في هذا البيت الهادئ الجميل والذي تبدو عليه لمسات من الذوق الرفيع بدءاً من الحديقة المنسقة مروراً بالمدخل الرائع والبسيط في آن واحد والذي يقود إلى صالة واسعة تعتبر هي غرفة المعيشة ترتيبها وتوزيع قطع الأثاث والتحف يشير إلى أناقة وذوق ربة هذا المنزل.. في وسط هذه الصالة وضعت طاولة مستديرة وكبيرة تتوسطها باقة من الأزهار الإضاءة خافتة قليلاً تلتف الأسرة الصغيرة حول الطاولة والمكونة من ليلى ربة المنزل لديها شهادة جامعية لكنها فضلت التفرغ لحياتها الأسرية ولاهتمامات أخرى فهي تمارس هواية الرسم ، في الكرسي المجاور يجلس زوجها احمد الطبيب الناجح ، وهذه حنان ابنتهما وعمرها سبعة عشر عاماً فتاة مرحة وجميلة ... بخفة ولطافة تضع حنان يديها على خصرها وتردف مازحة تبدوان وكأنكما تلميذين في الصف الأول وما هذا الهدوء أليس لدينا احتفال بعيد ميلاد ملكة هذا المنزل ؟ يبتسم أحمد يلتفت إلى زوجته ليلى التي يبدو على وجهها الوجوم فيتحدث مداعباً وملاطفاً يبدو أن امك ستحتفل هذا العام بعيد ميلادها بشكل مختلف كونه العيد التاسع والثلاثون والمرأة ترتعب من هذا العدد ، يقهقه احمد لكن ليلى تدير وجهها إلى الجانب الأخر ، تتحدث حنان وهي تصب العصير في الكاسات لكن صديقاتي كلما رأينني أنا وأمي يعتقدن بأنها أختي . ليلى تحرك جسدها على الكرسي وتأخذ نفساً عميقاً وكأن حديث حنان قد خفف بعض الشيء من النكتة السمجة التي بدأ احمد حديثه بها . يشعر احمد بأن ليلى هذه الليلة ليست كعادتها فهي مرحة في الأوقات العادية فكيف ونحن نحتفل بعيد ميلادها ، شعر احمد أيضاً بأنه احرجها وازعجها بحديثه فحاول أن يلطف الجو ويرسم البهجة على وجهها نهض من مكانه وفتح موسيقى تعجب ليلى واشعل الشموع وحاول إضافة جرعة إضافية من المرح وفتح علبة الهدية وقدمها لليلى أخذتها ليلى دون مبالاة لكن احمد تجاهل الأمر واستمر في إضفاء المرح واخذ يراقص ابنته ثم دعاها لتمرح وترقص معهما لكنها أشارت بيدها بالرفض وبينما الأب وابنته يرقصان تبدو ليلى شاردة الذهن تتساءل لماذا أصر احمد على الاحتفال بعيد ميلادي إلا يتوقف عن هذه ( العادة ) فتلوم نفسها لماذا اظلم احمد انه متعود على الاحتفال بعيد ميلادي منذ السنة الأولى لزواجنا لكنني الآن لا أريده أن يحتفل بعيد ميلادي يجب أن أتحدث إليه صراحةً بأن يتوقف عن هذه العادة فقد كبرنا على الاحتفال بعيد الميلاد ، تهز رأسها لكنها تعود فتقول ولكن ليس الليلة لن اكسر بخاطره فأحمد حنون وطيب وأكيد انه لا يقصد أن يذكرني باقترابي من الأربعين . يعود أحمد إلى مكانه وأنفاسه متسارعة والعرق يتصبب من وجهه فيحدث ليلى بكلمات متقطعة يبدو إنني قد كبرت ولم اعد اقوى على الرقص ..