتصدي للجرائم الوحشية وغير الإنسانية ضد المدنيين العزل. والعدالة الانتقالية وإن كانت تقوم على أساس التصالح والتسامح إلا أنها لا تقبل بأقل من إنصاف الضحايا وكشف الحقيقة وإدانة المجرمين وليس فقط مجرد التعويض المادي لأنه لا يمكن أن يكون بديل عن العدالة. وهذه العدالة يجب أن تكون لجميع الضحايا في كل مراحل تاريخنا الحديث وفي كل أرجاء اليمن ولا يزال الكثير من الضحايا والمخفيين قضاياهم عالقة إلى الآن وأسرهم تنتظر هذا العدل الغائب ولو كان بشكل انتقالي. 5 - تمثل إعادة بناء الجيش والأمن على أسس وطنية وتحييد دور الجيش في الحياة السياسية وإعادته إلى مهمته الأساسية وهي حماية السيادة والحدود وكذلك إعادة القوى الأمنية الى مربع المؤسسات المدنية التي تقوم لخدمة المواطن لا لقمعه, مع التأكيد على نزع سلاح أي مجموعات خارج نطاق السلاح الرسمي للدولة تحت أي مسمى أو مبرر كشرط أساسي لمدنية الدولة. 6 - يجب أن تكون القضية الجنوبية مدخلاً لحل وطني شامل ينعكس على كل أبناء الشعب اليمني وحقه في تقرير مصيره السياسي واحترام الخصوصيات المحلية والثقافية مع التأكيد على المحافظة على الحقوق والحريات العامة والشخصية كون هذه القضية بما تحمله من خصوصية تمثل مؤشراً هاماً لمدى جدية التغيير الذي ينشده أبناء الشعب شباب الثورة من مؤتمر الحوار. 7 - أن التنمية الحقيقية تبتدئ بالإنسان الذي هو وسيلة التنمية وغايتها ولتنمية الإنسان يجب التركيز على إشباع حاجاته المعيشية والاقتصادية والاجتماعية بجانب القضايا السياسية والسيادية. وفي الأخير نرجو أن تكون مخرجات هذا الحوار بحجم التطلعات والآمال المعقودة عليه ونؤكد الشكر والتقدير والاعتراف بالجميل لكل من بذل نقطة دم أو قطرة عرق في سبيل الوطن وإن كان الحوار لم يستطع لأسباب مختلفة أن يكون صورة مثالية معبرة عنهم فيجب أن لا يغفل عن التعبير عن آرائهم وأفكارهم وأن يولي أهمية كبرى للمشاركة الشعبية والمجتمعية لإنجاح الحوار والوصول به وبالبلد إلى بر الأمان. # عضو مؤتمر الحوار الوطني الشامل عن شباب الثورة