خلال الفترات الماضية ظل واقع المياه في محافظة تعز يثير الكثير من التساؤلات حول ظروفه المتدهورة ، فانخفاض المنسوب المائي وغياب الخطط والمعالجات أدى إلى فجوة كبيرة بين الاستهلاك والتعاطي الأمثل في معرفة أوجه الاختلالات المتراكمة على هذا القطاع، مدير عام فرع الهيئة العامة للموارد المائية في محافظة تعز المهندس عبد الصمد محمد يحيى اعتبر أن تلك المشكلة متراكمة منذ أمدٍ طويل وأن حلها يستوجب تعاون الجميع ، لأن القضية ليست قضية دولة بل قضية المجتمع كله، وانتقد مدير الموارد المائية استمرار الطريقة القديمة في الري والقائمة على الغمر كونها تؤدي إلى استهلاك الكثير من المياه، وكشف عن وجود خطة جديدة لمواجهة الظروف الخطيرة التي تحيط بالجانب المائي وستبدأ من العام المقبل وسوف تستمر لمدة ثلاث سنوات. تتعزّز لدى المواطنين في تعز قناعة أن واقع المياه المتراجع أصبح يهدد حياتهم في المستقبل ويشكّل أحد أهم المخاطر المتراكمة خاصة في ظل انعدام آليات للحلول لهذا المشكلة واتساع الظاهرة بما تحمله من آثار ونتائج .. ما الذي يمكن أن تصفه فيما يرتبط بواقع المياه في المحافظة ؟ - أود أن أوضح أن مشكلة المياه في تعز هي مشكلة ذات أبعاد كثيرة جداً وهي قائمة منذ فترة طويلة أيضاً وليست آنية ولكن هذه المشكلة حصلت لها تراكمات منذ أمد أو سنوات وأسبابها تتمثل في عدم تعاون كل الجهات المعنية في قضية المياه وتفادي حدوثها وهذا السبب قد يكون الرئيسي الذي أدى إلى تفاقم المشكلة وزيادة تأثيرها يوماً بعد يوم لكن ربما إيجاد حل لها يكمن في حال أدركت كافة الجهات المعنية ولست بذلك اقصد الجهات المعنية والمتمثلة بالقطاعات الحكومية بل أيضاً القطاعات الخاصة والأهلية ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع كله هو معني بحلها وبالتالي فأنا اقصد أن على الجميع مسؤولية فيما يخص الواقع المائي وكلنا مسؤولون. وعندما تكون لدينا رؤية في تقديم ما نستطيع ، كل واحد بما لديه من إمكانيات وبما يتناسب مع قدراته ولو جمعت كل هذه القدرات والجهود يمكنني أن أؤكد لك أن مشكلة تعز يمكن أن تُحل. ألا تحدثنا عن الأسباب الأخرى التي يمكن أن تكون جزءاً من تعاظم وتردي الوضع المائي في المحافظة مما يفاقم نتائجها والتي تكون غير قابلة للحل في حال استمرار السلوك القديم والحالي فيما يرتبط بالمياه؟ - في اعتقادي أن السبب هو عدم وجود تنسيق متكامل بين الجهات، ولا أحد قدم لواقع المياه في المحافظة أي حل ويظل كل واحد يدّعي أنه على حق والآخر هو صاحب المشكلة، وهو الذي يجب أن يحلها وهذا هو الخطأ بعينه ولذلك كان المطلوب منا كموارد مائية الجهة المعنية تكون لها رؤية وبرامج تقدمها لكل الجهات حتى تستطيع أن تلم شكل الجهات المسؤولة لكي تكون لها بنية واضحة تستطيع من خلال ذلك دراسة مشكلة المياه وتقدم الحلول والبرامج والأنشطة التي تخفف من هذه الظاهرة وهذا هو المطلوب، أما الأسباب الأخرى التي هي متعلقة بالاستنزاف الجائر من قبل بعض المستخدمين للمياه وبالذات في القطاع الزراعي والذي يمثل نسبة 90% من مجموعة استخدام المياه ويذهب إلى هذا القطاع أما فيما يخص القطاع الصناعي والجانب المنزلي والقطاعات الأخرى فهي لا