لكل نوع من أنواع الغناء نكهته الخاصة، لكن وحده الغناء للوطن من يأخذ من كل تلك الأنواع أجمل ما فيها، فينتقي أثمن ما في جوهره ، وأحسن ما بداخلها، تتشكل في قالبٍ فني فريد يتجسد عبر الغناء للوطن! الغناء للوطن يأخذ من الغناء (للأم) الحنان الصادق، والمشاعر المرهفة، والشعور القوي بالانتماء اللا محدود إلى تلك البقعة التي يشعر الجميع بشرف الانتماء إليها، ويأخذ من الغناء (للحبيبة) ذلك العشق الممزوج بالجنون، والحب المخلوط باللوعة والاشتياق، والحنين الذي يوجع القلب وجعاً حلواً ومراً في آنٍ واحد، ويأخذ من الغناء (للدين) تلك النسمات التي تتسرب إلى القلب فتبعث فيه الأمل بخالقه، وتعلمه كيفية التعايش مع جميع الناس على اختلاف أذواقهم وأصنافهم وأشكالهم وألوانهم، ويأخذ من الغناء (للقلب) سر المناجاة بين الإنسان ونفسه، والتي تجعله دائماً قادراً على الإجابة عن كل ما يُثار في وجهه من أسئلة على اختلافها وتنوعها، مما يجعله في رقيٍ دائم، وصعودٍ لا يتوقف، ويأخذ من الغناء (للإنسانية) تلك القيم التي يجب أن يلتف حولها الجميع، مهما كانت انتماءاتهم وأديانهم، ووحده الفن كفيل بهذه النقطة دون غيره، فكم وحَّد الفن مسلماً ويهودياً ومسيحياً على ذوقٍ واحد، مما يجعلهم أكثر قابلية للعيش في أمنٍ وسلام، ويأخذ من الغناء (للفقراء) تلك القدرة العجيبة على مقارعة العجز، وتحدي العوائق، واجتياز الصعوبات، والتشبث بحبل الأمل الذي لا ينقطع في قلبٍ فيه مثقال ذرةٍ من فنٍ حقيقي..! الغناء للوطن هو خلاصة رهيبة تكوِّن ما أسميه ب(الشَهْد) الفني الذي يأتي عبر استخلاص الأجمل من (عسل) الفنون المختلفة، وهو (كوكتيل) جميل يجعل مؤديه كما مستمعه يبحر في أُطرٍ غير محدودة، ومساحات ليست محصورة، فوحده الغناء للوطن من يفتح سماوات القلوب جميعاً للتحليق فيها، ووحده من يجعل الأرض أكثر فرحاً وسروراً وابتهاجاً لزراعة حب الوطن والشعور بالانتماء له على جنباتها، تعرفون لماذا؟ لأن الوطن وحده من يستحق كل هذا... وأكثر!.. هذا الثاني ..