الدقي في القاهرة واحد من أشهر الأحياء المصرية ولكنه عند اليمنيين الحي الأساسي الذي جعله مدينة يمنية وعلى الرأي المصري الساخر: - الدقي دلوقتي حي يمني فيه أقلية مصرية ! سكن اليمنيون هنا منذ الرعيل الاول في الخمسينيات ومع عشرات السنين توارثوا المجيء اليه وعندما ضاق وانزحم خرجوا الى المحيط القريب منه مثل المهندسين والمنيل والآن الى أرض اللواء . وعندما اكتظت القاهرة وضرب الفقر الكثيرين واخرجهم من هذه الاماكن الراقية وذهبوا الى محيط بولاق أو شارع فيصل قبل ان يزدحم ويصبح كارثة مرورية تحتاج الى تدخل قوات دولية لتمر به خرج المصريون الى هذه الاماكن واكتشفوا ان اليمنيين سبقوهم بعد أن ضاقت بهم شوارع الدقي والمنيل ! وارتفعت اسعار الشقق بالمهندسين والعجوزة . أنا أتذكر المكان عندما كان لا يزال فيه شجر وناس تلبس بأناقة مفرطة ! وقبل ان تزحف اليه هذه الفوضى الخلاقة !! اتذكر برواية علاء الديب الرائعة - زهر الليمون - وصفه للدقي والبيوت الانيقة المحاطة بالشجر ورائحة الليمون !! يومها وانا اصغر مما يجب متطلعاً الى البلد العجيب ( الذي غرس حبه في قلوبنا ابي رحمه الله ) وصورة عبدالناصر المبتسم ببهجة على صدر جدار الغرفة الرئيسية ببيتنا ! وعندما كبرنا كان لابد ان تكون مصر محطتنا الاولى والقاهرة منتهى حلمنا للقراءة والتعليم والفن والحياة ذهبت أحمل أوراقاً وأحلاماً الى - الصبوحة - اي مجلة صباح الخير ! يومها رأيت علاء الديب !وكائنات روز اليوسف وصباح الخير من رسامين وكتاب وشعراء ودراويش ! وما اروعهم!! وفي مطبعة بالفجالة خرج اول - كتاب لي - كان العجوز الذي جمع القصص فرحاً وهو يسلمني اول واغلى عشر نسخ - من خطوات في الليل - وهتف بي: - يااااااه د انت صغير اوي ( تنطق صغير بضم الصاد ) ولم اجرؤ على الحديث او التعليق وتكرر صمتي في اتيليه القاهرة وهم يتحدثون عن هذا الكتاب الصغير وهي عادة لا زمتني حتى الآن وهي أن الوذ بصمتي وارحل !!! اليوم انا في الدقي ولا اثر لرائحة زهر الليمون والفلل الجميلة الصغيرة للبرجوازية المتوسطة التي كانت يوماً هنا يا عم علاء!! لا شيء غير عمارات اسمنتية ضخمة وزحاااااام لا يطاق ومطاعم يمنية ومرضى محملين بالهموم والديون واكياس الادوية يعبرون الشارع. لا يعرف الكثير من اليمنيين القاطنين بالدقي ان هذا الحي الذي ضم الى الجيزة وليكون رابطاً بين محافظتي القاهرةوالجيزة ولكنه يتبع الجيزة كان من الاحياء الاجمل التي جاءت في الستينيات وفي عام 1964ضم الى التخطيط السكني والتجاري وقبلها كان عبارة عن قرية صغيرة تتبع الجيزة وصار بالستينيات حي الميسورين من الناس والسكن الراقي والفلل الصغيرة - هذا زمااااان - واخذ اسم الدقي نسبة الى عائلة شهيرة كانت تسكن فيه (عائلة الدقي ) جاءت من الصعيد ولكن الزحف العمراني أخرج العائلة المؤسسة الى الارياف ثانية وبقي اسمها يشير الى ابرز احياء مصر الشهيرة اما العائلة فستجدها في المنوفية بقرية سلامون وأفرع لها بالاسماعيلية وكفر الشيخ ولا يتذكرها احد من القاطنين هنا.. اذا اردت الآن كواحد من سكان اليمن الاصليين ان تتذكر سوق الشنيني بتعز وانت بالدقي فعليك بشارع سليمان جوهر !كل شيء هنا نسخة من الآخر واذا اردت ان لا تخرج من كريتر بعدن او باب اليمن بصنعاءاو الباب الكبير بتعز فلا تغادر هذه المنطقة من بين ستة شوارع من شارع المساحة الى شارع نوال ومن شارع السودان الى البطل احمد عبدالعزيز اما غاية اليمنيين الاصليين فهو البقاء ساعات على شارع جامعة الدول العربية لا أكثر. هو الدقي وآلاف اليمنيين الذين تضيق بهم اليمن وتستقبلهم مصر هي دي مصر يا جدعان.