تباينت ردود وتصريحات أكاديميين وخبراء اقتصاد ورجال أعمال حول جدوى انضمام اليمن إلى منظمة التجارة العالمية (WTO)، ما بين التفاؤل بالنهوض الاقتصادي في حال القدرة على التفاوض والاستفادة والتعامل مع المساعدات الفنية والفترات الانتقالية بشكل عملي مثمر، والحسرة وخيبة الأمل من انعكاسات سلبية محتملة تصل حد إغلاق عديد الشركات الوطنية، وعدم قدرة السلع والمنتجات المحلية على الصمود أمام المنافسة الخارجية، وخلص البعض إلى أن اليمن خاسر بكل المقاييس وفقاً لواقع الحال الراهن.. 14 سنة حتى الآن من المتوقع أن تكلل جهود اليمن التي بدأت عام 1998م للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية بالنجاح هذا الشهر ليصبح حصوله على عضوية المنظمة مجرد إجراء شكلي في أوائل العام المقبل، وستعقد مجموعة العمل التي تبحث انضمام اليمن اجتماعاً في 26 سبتمبر الجاري لإقرار الوثائق الرئيسية التي تحدد شروط العضوية، طبقاً لوكالة “رويترز”، يلي ذلك - حسب المصدر ذاته- توقيع كل الدول الأعضاء على هذا الاتفاق ثم تقره مجدداً في اجتماع وزاري في ديسمبر المقبل ليصبح أمام اليمن فترة ثلاثة أشهر للتصديق عليه، وسيصبح حال انضمامه العضو 160. - يقول أستاذ الاقتصاد المشارك في جامعة صنعاء الدكتور علي قائد: “اليمن بدأت التفكير في الانضمام منذ عام 1998 وحتى الآن 14 سنة، سنوات طويلة جدا، اليمن ليست الدولة الوحيدة وإنما هناك دولة الجزائر والصين الشعبية، من ضمن الدول التي ابطأت في عملية الانضمام لكي تستفيد من المزايا التي تمنحها منظمة التجارة العالمية للدول النامية الأقل نمواً”. ضمان حرية التجارة وتختص منظمة التجارة العالمية، التي تتخذ من جنيف مقراً دائماً لها، بالاتفاقيات والقوانين الدولية المعنية بالتجارة بين الدول، ومهمتها الأساسية ضمان حرية التجارة دون أي معوقات، وصار الاتفاق ممكناً، طبقاً لمسؤولين في المنظمة، بعد أن وافقت أوكرانيا على شروط عضوية اليمن (طلبت الانضمام في أبريل عام 2000) لتسحب بذلك اعتراضها الذي كان العائق الوحيد لأكثر من عام، ولكي تصبح أي دولة عضواً في هذه المنظمة ينبغي عليها اجراء تخفيضات على الرسوم الجمركية وتعديل تشريعاتها المحلية لتتوافق مع اتفاقيات المنظمة.. واتخذت اليمن عديد الاجراءات التنظيمية والتشريعية للتجارة الخارجية والمتوافقة وهذه الشروط، بدءاً بالإصلاحات الاقتصادية التي فرضها البنك الدولي وما صاحبها من تخفيض التعرفة الجمركية وتحرير التجارة والخضوع لسياسة السوق، فضلاً عن إلغاء العمل بتراخيص الاستيراد والتصدير والسماح بالاستيراد المباشر عبر البنوك وبدون قيود، وكالمثل التصدير المباشر عبر الدوائر الجمركية وبدون أية قيود أو عوائق.. لن نستطيع مواكبة التطورات لكن الظرف الراهن غير مناسب لانضمام اليمن كما يقول الباحث الاقتصادي حميد عبدالله الجراش. وأضاف الجراش، وهو أيضاً رجل أعمال: “ اليمن بحاجة إلى فترة زمنية من أجل أن تصل إلى مرحلة معينة تستطيع من خلالها حماية الزراعة وحماية المشاريع الصغيرة وغيرها”. فتح السوق أمام كافة السلع لاشك أن انضمام اليمن لمنظمة التجارة العالمية سيترتب عليه فتح السوق اليمنية أمام كافة السلع والبضائع للدول الأعضاء في المنظمة دون أي عوائق مما قد يؤثر سلبا على الإنتاج الوطني. ويقول المدير التنفيذي لمركز بحوث التنمية الاقتصادية والاجتماعية مرزوق عبدالودود: “حالياً نجد أن السوق اليمنية مفتوحة لكل السلع الصالحة والرديئة يقابلها ضعف الرقابة إن لم تكن منعدمة، لذا قد يترتب عن تطبيق اتفاقيات المنظمة انعكاسات سلبية