رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يقتل من أشاعوا حديث الافك؛ بينما هؤلاء يقتلون بموجب إشاعة ان «س» أساء إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، هل هؤلاءخاضعون للشريعة أم أن الشريعة هي أهواؤهم؟!. لو ترك القتل دون أحكام قضائية لن يأمن أحد، قال أمير المؤمنين علي لمن طلبوا منه أن يقتل من كانوا يكفّرونه ويسبّونه: «إنما هو سب بسب، أو عفو عن ذنب» هذه جريمة قبيحة وإرهاب القصد منه تفتيت المجتمع المصري والعربي، كيف سيأمن الناس بعضهم، كيف سيأمن المسيحي والاشتراكي والبعثي والناصري والعلماني والليبرالي والقومي؟!. سيمتد غداً إلى الإسلاميين؛ السنّة سيقتلون بعضهم، سيُقتل حالق اللحية لأنه مبتدع، وسيُقتل من يجهر بالنية في الصلاة لأنه ابتدع، كما سيُقتل الصوفي والحنفي والمالكي؛ لأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، سيُقتل من يزور القبور كما سيُقتل من يقصّر لحيته ويطيل ثوبه ويستخدم معجون الأسنان وفرشاة الأسنان بدلاً عن السواك، الكل سيقتل الكل، من يتشبّه بالغرب سيُقتل كما يُقتل من لا يتشبّه. إن أي تفسير لجريمة مقتل الشيخ حسن شحاتة والتمثيل بجثته تبرير لها ومشاركة فيها؛ لأنه تعالى أمر بعدم التوقُّف عن الإحسان لمن شاركوا في الحديث الافك: «ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يأتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم» وهؤلاء يقتلون تلبية لمشاعرهم ورغبتهم في القتل. الخوارج المعاصرون أشد قُبحاً وأشد عنفاً وأشد مروقاً عن الإسلام من خوارج العصر الأول، خوارج العصر الأول عندما يُحتجُّ عليهم بالكتاب أو السنّة يذعنون، يسلمون، يتوقفون، أما خوارج اليوم فعندما تحتّج عليهم بالكتاب والسنّة يردّون عليك بأهوائهم، بمشاعرهم، بعضلاتهم، بغضبهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية (صدقت يا رسول الله). قبّح الله مدّعي الإسلام الذي يأبى أن يستمع إلى الدليل، قبّح الله مدّعي الإسلام الذي يستقوي بقبحه وغبائه على الكتاب والسنّة وصوت العقل، لهم قلوب لا يعقلون بها ولهم آذان لا يسمعون بها، إنهم كالأنعام بل هم أضلُّ سبيلاً. ولذلك كان الخوارج يكفّرون عليّاً وهو على المنبر؛ فيذكّرهم بحقوقهم! لم يقل: (يجب عليّ شرعاً أن أجلدكم أو أقتلكم) لأنه يعرف إثم الزيادة على الشرع، وأيضاً أبوبكر سبّه أحدهم وعرض عليه أبو برزة الأسلمي أن يقتله؛ فأبى وقال: (ليست هذه لأحد بعد النبي صلوات الله عليه وسلامه) وهو في عدة مصادر، ومن تلك المصادر: مسند أبي يعلى (ج 1 / ص 50) (حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي تَوْبَةُ الْعَنْبَرِيُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا السَّوَّارِ عَبْداللَّهِ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، أَنَّ رَجُلاً سَبَّ أَبَا بَكْرٍ، قَال: فَقُلْت: أَلا أَضْرِبُ عُنُقَهُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟!، قَالَ: لا، لَيْسَتْ لأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم) اه. إذاً فهذا أبوبكر وعلي وهما الأفضلان عند السنّة والشيعة لا يجيزان عقوبة من سبّهما، فمن أين أتى الغُلاة (بعقوبة سب الصحابي..؟!) الجواب: من الهوى والمذهب والعصبية. (ولم نُؤمر بقتل الكافر أو العاصي؛ بل أُمرنا بالعمل على فتح أبواب الرَّحمة أمامه، ولكي تظلَُّ أبواب الرَّحمة أمام الكافر والعاصي مفتوحة حتى آخر لحظة من عمره لابدَّ من العمل على المحافظة على حياته، وإذا جاز قتله فالضرورة التي قد تكون نابعة من الدِّفاع عن حقِّ غيره في الهداية، أي عندما تكون حياته خطراً مؤكداً على حياة غيره أو عائقاً أمام حرية الغير في الاختيار الحرِّ «الهداية أو الهلاك». لقد خلق الله الإنسان وهو يعلم أنه سيكفر ويطغى، والحياة هي هبة الله التي لا تعدلها هبة، ومن أهدرها أو سلبها دون وجه حقٍّ فإنَّه اعتدى على حُرمة من حرمات الله؛ بل أعظم الحُرمات؛ لأنَّ قتل النَّفس الواحدة بنصِّ القرآن كقتل النَّاس جميعاً؛ لأنَّنا جميعاً من نفس واحدة: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رقَبَةٍ مُّؤْمِنَة وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا* وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}. [النِّساء -92:94]