تُعرف البيوت المستقرة بمدى اعتمادها على لغة الحوار كلغةٍ سائدةٍ فيها, تمتد جذورها من الزوجين لتصل للأبناء بالقدوة والممارسة.. وكلما افتقدت البيوت هذا الحوار، كلما دق جرس الخطر فيها؛ لأن كثيراً ما يكون الصمت من مقدمات الإنفجار و انهيار الأسرة. وفي الغالب يسبق مباشرة الفراق والانفصال. فالكثير من البيوت تعاني من هذا الخطر الكامن، خطر الصمت الزوجي المتبادل، بتجاهل الحوار اليومي المتّزن التي يشع في البيت أنساً. ويفتح أبواب الطمأنينة. فالصمت الزوجي هو مؤشر يقيس مدى تفاعل ونجاح الحياة الزوجية في البيوت، كما في ميزان الحرارة الذي يقيس ارتفاع وانخفاض درجة حرارة الجسم نتيجة التفاعلات داخله. فضلاً على أن زيادة ذلك الصمت يعني تقلص المساحة أو الأرض المشتركة بين الزوجين. ومشكلة الصمت الزوجي ليست في الصمت بحد ذاته إنما في كون الصمت نتاج لجمود المشاعر والرتابة في الحياة أي أن خطورته تكمن في أنه ليس صمتا لغوياً فقط بل صمتاً في المشاعر صمتاً عاطفياً، صمتاً في التعاطف والمشاركة. فينحصر تفاعل الزوجين في أداء روتيني لمتطلبات الحياة مع فقدان المعنى والهدف. وينشأ عادة من انشغال كلا الزوجين في عمله، وأصدقائه وهواياته. كما وإن ظهور التكنولوجيا أثر سلباً على الحياة الزوجية؛ لما فرضه من عالم آخر داخل كل بيت. وقد يبدو البيت مكاناً يجتمع فيه كلاهما لأداء وظيفةٍ واجبةٍ عليه ومع تلاشي الحوار والكلمات الدافئة المعبرة التي تناساها كلا الطرفين في زحمة الحياة وتربية الأبناء أصبحت الحياة جامدة تُقاس بالاحتياجات المادية فلا مكان للكلمات الدافئة والحوار والعتاب ويتعذر كلاهما بأنه يُقدم ويمنح الآخر الاهتمام بما يقوم به من تلبية احتياجاته. بالإضافة إلى أنهما مع العشرة أصبح كلاهما يعرف الآخر بشكل جيد ويدرك تماما ما يحب ويكره، فلم الحوار والنتيجة محسومة مسبقا؟. وعن الكلمات الدافئة المعبرة يتعذر كلاهما أنها من الرومانسية التي تكون في بداية الزواج، وهي الآن تتجسد بالعطاء، بأن ما يقوم به من عمل هو دلالة كافية على المحبة دون الحاجة للتلفظ بها فالعمل أولى. فإن تلك الاعتقادات مع افتراض النتائج دون الدخول في التجربة تُغلق أبواب التفاعل، وتجعل كلاهما كأنما يقبع في عالمه متمسكا باستقلاليته. وما يجمعهما غير واجبات اعتادا على القيام بها سواء نحو بعضهما أو نحو البيت والأولاد. وأصبح الأولاد في الكثير من الأحيان بدلاً من كونهم عوامل أساسية في ربط الزوجين وتماسك الأسرة كأنهم سبب في انشقاقها. للإنشغال بهم. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا .. ما الحلول التي يمكن أن تعيد روح الحياة لبيوتنا؟ الحل يبدأ بالرغبة دائماً بأن تسير الحياة بشكلٍ أفضل فنندفع بحثاً عن جذور المشكلة. فجميعنا يعلم أن الله تعالى جعل بين الزوجين المودة والرحمة. فأوجد البذور الحية التي إن أحسنا تنميتها وريها أثمرت ونمت حباً وعطاء. فالحب يحتاج لإحياء؛ لأنه فقد مقومات الحياة فيه.. إما بتجاهل استخدام كلماته. أو لإنطفاء معالمه باستخدام الصمت وسيلة عقاب بين الزوجين. وبالرغبة يندفع كلاهما للبحث عن العناصر المشتركة عند شريكه؛ ليبدأ التقرب له من خلالها مع كسر جدار الصمت بالحروف المشبعة بالعاطفة, وكسر روتين الحياة اليومية بالبحث عن كل جديد يضيف لها رونقاً مميزاً. ومشاركة كل منهما للآخر في هواياته، حتى ولو لم تكن من دائرة اهتمامه, وحسن الإنصات والتقبل له ولما يقوله, وإظهار الاهتمام به كأولوية في هذه الحياة رغم الانشغال. فقد تُعطي الكلمات مالا تعطيه الأفعال. و كثيراً ما تُقرب الأرواح رغم بعد الأجساد. بينما يمكن أن تكون الأجساد في تباعد عاطفي رغم قربها. فلتكن لنا وقفة صادقة مع أنفسنا، قبل أن يدق ناقوس الخطر بيوتنا ولنبدأ بترميم حروفنا قبل بيوتنا؛ لتلقي المودة بظلالها على نفوسنا، مواقف وكلمات يتردد صداها باعثاً الجديد في كل روتين.