ما عاشته وتعيشه بلادنا حالياً أصبح يفرض احتكار الدولة لوسائل القوة والسلاح واستيراده والإشراف عليه في إطار تشريع متكامل يخضع له المواطنون, ومن أوجب الواجبات الآن وغداً أن تتضافر جهود الجميع على المستويين الرسمي والشعبي لتمكين الأجهزة الأمنية من منع السلاح الشخصي في العاصمة والمدن في ظل ضوابط صارمة لحمله من قبل من يسمح لهم القانون بذلك ومعالجة البعد النفسي الموصول بثقافة بدائية بآلية تجعل بعض الشخصيات تقدم نفسها وكأنها تمارس مواطنة من فئة ممتاز . حينما تستعرض قوتها ونفوذها من خلال أعداد المرافقين المسلحين، وتتعقد الحالة عند الحديث عن دخول أسلحة متوسطة نطاق الحيازة والاستخدام في حروب الأهل والقرى حول نبع ماء والصراعات القبلية الثأرية هنا وهناك، فيما دخلت عوامل مخيفة خلال الأعوام الثلاثة الماضية على رأسها تهريب السلاح واستخدامه وتزايد الاحصائيات المفزعة لآثاره وإن كان المخرج قريباً في إطار مخرجات مؤتمر الحوار فإن آراء الخبراء والسياسيين وقيادات مجتمع مدني تذهب إلى التأكيد على أولوية معالجة مشكلة السلاح كمدخل للدولة المدنية دولة المؤسسات والمواطنة المتساوية. مسألة حساسة وفقاً لرؤية د. قاسم الطويل مساعد رئيس مركز الدراسات العسكرية يعتبر السلاح أحد المسائل الحساسة والخطيرة وبالتالي يعتبر حمله وحيازته بدون ضوابط قانونية سارية على الجميع استمراراً للفوضى، ولابد أن تكون هذه الضوابط دقيقة وصارمة لا سيما في المدن الرئيسية وعواصم المحافظات، كما أنه ليس هناك أي مبرر لقطاع قبلي أو مشائخي وحمل السلاح والتجول به في العاصمة والمدن. ويرى د. قاسم أن مخرجات مؤتمر الحوار ككل ستضع أسس الدولة المدنية دولة النظام والقانون التي يدعو إليها الجميع بمن فيهم من يفاخر بعدد الرجال وقطع السلاح في المدن. وينبغي على الشخصيات العامة ومسئولي الدولة أن يكونوا قدوة وملتزمين بضوابط حمل السلاح الشخصي من أجل أمنهم وعدم إظهاره بأي حال من الأحوال ومن هؤلاء أناس يعدون قدوة سواءً كانوا برلمانيين أو وزراء وغيرهم والبعض يظهر بشكل غير حضاري ومستفز. عوامل نفسية وقال د. قاسم: هناك مؤثرات سيكولوجية على الشباب والأطفال بسبب هذه المناظر التي تمثل استفزازاً نفسياً واجتماعياً لكثير من الناس وتنمي قناعات بأن حمل السلاح رجولة ونفوذ وهذه تمثل ثقافة سلبية يجب إزالتها إذا أردنا للجيل الصاعد أن يعيش مرحلة بناء الدولة المدنية بنفسية وثقافة مغايرة وقناعات جديدة ترفض مساوئ التفاخر بحمل السلاح ومخاطر استخدامه وهو ما يعني تجذر هذه القناعات حتى في المناطق النائية ذات الخصوصية والتي من المبرر فيها حمل السلاح لأغراض معينة يحمي بها المرء نفسه ولا يؤذي أحداً. ولو أن هذه الثقافة موجودة لما وجدت أرقام وإحصائيات عن تزايد أعمال القتل وضحايا استخدام السلاح وأعمال مجرمة قانوناً وعرفاً، بل وتحت ضغوط معينة وتهديد، دخل السلاح وبأنواع متوسطة إلى مدن حضرية ومسالمة فتشابهت محافظات أكثر تحضراً مع مناطق قبلية ونائية وتلك كارثة تفرض أولوية تقنين حمل السلاح ومكافحة تهريبه وحل مشكلة السلاح الذي تم الاستيلاء عليه أو سُرب من مخازن القوات المسلحة والأمن بكميات كبيرة وبانتهاء الحوار الوطني وإتمام هيكلة الجيش والأمن لابد من فرض قوانين صارمة مستمدة، من عقد اجتماعي جديد ولابد أن يكون للأقاليم صلاحيات في تنظيم قضية السلاح وحسب خصوصية كل إقليم ستكون تشريعات داخلية “محلية” ونأمل أن تكون بعض الأقاليم نموذجية وتعطي صورة إيجابية لأقاليم