على اليمن”. ويتوقع مرزوق آثاراً سلبية لهذا الانضمام، على المشروعات والصناعات الصغيرة التي تشكل ما يتجاوز 80 بالمائة من إجمالي المنشآت اليمنية، وتمثل مصدر دخل لمئات آلاف السكان. التاجر لا يدرك الأبعاد التنافسية ويقول مدير عام الغرفة التجارية والصناعية بأمانة العاصمة، محمد المهلا: “لا شك أن البيئة الاقتصادية والتشريعية وكل المنظومة الاقتصادية في البلد مهيأة، ولكن القطاع الخاص والصناعة الوطنية غير مهيأ بمكوناته المختلفة، وضعه مبعثر وغير مرتب”. وأكد المهلا أن المضي في خطوات الانضمام في ظل الوضع القائم من شأنه التسبب بخسائر كبيرة على القطاع الخاص، يضيف “كثير من شركاتنا وانشطتنا التجارية التي مازالت تحكم بعقلية الحانوت ستضرب (ستنتهي)”. عدم ثقته بمنتجاته وخدماته وأرجع مرزوق عبدالودود، أسباب تخوف القطاع الخاص من انضمام اليمن الى المنظمة العالمية، إلى عدم ثقة القطاع بمنتجاته وخدماته المقدمة. وأضاف: “ستتعرض بعض المؤسسات والشركات اليمنية بشكل او بآخر للمنافسة القوية بما يهددها بالإغلاق، ولكن هناك مؤسسات قادرة على المنافسة تستخدم تكنولوجيا حديثة وتنتج بكفاءة عالية وذات احتكاك بالأسواق العالمية وقادرة على التصدير”. آثار سلبية أستاذ الاقتصاد المشارك الدكتور علي قائد، يؤكد أن الآثار السلبية المباشرة لانضمام اليمن إلى منظمة التجارة العالمية على المدى القصير قد تكون عالية جداً، خصوصاً بالنسبة للقطاع الصناعي والزراعي والقطاعات الخدمية الأخرى، غير أنها ستنخفض في الأجل الطويل وصولاً إلى تحقيق ايجابيات كبيرة جدا للاقتصاد اليمني، بحسب قائد. ويعدد مرزوق عبدالودود، أبرز الآثار السلبية المحتملة في: صعوبة منافسة البنوك المحلية للبنوك الاجنبية، أيضاً الاستثمارات الاجنبية ستركز على القطاعات الاكثر ربحية بغض النظر عن تحقيق الاهداف الوطنية والاضرار بالبيئة المحلية، فضلاً عن زيادة تحويل العملات الأجنبية إلى الخارج عن طريق المصارف الأجنبية، وغيرها”. جودة أفضل وبأسعار أقل في المقابل يؤكد مرزوق عبدالودود، المدير التنفيذي لمركز بحوث التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أن بقاء اليمن خارج إطار المنظمة سيترتب عنه آثار سلبية اكبر نتيجة سيطرة هذا النظام على العلاقات التجارية الدولية، ولا يستفيد منه إلا الدول الاعضاء، إذ إن نحو 98 بالمائة من التجارة العالمية تتم في اطار المنظمة، بحسب عبدالودود. إن من أبرز مكاسب وايجابيات انضمام اليمن إلى منظمة التجارة: استفادة المستهلك اليمني من خلال المنافسة بين الشركات وتقديم سلع وخدمات بجودة افضل واسعار اقل، وجذب الاستثمار الأجنبي، وزيادة ثقة المستثمر الاجنبي في الاقتصاد اليمني، فضلاً عن تحفيز وتشجيع وتوجيه الاستثمار للإنتاج من أجل التصدير، وتحفيز المنتجين الصناعيين على ادخال التكنولوجيا الحديثة في الصناعات المحلية، وتحسين البيئة التنافسية في الاسواق اليمنية، وفقا لمرزوق عبدالودود. قصور الاجراءات الحكومية يقول رئيس مركز بحوث التنمية الاقتصادية والاجتماعية الدكتور عدنان الصنوي: “لاحظنا عدم وجود أي اهتمام أو اجراءات سواء تحصينية أو توعوية من قبل الحكومة أو المنظمات المختلفة والمؤسسات المعنية. وأضاف: “انضمام الجمهورية اليمنية يتطلب تغييرات اساسية، سواء في الجانب المعيشي أو غيره، هناك اتفاقيات في منظمة التجارة قد تخلف آثاراً سلبية سواء في جانب الانتاج المحلي أو على المستهلك اليمني”. من جهته أكد المدير التنفيذي للمركز مرزوق عبدالودود، قصور في الاجراءات التي اتبعتها الحكومة اليمنية وعدم مناقشتها