تستهلك 10% ولذلك نجد أن الواقع الزراعي هو الذي تذهب إليه كمية كبرى من المياه والذي يعد السبب في المشكلة الكبرى لأن القطاع الزراعي مازال يستخدم طريقة الري بالغمر . القطاع الزراعي هو أحد أهم الأسباب إذاً في تنامي طريقة استنزاف المياه من خلال استخدام طريقة الغمر فيما تستمر هذه الطريقة دون أن يدرك المزارعون تأثير مثل هذا الشكل التقليدي على إيجاد حلول للجانب المائي .. ما الذي يمكن فعله للحد من هذه الطريقة ؟ - طريقة الري بالغمر هي طريقة قديمة جداً وهناك تقنيات جديدة لكن مازالت هذه الطريقة في تعز مستمرة ومازلنا نستخدمها في ري المحاصيل لكن اتباع أسلوب الري بالغمر يعتبر خاطئاً ويستهلك كميات هائلة من المياه وهذه الكميات يصعب استعاضتها لأن الكميات المحددة في الخزانات الجوفية العميقة التي تكونت من آلاف السنين حيث تم استهلاكها خلال الثلاثين السنة الماضية ولو أن هذا القطاع بالذات استطاع تغيير هذه الوسيلة سيكون هناك تخفيف من نسبة استخدام المياه بنسبة 80 % حتى لو تم التخفيف بنسبة 10 % أو حتى 20 % سوف يحل ..هذا مشكلة تعز فيما يتعلق بهذا الجانب . تناولنا الأسباب التي تعد السبب المؤدي إلى ما تعانيه المياه من انحسار احتياطي لها في المحافظة والأسباب قد تكون رئيسية وفرعية نحن نريد التركيز على دائرة المشكلة والذي من خلاله توسعت وتراكمت الظروف التي خلقت هذا الواقع المائي؟ - السبب الرئيسي كما أشرت يتمثل في عدم إدارة هذه الموارد بشكل سليم وهذه الإدارة لابد أن تتم عبر كل القطاعات وليس هناك جهة معنية مختصة بهذا الجانب ونحن نسميها الإدارة المتكاملة للموارد المائية وهذه الإدارة تبدأ من اصغر مزارع إلى أكبر مسؤول وهي بذلك تمارس عملاً من أصغر مستخدم للمياه ونحن كنا قد بدأنا ننظم الهيكل الإداري في المجال المائي وكان الهدف هو إنشاء هيكل تنظيمي من كل نقطة ماء سواءً كانت بئراً أو سداً أو عيناً ونشكّل بناءً على ذلك مجموعة مستخدمي المياه عند هذه النقطة المائية وعلى مستوى المنطقة وتمدد مجموعات معينة ثم ننتقل إلى إيجاد جمعيات مستخدمي المياه على مستوى منطقة معينة ثم نقوم بزيادة هذه الجمعيات على مستوى المديرية وبذلك يكون هناك اتحاد عام على مستوى المحافظة ثم تكون هناك لجنة الحوض لكل حوض مستقل وسيصبح لكل مديرية إدارة مياه وإدارة مناطق مائية ، من هنا سيكون لدينا هيكل متكامل يدار بشكل منظم وعلى هذا الأساس سنكون قد بدأنا نخطو خطوات لكن للأسف توقفنا بسبب الظروف السياسية التي حدثت في بلادنا خلال الأعوام الماضية لكن بدأنا نستعيد هذا الهيكل من جديد بحيث تكون هناك إدارة متكاملة للموارد المائية وكل الناس يشتركون بجميع فئاتهم في هذه الإدارة وعندما تتم إدارة الموارد المائية بشكل سليم ستكون مشكلة المياه محدودة من حيث تأثيرها ولن تكون كما هي عليه في الوقت الحالي. يؤدي انخفاض المياه أو انعدامه إلى نزاعات وصراعات في بعض المناطق وهذا يأتي في ظل الخوف من تأثيرها المستقبلي على فرض بعض أشكال محاولة السيطرة عليه والحصول على كميات كبيرة من نسبته .. ماذا عن ظروف المدينة والنزاعات المحتملة في هذا الجانب؟ - أكيد الاستخدام السيء للمياه قد يؤثر على أطراف كثيرة وبالتالي تحصل نزاعات بسبب الجهل وكذلك غياب فهم كل واحد لدوره وهناك حب للذات دون الآخر وهناك محاولات للاستحواذ على المياه وهذا يؤدي إلى ظهور وتطور المشكلة المائية لأن هناك عدم فهم لحق الآخر كما قلت سابقاً وموضوع المياه مترابط وكل القضايا متصلة مع بعضها البعض اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وإذا وجد من الآخرين جهد في حل المشكلة لما وُجد نزاع لكن إذا كان العمل فردياً فهذا سيؤدي إلى تلك النزاعات ، فكميات المياه سواء كانت كثيرة أم قليلة فإن كل واحد أو طرف يرغب في السيطرة على أكبر قدر ممكن لكن الضرورة تستدعي أن يأخذ كل واحد قدر ما يحتاج وأي إنسان يحتاج إلى شيء بسيط وهناك من سيقوم ببناء خزانات وآبار كما أن الأشجار تحتاج أيضاً إلى كمية بسيطة من المياه لكن في الواقع أن هناك من أصبح ينافس صديقه فإذا قام مثلاً بري حوله وكان مسرفاً في استخدام المياه ما قد يدفع الآخر إلى مقارنته أو تجاوزه في استخدام المياه والموضوع المائي قائم على مستوى أخلاقي، لكن هذا هو واقعنا والتملك اصبح جزءاً من حياتنا ونحن في هذا الجانب ما زلنا نبذل جهوداً ويجب أن تكون المسؤولية جماعية وليست قائمة فقط على جهات أو أشخاص ولو كانت هناك جهود مشتركة لن تكون هناك كارثة مائية أما إن كان النشاط فردياً فلا يمكن لجهة ولا شخص أو جماعة أن تحل مشكلة المياه وهي لن تعالج هذه القضية إلا بتعاون كافة القطاعات الموجودة . هناك مناطق تأثرت بشكل كبيرة نتيجة انخفاض المياه ويتم مقارنة انخفاض مستوى الماء كون الأفراد في تلك المناطق لم يعودوا مهتمين بالزراعة بقدر بحثهم عن مياه الشرب وهذا يدل على مدى قناعة الناس حول إدراكهم أن واقع حياتهم هو أولوية لكنه كان نتيجة إسرافهم واستخدامهم الجائر للمياه .. ما هو الشيء المثير في هذا الجانب بالنسبة لكم؟ - هذا يأتي نتيجة كثرة استخدام الحفر العشوائي للآبار خاصة في مديرية ماوية وهذه المشكلة موجودة في هذه المديرية في الماضي كنت اعتبر هذه المديرية منكوبة مائياً وفي عام 2006م عملنا دراسة لها وظلت الدارسة لأكثر من سنة وفي نهائية 2010م تأكد لنا أن هناك أكثر من 2430 بئر موجودة واستطعنا أن نحد من هذه الآثار عبر إنشاء العديد من جمعيات مستخدمي المياه فعدد الآبار في المديرية يمثل ثلاثة أضعاف ما هو موجود في دولة الأردن وبالتالي ماذا نتوقع بالطبع هناك خطر على المديرية وغيرها ونحن عملنا في ماوية 25 جمعية لمستخدمي المياه واستطعنا أن نمنع مثل هذا الحفر من عام 2006م حتى نهاية 2010م وكان ذلك لمواجهة مخاطر الآبار الجديدة وكنا نسمح بتعميق أو تنظيف الآبار الموجودة والقائمة عن طريق إنشاء مجموعات مستخدمي المياه ودرّبنا أعضاء في هذه الجمعيات طوال السنوات السابقة حيث أصبح هؤلاء جزءاً من الموارد المائية وكان عندهم وعي للتعامل مع الموارد المائية وبدأوا يفكرون في استخدام الري الحديث. الحفّارات لها تأثير وأخطار قد لا يمكن معرفة ذلك إلا في المستقبل لكنها في تعز تتحرك ومن دون أية مراقبة أو إدراك لما لها من تبعات قد تكون كارثية لأن هذه الحفارات عندما توجد فإنها تدمر باطن الأرض وتؤدي إلى خلق العديد من المشاكل في الأحواض المائية كيف دخلت الحفارات ومن الذي يقف وراء وجودها؟ هي كانت في السابق إلى نهاية 2012 م لكن الآن بدأت تنحصر وهناك حفارات غادرت المحافظة وأغلب حفارات الجمهورية تتحرك إلى المحافظة وهذا كان في الفترة الماضية أثناء الأزمة السابقة حيث دخلت عشرات الحفارات ومع وجود هذه الوسائل اضطر الناس إلى وضع الآبار من خلال الحفارات وإذا وجد شخص ما صاحبه يقوم بحفر بئر عن طريق الحفار فإن ذلك يدفعه أيضاً للقيام بنفس الأسلوب وبالطريقة ذاتها كما أن هناك تأثيراً كبيراً حدث أيضاً في مديرية ماوية وكذلك جزء من خدير ،فالمياه مخزونة في داخل أحواض مائية وفي الصخور ومن ذلك الوقت تشكلت لتكوّن احتياطياً مائياً ومع اختراق هذه الصخور والممارسة الموجودة من خلال الشكل العشوائي فإن هذا الاستخدام قد يؤدي إلى كارثة، وهناك من أدخل الحفارات وهناك العديد من الرسائل والقرارات لدينا للقبض على كل الحفارات عبر أوامر قهرية وكان دور الجهات المختصة في المحافظة هو أن تركت مالكي الحفارات يغادرون ويخرجون من المحافظة فيما القضايا والأحكام لن تنتهي في هذا الجانب في المستقبل وقد أطلق وزير المياه في وقت سابق على مالكي هذه الحفارات إسم قَتَلَة وهم كذلك بالفعل . في ظل الظروف المائية الحالية في المحافظة كيف أصبحت الجهات المسؤولة خاصة في الجانب المحلي ترى هذا الواقع طالما وهناك غياب رؤية حول طرق معالجة هذه الاشكالية والحد منها في المستقبل؟ - الرؤية موجودة ونحن على اتصال مع المحافظة دائماً وكان هناك اجتماع أخير ضم كل الجهات المعنية واستطعنا الحصول على مسودة لإعداد خطة شاملة ويشترك فيها الجميع من كل الجهات وهي 17 جهة من المرور وكذلك الأمن والسياحة وبمشاركة الثقافة والجمارك والإعلام والصحة والتربية والتعليم وفق ما تم الاتفاق حوله سيتم تنفيذ خطة موضوعة لحل كافة قضايا المياه، ونحن نعمل هذه الخطة لمدة ثلاث سنوات من عام 2014 إلى نهاية 2016 ولو نجحت هذه الخطة ستكون تجربة أولى حتى لو كان هذا النجاح محدوداً في 20% فهذا شيء جميل لأن مشكلة المياه بحاجة إلى وعي وهي في ذات الوقت متراكمة منذ سنوات طويلة وتحتاج إلى مجهود جماعي وهي ليست قضية دولة ، هي قضية للجميع بما فيهم مؤسسات المجتمع المدني ليكونوا مشاركين في تنفيذها. شجرة القات تعتبر إحدى أهم المشاكل في استنزاف المياه وهي بؤرة رئيسية في الاستهلاك الكبير للمياه ، ما الذي يجب أن يحدث للتحذير من مخاطر هذه الشجرة واستمرارها؟ - من ضمن الخطة المشتركة هو إيجاد برنامج للحد من زراعة شجرة القات وبعد ذلك يمكن البحث عن البدائل الزراعية في إيجاد محاصيل أخرى بديلة عنها سوف يتم إقناع المزارع حول وجود تلك البدائل على أنها أفضل من شجرة القات اقتصادياً وسوف يتم تشجيعه إلى التوجه إلى زراعة تلك المحاصيل من أجل مساعدته على العيش والاستمرار في الحصول على الجانب المادي، والقضية هي قائمة على الموارد المائية لأن المزارع لو شعر أن هناك فائدة من محصول آخر بديل عن القات يمكن أن يتوجه إليه .. وهناك مزروعات يمكن أن تعطيه أفضل من القات والمسألة بحاجة إلى خطوات وهناك مؤتمرات عقدت في الماضي لمكافحة شجرة القات وهذه المؤتمرات رغم كثرتها لكن التوصيات والنتائج تم إهمالها في الأدراج.