تبتسم ليلى ابتسامة صغيرة فتأخذ حنان الكاميرا فتلتقط صوراً لأبيها وأمها تحاول ليلى أن تخفي مشاعرها التي هاجمتها بشراسة هذه الليلة فتعتذر لأحمد وحنان وتتحدث بأن صداعاً شديداً الم بها وانها تحتاج لأخذ مسكن وأن تخلد إلى النوم . تتجه ليلى إلى غرفتها فتشعر بثقل رجليها وتشعر وكأن المسافة طويلة إلى غرفتها تدخل الغرفة وتغلق الباب تسند جسدها على الباب تحدق ملياً في جوانب الغرفة وكأنها تشاهدها للمرة الأولى ، تأخذ نفساً عميقاً وتغمض عينيها ثم تتجه إلى المرآة ، تقرب وجهها اكثر صوب المرآة تتحسس وجهها بأناملها وتقول ها أنا ما زلت ابدوا جميلة ولم ينل الزمن من جمالي ... تخفض رأسها قليلاً فتلحظ خصلات من الشعر الأبيض وتقول هذه هي المشكلة لكنني سأصبغها ، ثم تفرد جسدها وتضع يديها على خصرها وتميل إلى جهة اليمين ثم الشمال وترفع رأسها عالياً مازال جسدي جميلاً ممشوقاً لكنها تقطب حاجبيها قليلاً متسائلة ولكن لماذا يلومني الأهل على اختياري لملابسي الأنيقة ويتهمونني بأني أعود بذلك للعشرينيات من عمري ، تميل بوجهها قليلاً وتهز رأسها قائلة إنها الغيرة كوني الأجمل بين نساء الأهل. تقع عيناها على أحد الأدراج تفتحه وتأخذ البوم الصور ثم تتجه إلى السرير تجلس وتقلب الصور تأخذ صورة قديمة وتقوم بعملية المقارنة تلاحظ بعض التغييرات لكنها تحاول أن تقنع نفسها بأنها لم تتغير كثيراً تضع البوم الصور جانباً وتعود ثانيةً إلى المرآة وتقرب وجهها وتفتح عينيها اكثر فتلوم نفسها قائلة لماذا يا ليلى تتركين هذه المشاعر تسيطر عليك لماذا لا تتعايشين مع الواقع واستحقاقات مراحله وليس معنى تعايشك مع هذه المرحلة أن تتركي أناقتك ، وتذكري أيضاً الأهل والمجتمع فأنت إنسانة ملتزمة وحسك مرهف فلا تتركي المجال لأحد أن ينظر إليك بلوم أو استصغار . في هذا الوقت تدق الباب حنان فترد عليها ليلى بالدخول تدخل عليها حنان لكن ليلى شاردة الذهن ممعنة النظر في حنان وكأنها تراها للمرة الأولى فتحدث نفسها يا الله لقد كبرت حنان إنها تذكرني بالمرحلة التي كنت فيها وانا في مثل سنها ، حنان تقترب اكثر من أمها فتتنبه ليلى وترد عليها ماذا هناك يا حنان فترد عليها حنان الجارة أم عصام اتصلت بالهاتف تدعوك غداً لمشاركتها الاحتفال الذي يقام بمنزلها هزت رأسها ليلى وغادرت حنان الغرفة واتجهت ليلى صوب خزانتها فتحت أبوابها وبدأت إخراج الملابس يجب أن أتخلص من هذه الملابس التي لم تعد مناسبة لعمري الآن. لكنها فجأة تتوقف وتضع أصابعها على فمها تهز رأسها قائلة ليس اليوم فغداً احتفال ثم انه ينبغي أن اعد أولاً ملابس أخرى مناسبة وأعادت الملابس إلى مكانها أزالت الماكياج وغيرت ملابسها لكنها لم تستطع النوم تلك الليلة. حان موعد الحفلة وكانت ليلى مترددة لكنها أقنعت نفسها بأن أم عصام جارة طيبة وتزورها كثيراً وقبول دعوتها واجب عليها . أعدت نفسها كالمعتاد ليلى الأنيقة الجميلة وضعت المكياج بشكل جميل وصففت شعرها جيدا اتجهت إلى منزل أم عصام محاوله التغلب على مشاعرها التي داهمتها ليلة امس ووضعتها في لحظات فارقه من حياتها. استقبلتها أم عصام بحفاوة وتوجهت ليلى إلى المجلس وقفت في وسط المجلس التفتت يمينا فرأت مجموعه من الفتيات في العشرينيات والتفتت يسارا فرأت مجموعه من النساء في الخمسينيات احتارت أين تجلس فقررت فجأة الجلوس إلى جانب الفتيات لكنها سريعا ما لاحظت بأن الفتيات اللاتي كن يتبادلن الضحكات قد سكتن بمجرد جلوسها إلى جانبهن فشعرت بالحرج وشعرت بأن وجودها ضيق على حريتهن بالكلام والضحك فنهضت وحاولت