اجراءات المفاوضات على مختلف المستويات، فضلا عن أن نتائج جولات المفاوضات لم تخضع للبحث والدراسة من قبل المختصين. إلى جانب العشوائية في القرارات الاقتصادية، وعدم تأهيل وتوعية القطاع الخاص من خلال صياغة سياسات وطنية للترويج للصادرات اليمنية والسعي لتحسين البنية الاساسية والتحتية للقطاعات الاقتصادية، وإزالة الصعوبات امام تطويرها، بحسب مرزوق. اليمن خاسر بكل المقاييس إذ بات انضمام اليمن إلى منظمة التجارة العالمية أمراً حتمياً، غير أن هناك الكثير مما كان يجب القيام به استعدادا لهذا الأمر. يقول الخبير الاقتصادي واستاذ الاقتصاد الدكتور محمد الميتمي: ووفقا للدكتور الميتمي لا توجد خيارات أخرى، اذ أن انضمام اليمن للمنظمة أصبح حتمياً، يضيف: “فقط نحن لم نعد انفسنا لهذه المهمة أو لمعركة كهذه، منذ عقد من الزمن أو أكثر والعالم يعد نفسه لهذه القواعد التنافسية.. اليمن حكومة وقطاع خاص لم يتنبهوا أصلاً لهذه المشكلة، ولم حتى يستثمروا ما يطلق عليها بالميزات النسبية التي وضعتها منظمة التجارة لبلدان العالم النامي، وهي محدودة بزمن معين ايضا”. وأوضح الدكتور محمد الميتمي، أن منظمة التجارة العالمية تعزز مبدأ التنافسية لاقتصاديات قوية، وأن اليمن بلد هامشي جدا وطرفي للغاية في الاقتصاد العالمي. وأكد الميتمي أن سكان اليمن يمثلون ما نسبته 0,04 بالمائة (اربعة من المائة في المائة) من سكان العالم، بينما مساهمة الاقتصاد اليمني في الناتج العالمي لا يتعدى 0,001 بالمائة (واحد في الألف في المائة) من الناتج العالمي، و 0,0004 بالمائة (اربعة من عشرة الف في المائة) من الناتج الزراعي العالمي. الاندماج وتحسين الجودة والنوعية لكن التفاؤل لايزال قائما لدى خبراء ومتخصصين اقتصاديين، اجمعوا بخصوص الاجراءات المقترحة لحماية الصناعة المحلية، على أن ضمان استمراريتها وقدرتها على المنافسة في السوق الدولية مرهون بمدى قدرتها على استيعاب التحولات الاقتصادية الدولية والتعامل معها ومع التغيرات المفروضة. ويقول استاذ الاقتصاد الدكتور علي قائد: “نحن في الاقتصاد ننظر أو نفرق بين ما نسميه في الأجل القصير وما نسميه في الأجل الطويل، وبالتالي قدرة الاقتصاد اليمني هي المعول عليه، اذ ينبغي أن ينعش نفسه وأن يتمتع بمرونة مرتفعة بالتعاطي والتعامل مع الدول في مجال الصادرات والواردات”. وزاد الدكتور قائد، بهدف تحقيق المكاسب على المدى الطويل: “مطلوب من القطاع الخاص (الاقتصاد الخاص) أن يكون قادراً على التعاطي مع بنود المنظمة، واستخدام الأساليب الادارية الحديثة والتكنولوجيا المتطورة لتجويد المنتجات واداء الخدمات خصوصا في القطاع المالي، ايضا يتوقف على قدرة المؤسسات اليمنية على الاندماج فيما بينها لتشكل قوة ملموسة”. وبصورة أوضح ينبغي على الصناعات المحلية تطوير منتجاتها وتحسين الجودة والنوعية وتطوير اساليبها التسويقية والالتزام بالمواصفات الدولية بما يلبي متطلبات الاسواق المحلية والاجنبية، إضافة إلى تأهيل كوادرها والبحث عن اسواق جديدة. إعادة هيكلة الاقتصاد وزاد على ذلك الدكتور محمد الميتمي قائلا: “الصناعة اليمنية (الصناعة التحويلية طبعا) لا تشكل سوى 4 إلى 5 بالمائة تقريبا من قيمة الناتج المحلي الاجمالي”. وأضاف: “نحن بحاجة إلى اعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، وضع استراتيجية صناعية للصناعة، لأن الصناعة هي رأس حرب التنمية”. وأكد الدكتور الميتمي عدم امتلاك البلاد رؤية، نحن عندنا مشكلة كبيرة في اننا نتحدث عن اقتصاد، ونتجاهل متطلباته وشروطه، ولهذا نحن في موقع صعب”.