أخرى تدفعها إلى المحاكاة أو التأثر الإيجابي وحتى يصبح المواطن صانع سلام وتنمية في وجود تلك الضمانات الداخلية إلى جانب تعزيز وتفعيل دور الأجهزة الأمنية بموازاة نمو الجانب القيمي الأخلاقي للأفراد وتعزيز مفهوم المواطنة والولاء الوطني عبر المشاركة في التخطيط والتنفيذ للتشريعات من قبل إدارة الإقليم أياً كانت خصوصيته. حلقة نقاش أما عن موضوع أسواق السلاح واستيراده والمتاجرة به فقد عقدت حلقة نقاشية حول انضمام اليمن لمنظمة التجارة العالمية وكان هناك حديث عن تصنيف الأسلحة وطرح انضمام اليمن إلى الآلية الدولية لتجارة الأسلحة هذا الأمر اعتبره د. قاسم الطويل محاولة استدراج لليمن وأضاف قائلاً: ينبغي أولاً أن يخضع استيراد السلاح وتنظيم حيازته الشخصية في اليمن لإشراف الدولة. سمعة اليمن وبخصوص سمعة اليمن في الخارج من حيث مسألة السلاح وتأثير مجمل الظواهر السلبية المؤثرة سلباً في قطاع الاستثمار قبل أن تتفاقم مشكلة تهريب السلاح في الفترة الأخيرة كان الغالب في التناول هو تأثير العمليات الإرهابية. وحسب رأي مصطفى نصر مدير مركز الإعلام الاقتصادي مسألة السلاح في اليمن مثلت جزءاً من مشكلة تشويه سمعة اليمن من حيث الاستثمار والسياحة على اعتبار أن اليمنيين يمتلكون الكثير من قطع السلاح وما يتردد عن عددها مجرد تقديرات وقد اهتمت منظمة الشفافية الدولية بالموضوع. عدم تطبيق القانون ويضيف نصر: لكن الأخطر هو ما يرتبط بعدم تطبيق القانون النافذ، والمعروف أن تنظيم وحيازة حمل السلاح الشخصي في دول كالولايات المتحدة يعني السماح بحمل وحيازة السلاح في إطار القانون، والحاصل في اليمن أن غياب سلطة الدولة في بعض المناطق مشكلة يجب أن تعالج بتطبيق القانون أما النقاش حول السلاح واستخدامه كمعوق للاستثمار والتنمية السياحية فقد بدأ منذ فترة ولم ينتهِ. سوق سوداء وينتقل الحديث إلى أسواق السلاح والتي يرى عبدالملك العصار رئيس المنظمة الوطنية لمكافحة العنف والإرهاب أن أسوأ جوانب المشكلة السوق السوداء للسلاح. ولا يقتصر الأمر على سوق الطلح في صعدة أو جحانة حيث هناك موردون وسماسرة معروفون وكما سمعنا وشاهدنا في الفترة الأخيرة عن موجة تهريب الأسلحة بأنواعها إلى اليمن عبر البحر والبر. وقال العصار: لقد أبلت القوات المسلحة وخفر السواحل ونقاط أمنية في كشف محاولات تهريب أسلحة من تركيا وربما من غيرها أيضاً وقبض على بعض الشحنات منها شحنة السفينة جيهان، وشحنات أخرى ضبطت ومحاولات لتهريب شحنات سواء عبر شواطئ ذباب والمخا، أو الحديدة والسؤال مايزال قائماً عمن يهرب أو يرخص أو يتستر على هذه الشحنات؟ لم تكشف أسماء المهربين وأضاف العصار قائلاً: الحكومة طالبت بتوضيحات وكشف أسماء التجار والمهربين للسلاح من الطرفين ووعدوا بالرد ثم قالوا: أغلقنا مصانع ولم يكشفوا حقائق وأسماء بعد ذلك. وأما كلمة أسواق سلاح في اليمن فقد صارت من الماضي لأن اليمن بأكملها باتت سوقاً للسلاح وعلى مستوى حيازة السلاح الخفيف فلا يوجد بيت تقريباً إلا وفيه قطعة أو أكثر ما أدى لتزايد استخدام وضحايا السلاح والعنف في كل مكان حتى من الأطفال في الفترة الأخيرة وهي حقائق تفرض تنظيم حمل وحيازة الأسلحة الخفيفة وتنفيذ القانون النافذ وقرار منعه في المدن وتبقى المشكلة في الشخصيات القبلية والنافذين من يتحركون بعدد من السيارات وبتعمد إظهار فوهات الأسلحة من النوافذ ومنها الأسلحة المتوسطة.. فماذا يعني أن تسير شخصية بكل هذه السيارات والأسلحة وأن يصعب التمييز بين مسئول وشيخ قبلي يعبر ب«1014» سيارة ولا يوقفه أحد في النقاط الأمنية.. فالأهم على الإطلاق أن يوجد قانون متطور وفعال لتنظيم وحيازة الأسلحة في إطار مواجهات خرج بها مؤتمر الحوار الوطني. قانون لم يصوّت عليه أما النائب علي اللهبي فيعبر عن تفاؤله بما سيكون بعد الحوار الوطني من وضع حد تهريب وسوء التعامل مع السلاح لأن ما هو حاصل ويحصل شيء مفزع. وقال عضو مجلس النواب: كان هناك مشروع قانون لتنظيم حمل وحيازة السلاح ولكن لم يتم التوافق عليه إذ نوقش ولم يصوت عليه مجلس النواب.. والوضع الراهن يتطلب إعمال القانون النافذ حتى يأتي قانون جديد على اعتبار أن انتهاء مؤتمر الحوار سيعقبه إعداد الدستور الجديد وعلى أساسه ستنشأ تشريعات تواكب المرحلة القادمة في ظل دولة النظام والقانون، ولكن الحكومة ملزمة بالعمل بالقانون الموجود حالياً نظراً لمآسي استخدام السلاح. دور توعوي أكثر ما يعول عليه البعض من قيادات المجتمع المدني هو أن تكون مخرجات الحوار بشأن تنظيم حمل السلاح وحيازته متكاملة بجملة من الإجراءات الضرورية لحماية حقوق الأطفال ومنع وقوع ضحايا السلاح والتعامل مع خصوصيات بعض القوى والجماعات والتي يدعو البعض منها إلى دولة مدنية ويحمل السلاح.. ويعتبر جمال الشامي مدير المدرسة الديمقراطية أن المجتمع المدني مستعد وجاهز لاستيعاب مخرجات الحوار فيما يخص دوره وقال: كمجتمع مدني عملنا ونسعى من خلال خططنا إلى العمل مع الشباب والأطفال لتنمية الثقافة السليمة لديهم ونعمل على خطط للتوعية وحملات ضد الثقافة القديمة القائمة على حمل واستخدام السلاح وتجريم إشراك الأطفال في المنازعات سواء الباردة منها أو الصراعات الأخرى ومنها ما حدث في صعدة.. وقد تواصلنا مع مؤتمر الحوار فيما يتصل بتجنيد الأطفال وتدريبهم والزج بهم في الحروب، وعرضنا توصيات على لجنة حقوق الطفل في جنيف والذين عملوا بدورهم على تقديم توصيات للحكومة من أجل أخذ قضايا الطفل بعين الاعتبار، ومنها أن بلادنا معنية بالعمل على كافة المستويات من أجل حماية الأطفال من ثقافة السلاح وتوعيتهم بقضايا المستقبل. إجراءات جازمة وأضاف الشامي : من أجل جيل جديد واعٍ بمخاطر العبث بالسلاح نحتاج إلى إجراءات صارمة وتنظيم لحمل وحيازة السلاح وأن يصبح القلم هو سلاح الأطفال في المستقبل. من جانبه إبراهيم شجاع الدين رئيس منظمة وطن أكد أهمية الفعاليات التوعوية المناطة بمنظمات المجتمع المدني وما نفذته من حملات تحمله مؤسسة وطن لمكافحة حمل السلاح في المدن كخطوة أولى ومنعه في مرحلة لاحقة خارج المدن وكانت حملة ناجحة. وقال: التوعية مواكبة وسيأتي تنظيم حمل السلاح في إطار تطوير منظومة الحكم ولابد من نصوص قانونية وصرامة في التنفيذ لأن البعض لن يتخلى بسهولة عن علاقته المغلوطة بالسلاح ما يعني وجود دولة قادرة على فرض القانون. وأضاف الشجاع قائلاً: مشروع مكافحة حمل السلاح نعتبره نوعاً من مواجهة التطرف والعنف لأن وجود أسلحة يعني استخدامها في غياب سياسة حازمة مانعة ورسالتنا هنا أننا نطمح إلى بناء دولة مدنية خالية من كافة وسائل العنف إلا ما يحق امتلاكه من قبل الدولة باعتبارها محتكرة للسلاح ولابد من تفاعل وتعاون الدولة ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع فئات وأفراداً من أجل وضع ضوابط حمل السلاح وأن يتفاءل الجميع بمخرجات مؤتمر الحوار والتي لا معنى لها إذا لم تؤد إلى قانون وآليات للسيطرة على سوق السلاح ومنع التهريب وتنظيم حمل السلاح الشخصي في الداخل وبذلك نؤسس لثقافة جديدة.