هناك قضية هامة ذات صلة بالشعر والأدب وهي الأدب, شعره ونثره والذي لم يتم تدوينه وطبعه .. فإذا وجدتْ مجموعة من شعراء اليمن ساعدتها الظروف على تدوين وجمع وطباعة معظم أعمالها الشعرية ونزولها بشكل دواوين فإن بعض الشعراء لم تسعفهم الظروف لتحقيق هذه الأمنية الأثيرة إلى نفوس الكثيرين منهم.. قد تكون هناك ظروف مالية تحول أحياناً دون تمكُّن البعض من الشعراء من طبع أعمالهم الأدبية سواء كانت نثراً أم شعراً ..ولكن الأسوأ أو ما يبعث على الحسرة هو أن يكون الأديب نفسه سبباً في عدم ظهور نتاجاته إلى النور حتى تتسمم حياته بطابع الإهمال وعدم الحرص على التدوين والاحتفاظ به حتى في مذكرات خاصة لتتسنّى طباعته في مستقبل الأيام .. لكن المشكلة تكمن عند بعض الشعراء في أنهم لا يعملون حساباً لذلك , فكم من قصائد تبرز في المقايل والجلسات الخاصة وتُكتب في أوراق ولكن ما أن تنتهي جلسة القات حتى يكون مصير هذه القصائد التمزيق لتلتقي مع أوراق القات في سلة المهملات.. كما كان يفعل الشاعر الكبير محمد سعيد جرادة ..فكثير من قصائده الرائعة التي أنتجها لاقت هذا المصير أو تاهت بين أيدي أصدقائه وزملائه وكثير من أصدقاء الجرادة المثقفين يشيرون إلى أن الجرادة كان مهملاً – بعض الشيء – لأدبه وشعره .. والذي قرأناه لهذا الشاعر في الجزء الأول من أعماله الشعرية الكاملة ما هو إلا قطرة من بحر هذا الشاعر ومعينه الذي لا ينضب .. ولذلك عندما أصدرت مجلة الحكمة الشهرية عدداً خاصاً بأعمال الجرادة النثرية والشعرية في أوائل التسعينيات فإنها أماطت اللثام عن جزء هام من قصائد الشعر ذات النفس الكلاسيكي ..والفضل في ذلك يعود إلى الأستاذ المثقف عبده سعيد الصوفي- الذي بذل هذا الجهد الثقافي والإنساني الرائع عندما قدّم أعمال الجرادة هذه والتي لم تُنشر من قبل في مكتبته الخاصة .. وهذا الحس الثقافي الجمالي للصوفي يستحسنه كثيرون من المثقفين, ولولا قصر المساحة المتاحة لكنا أوردنا نماذج من تلك الأعمال والتي سيقف عندها القارئ باندهاش شديد, وسيتساءل: كيف ظلت مثل هذه الأعمال الأدبية الرفيعة طي الكتمان وفي هامش النسيان .؟. عموماً هذه مسألة تعتبر قاسماً مشتركاً بين عدة شعراء يمنيين يطول عددهم أو يقصر, والى جانب الإهمال والتسويف اللذين يتمتع بهما بعض شعرائنا, ربما كانت هناك عوامل اجتماعية ونفسية –لا يفصح عنها البعض – هي التي يستحسن أصحابها أن تكون في مكان قصيّ لا تصل إليه الأضواء ..وعلى أية حال فإننا نتمنى أن نقرأ لكل شعرائنا كل ما كتبوه, والمطلوب من الجميع, مثقفين وغير مثقفين خاصة ممن لهم علاقة بأدباء راحلين إن كان لديهم شيء أن يقدموه لمجلة أو صحيفة متخصصة في الشأن الثقافي لتقوم بنشره وإيصاله إلى القارئ إسهاماً من الجميع في رفد الواقع الثقافي بما يُسهم في بلورة وتعزيز الوعي والمعرفة في المجتمع. [email protected]