رسم ابتسامة مصطنعة واتجهت نحو النساء الخمسينيات ألقت السلام وجلست إلى جانبهن فإذا بالحديث كله يدور حول المتاعب الجسدية و الأمراض المزمنة والى أخره فشعرت ليلى بالضيق. نهضت تريد المغادرة ,لكن المفاجأة التي لم تتوقعها أن صديقة الدراسة دخلت المجلس فرحت ليلى وهرعت إليها بالسلام فهي لم تصدق أن ترى زميلتها سميرة بعد عشرين عاماً وبعد أن تبادلتا القبلات والسلام إذ بسميرة ترسل نظراتها من أعلى ليلى إلى أسفلها ارتابت ليلى من نظرات سميرة وقالت بصوت خافت لماذا تنظرين إلي هكذا يا سميرة مالت سميرة بجسدها الممتلئ المترهل قائلة لم أتوقع أن أراك يا ليلى بعد هذه السنوات بهذا الشكل. ارتسم الغضب على محيا ليلى وردت بحدة على هذا الشكل ؟ من ثم هدأت قليلاً وقالت لها ماذا في شكلي نظرت إلى الأعلى واضعة يدها على خصرها قائله لها ألم يعجبك مظهري ؟ وردت عليها سميرة ببرود لم اقصد أن أضايقك فقط أردت أن أوضح لك بأن ملبسك وتسريحة شعرك لا تتناسب وعمرك ولا تنسي يا ليلى بأننا اقتربنا كثيراً من الأربعين ردت عليها ليلى أنا التي صدمت عندما رأيتك وكأنك في الخمسينات وأكثر لكن أخلاقيتي منعتني أن أوضح لك ذلك بغضب تأخذ ليلى حقيبة يدها وترتدي عباءتها تاركه سميرة واقفه متجهة نحو أم عصام سلمت عليها وأستأذنتها بالمغادرة أم عصام قائلة مازال الوقت مبكراُ يا ليلى ردت عليها ليلى إنني اشعر ببعض الإجهاد, رافقتها أم عصام إلى الباب وودعتها. في الطريق شعرت ليلى بالضيق وتساءلت هل ما اشعر به سببه حديث سميرة أم أن سميرة فتحت الغطاء عن الحقيقة. تنهدت ليلى تنهيدة عميقة وأردفت قائله معاتبه (أيها الزمن المتسارع ألم اقف لحظة صدق بالأمس وعاهدتك أن أتقبل الواقع الجديد وأتعايش معه فهل علي أن أهرول في هذه المرحلة؟ أليس من الأجدى التدرج في ذلك ؟ أو ليس قانون الزمن يتسم بالتدرج ؟ فالليل لا يأتي فجأة بل يتدرج اليوم من صباح إلى ظهيرة حتى يأتي الليل. حتى الألوان تتدرج والمطر أيضاً لا يأتي فجأة فلماذا إذا تطلب مني مواجهة الحقيقة فجأة دون تمهيد؟ أنا لا أتهرب لكن أعد نفسي لهذه المرحلة الجديدة. وهل معنى الوصول إلى الأربعين أن أصبح مثل سميرة هزت رأسها بالرفض وسارعت من الخطى قائله سأمضي إلى مرحلة العمر الجديد ولكن بتأني وبتدرج وبتقبل أيضاً. وصلت ليلى إلى منزلها فتحت باب حديقتها المنسقة بأجمل الإزهار فشعرت بارتياح كبير وأخذت تسقي الإزهار ثم قطفت التسع وثلاثين زهرة جميلة من كل لون وجمعتها فكونت باقة جميلة وحملتها وصعدت الدرج المؤدي إلى المدخل فشعرت بأنها ملكة تصعد إلى عرش مملكتها. دخلت المنزل ووزعت التسع والثلاثين زهره على إرجاء المنزل . نادت حنان وطلبت منها المساعدة في إعداد عشاء مميزا وصنعت كعكة لذيذة زينتها ولم تنس أن تكتب فوقها بالكريمة العدد 39. انتظرت عودة احمد وقبل دخوله كانت قد جهزت المائدة وكعكة الاحتفال . أطفأت الأنوار وأشعلت 39 شمعة احتفلت الأسرة بعيد ميلاد ليلى كأروع ما يكون الاحتفال التفتت إلى زوجها ثم إلى ابنتها قائله بتفاؤل أعاهدكما أن ابذل قصارى جهدي أن اجعل من المرحلة القادمة أجمل سنوات العمر .