لاشك عندي أن التغيّرات المناخية قد لعبت دوراً مهماً في كل هذه التغيّرات التي يشهدها عالمنا العربي اليوم ، وإن كانت مثل هذه التغيّرات قد أرجعها الكثير لسوء إدارة البلدان والفساد والاستبداد السياسي ، إلا أن واقعاً آخر لا يلتفت إليه الكثير ،باستثناء المختصين والمهتمين قد نظر لما يحدث نظرة مختلفة وبرّر ما حصل ويحصل بأنه نتيجة طبيعية لما أفرزته تغيّرات المناخ من آثار سلبية على الأرض سرعان ما تطوّرت لتلامس أهم عنصر في هذا الكون، وهو العنصر البشري . امتداداً لموضوعنا السابق فقد أوردت وكالة الفضاء الأمريكية(ناسا) تقريراً نشرته أواخر فبراير 2013 يرى أن الشرق الأوسط قد فقد مياه عذبة في الفترة مابين العام 2003م و2010م ما يقارب حجم البحر الميت، وكالة ناسا استندت في تقريرها إلى كثير من المعلومات والمعطيات والتي تم جمعها بواسطه قمرين صناعيين يقيسان الجاذبية من خلال برنامج اطلق عليه (تجربة المناخ واستعادة الجاذبية)،ويعزي التقرير هذه الخسارة المائية إلى عوامل بشرية مفرطة الاستخدام والى غياب القرارات السياسية التي تضع آليات فعالة للتنظيم والحفاظ على هذه الموارد ، فهناك ضغط بشري هائل على المياه العذبة في المنطقة في حين أن هناك ضعفاً كبيراً في هذا الموارد بشكل طبيعي كما هو عليه الحال في اليمن ودول الخليج العربي، الأمر الذي يستدعي وضع آليات لترشيد الاستهلاك سواء على مستوى الفرد أو الوطن. في ليبيا لا يبدو النهر الصناعي العظيم ذلك المشروع الهندسي المائي الكبير قد غطى احتياجات الدولة بالمياه رغم انه أنشئ لهذا الغرض ، فالتغيرات المناخية قد حالت دون نجاحه بالشكل المطلوب، الصحراء على اتساعها والزراعات المروية وتغلغل المياه المالحة إلى الأحواض الجوفية الساحلية والاستخراج المفرط قد جعل مناسيبه تنخفض بشكل كبير جداً، وهو ما أثّر على هذا المشروع، ناهيك عن أن هناك ارتباطاً جغرافياً فيما يخص الأحواض الجنوبية بينها وبين بلدان كمصر وتشاد والسودان واستهلاكها المفرط لهذا الحوض قد جعلها عرضة لمخاطر أمنها المائي، وكثيراً ما عانت وتعاني ليبيا من ضعف الاهتمام بهذه الموارد الهامة ، إذ لم يكن المشروع يستهدف توفير الخدمة بصورة بيئية مدروسة بقدر ما كان نوعاً من التمظهر والبذخ السياسي والاعتزاز، الأمر الذي خلق مزيداً من التوترات في نفسية المواطن الليبي وقد ظهرت جلياً أثناء المواجهات مع النظام السابق. المياه شرط أساسي للاستقرار البشري وبدونها يصعب الحديث عن الاستقرار، ومشكلة المياه مرتبطة ارتباطاً كبيراً بالتغيرات المناخية، فالمربع الجغرافي لبلدان الشرق الأوسط تشهد فترات طويلة من الجفاف لأسباب جغرافية ومناخية بحتة ،وطبيعي جداً أن تصبح المياه في حال عدم توفرها بالشكل المطلوب- وسببت المعاناة للإنسان- مشكلة مجتمعية سرعان ما تتحول إلى أزمة، واذا لم يسرع أيّ نظام إلى معالجتها بأي الطرق فإنها تستفحل وتشتد ويصعب تجاوزها أو تحملها مهما كانت قدرة هذا النظام في فن القمع والاستبداد ، وهنا تبرز مشكلة تعز البيئية، شحة المياه، إذ إنني أكاد اجزم أن مشكلة المياه في محافظتنا هذه قد كانت واحدة من الأسباب التي أدت إلى ذلك الانفجار الشعبي الكبير للمحافظة إبان الثورة الشعبية، ولعل هذا ما يبرهن القول بعلاقة التغيرات المناخية بما حدث في البلدان العربية. وإن كانت هذه الشعوب قد خرجت مطالبة بالحرية والكرامة والعدالة ، فإنها وان استقر بها الحال نحو الأفضل فيما يخص مستقبل بلدانها السياسي فإنها حتماً ستخرج مطالبة بتوفير الموارد الضرورية طمعاً في الازدهار والتقدم، وهذا لن يصبح أمراً حاصلاً إلا اذا أحسنت هذه البلدان الحفاظ على مواردها الطبيعية وحالت دون تأثرها بهذه التغيرات المناخية، وأخيراً قد لا تكون هذه التغيرات المناخية سبباً في حدوث هذه الثورات لكنها حتماً قد عجّلت في حدوثها.